ترجمة الخضر شودار
«في وثبة حتى الفضاء، دونما انقطاع، من غير أن يهتك حجاب الليل المكشوف، ولا أن يقاطع صيحاتهم المأنوسة».

■ ■ ■


حُلمُ وقت الظهيرة: زحف الغيم البطيء على السطوح. ثم وازعُ البقاء، أصابعي المتشنجة قابضةً على الحبل.

■ ■ ■


هالة ضوء أسفل الباب. وهذا الخبث الأفعواني المستبدّ شاحذاً اللغة عبر الباب إزاء الليلة المستفحلة...

■ ■ ■


وصيفاتك... عباءاتهن مبقعة بالدم. كلهن متماديات... أبعد من سهم هذا الفراغ فينا. أمُندهش أنت لكراهيتهن...

■ ■ ■


الماء منفلت. الحكاية متلكئة. كأن الزهر البري، ملكوت.

■ ■ ■


لا شيء لتقوله، لا شيء لتكتمه. كتابة هذا تقع كالصاعقة. أن تكون وحدك من ينسى الليل وكيف يتلاشىَ...

■ ■ ■


أكتب كما لو أني لم أولد بعد. أولى الكلمات: متهاوية، عارية، منجذبة إلى الهاوية. أكتب بلا كلمات كما لو أني ولدت.

■ ■ ■


فيضُ الماء، في المنخفض، يجرف حطام الهباء.

■ ■ ■


في منعطف جهة الشمال. صدى للانكسار. إلتفاف الظل حتى منتهى أقدامنا. لقد عادت اليمامة...

■ ■ ■


كتاب متناثر، جثة ممزعة. نبش ينبوع في مجرى الدم. وفي الرمال حيث يذوي ماء لسانك، أدوم الأعمال، نهار للشمس لا ينقضي...

■ ■ ■


بإدبار. تذهببن في الصباح البارد. شال معقود، من الحرير الناصع، على الشعر الفاحم. تذهبين... بدءاً من الخطوة العاثرة التي تكشف السماء...

■ ■ ■


كنت لها ما قبل التاريخ، عين الحرباء الزرقاء الواسعة. كنت لها صفو ما قبل الانغطاس.

■ ■ ■


برسم كتابة غابرة. رسمة باهتة استحالت بخيط الى نور. و بانكسارها الى جملة موسيقية. تكرار الآخر في الذات، معلناً إندثاره

■ ■ ■


قنوط السكين المستبد يحدق بالأرض.

■ ■ ■


في غيابنا يستحق الانبهار الحداد. من ذا الذي يحبس رقصاتك وترنماتي. أنت، أيها السواد.

■ ■ ■


لا أوبة لي تماماً. بهذه التلويحة اللامتناهية من ذراعي التي تذكي، بمعزل عن مخاوفك، أنفاس وحدّة السكين.

■ ■ ■


في المدينة. مدينة ما. أخرى. مضيئة. هاجعة في الضباب، أو في البحر.
لي أن احتضنها، أن أجددها، أو أهدمها.
في بدء التجديد. ستكونين أول القادمين. و أكون أسمى الأموات.
أيتها المدينة المرتجّة و الأسطورية...

■ ■ ■


ثقلة واهنة على كل حرف من حروف جسدك. تنفس النباتات، الليل، الأفق الذي لم يعد خطاً منساباً، لكنه نطاق كنطاق الإبريق.

■ ■ ■


الذي لم يتيسر نبشه مطلقاً. في جنح ذلك الليل. هو فتون التربة الناصعة. نضوح الندى. هو ما لم تتيسر كتابته أبداً من قبل... اللون مخظلاً على الشفير.

■ ■ ■


فجأة تتوارى: في نوع من القداسة المريبة. النوافذ المفتوحة، المغلقة. السماء جاثمة تتوارى.

■ ■ ■


تطفح الكتابة بما يفسّخها من شذى العطور. ينشق الضوء، كحبة تين ناضجة، كجرح قتيم...

■ ■ ■


حتى وهو ميت، يظل مرهفاً السمع. على خلاف الإنسان يظل. خارج الصوت. كبلوط الكستناء. كإلتهاب شقائق النعمان...

■ ■ ■


وجه جانبي، و غياب للحكي. لا أموت. أبداً لن أرسم. أبدد الملمح المستكين للوجه. القمر متهاديا في منازله الأولى.

■ ■ ■


أنصاب حجرية، وخطو حثيث. هو لم يستروح بحرية إلا من خلال ذلك الشقاء الملازم للجسد، جسد آخر في السماء
عنك، أو عن أي شخص آخر، لا أعرف المنتهى أو القلب. كالمحتضر صامداً...

■ ■ ■


الفراغ اللطيف في تقاطيع الحجارة القاحلة. حبات التين المترنّحة تحت الأوراق، الضوء. و بإزائها، أصابعي المكسورة، المنتشاة حتى الموت...

■ ■ ■


عجوز على وريكتها، استجمعت كل قواها في خيط واحد، من صوف حمراء... في هدوء، تسوي رأس المشبك، حتى أقصاه. منذ أول براجم أصابعها الرمادية. حتى السمع الرهيف...

■ ■ ■


فأر مثخن بالجراح. الفراغ صارخاً تحت العقاب.

■ ■ ■


لا شيء ملفت. إن لم يكن الماء الشحيح في الصهريج القديم. ذي الخرزة المتفجرة. حروف جسمك في معرض شمسي، شمس غائبة...

■ ■ ■


أقتحم الباب. أصغي. أشد على الوتر: إلى أن تختفي هذه الطفولة المتعرّمة كثلج أمام الباب...


* بدأ جاك دوبان (1927 – 2012) بدراسة الحقوق والعلوم السياسية والتاريخ، ثم انفتح على تأمل الفنون ودراستها من خلال زيارات متكررة للمتاحف المختلفة، صاحب ذلك إكتشافه للسريالية والشعر المعاصر بالإضافة الى قراءاته لبلانشو وكافكا وفوكنر. كما ساعده رونيه شار ابتداء من عام 1947 على نشر نصوصه الشعرية وكتاباته عن الفن في مجلة «بوتيغ أوسكير» ثم كأمين لدفاتر الفن عام 1952، عقد صلات مع فنانين أمثال بيكاسو، وبرانكوزي، وبرونير، وكالدير، وبراك، وميرو، وجياكوميتي. كما صادق كل من أندري دو بوشيه، فرانسيس بونج، وبيار ريفيردي. وقد نتج عن علاقته بجياكوميتي أعمال مشتركة: كتاب، وفيلم، وتنظيم عروض. كما نشر نصوصاً وكتابات عن ميرو وأنشأ كتالوغات لنقوش ولوحات فنية مع عروض تذكارية. أسس رفقة دو بوشيه، وإيف بونفوا وغايتون بيكون، وفرانسيس بايكون ، هنري ميشو مجلة «إفيمير». حصل على «الجائزة الوطنية للشعر» عام 1988.