أنطوان أبو زيد *عزيزي أنسي
في الذكرى الأولى لغيابك، أرسل إليكَ بعضاً من شواغلي ومنغّصاتي، لعلّك تومضُ بطيفك على الشعر فيشعّ ويحيا. عزيزي أنسي، أتُرى غالبتَ الموتَ، هذا الذي آخيتَه في لياليك ونهاراتك الجحيمية وصباحاتك النعيمية المنسوجة بقماشة الشعر الممرّدة؟ أم تراكَ تحت «شجرة الجنّة» على وصف المعرّي في رسالة غفرانه، تهيئ لنا تحتها مطرحاً لتعاودَ فيه رواية حكاياتك علينا.

حكاية الحبّ القاهر الحدود، وحكاية الأنَفة المغزولة بثلاثة خيوط: العصَب، والرهافة البعيدة، وحروفهما وأصواتها ورقصاتها الطوطمية مع كلّ الزوابع والمدارات والحواسّ وآفاقها الرحيبة. أم أنك اهتممتَ قليلاً بنقلك إلى شجرة الجنّة، وأنت لطالما ربّيت غصونها الوارفة وثمارها الشافية في روح شعرك، حتى قبيل الرحيل؟
ما أسألك عنه من عليائك طارئ وعسيرٌ علينا لا عليك. فهلّا نظرتَ من فوق الى الهوة الفاصلة بين الشعر وجمهوره، فبشّرتنا بيوم زوالها، ونحن حاضرون؟ أو هلّا أرسلتَ من لدنك أجواقاً تنفخ في أسوار السلاطين كلّهم، والملوك والمترئسين جميعاً، فتنهار نظير أسوار أريحا، أسوار البغض والكراهية والقتل والتمييز والاستزلام والزبائنية والعرضحالية والانتفاخية، في السياسة والشعر والاقتصاد والثقافة على السواء؟ أو كأنك انشغلتَ الآن بأمر أهمّ وأعظم من أمانينا وكراماتنا الشخصية، كأنك معنيّ اليوم بابتكار مجلس خميس في السماء اسمه خميس الشاعرات والشعراء، إلى جانب يوسف الخال وفؤاد رفقة وعصام محفوظ وناديا تويني وغيرهم ممن سبقوك الى الشجرة واقتعدوا هنالك تحتها منتظرين قدومك الأنيق الى ندوتهم السرمدية.
أسألك أن تقصّر عذابات
البسطاء من أهل الشعر

عزيزي انسي، لا أسألك أمراً جللاً، ولا أودّ استصراحك عن الكنز الذي ضفرت سرّه معك وارتفعتَ. إنما أسألك شفاعة بسيطة، وساطة بلغة اللبنانيين التي تكرهها -أعلم ذلك- أن تقصّر عذابات البسطاء من أهل الشعر، لأن البساطة من السماء لا من دهاة البشر، ثمّ تسعى لنشر طَلع الكلمة الحرّة المجنّحة على البشر كالغبار الكوني الجديد، لتصير لهم عيون جديدة وقلوب من أقواس القزح الملونة.
وفي الختام، أقول لك، عزيزي أنسي، إننا بين نارين وبين نوعين أو أكثر من البرابرة، ومن يعش منا يخبرك عن مآل الشفاعة، وإلا فما عليك سوى استرجاع أفلام وجودك الصامتة والقديمة لتعرف. ومع ذلك، أرسل لك تحيتي وسلامي. أنا في الأرض الغريبة، لبنان،
العالم.
* شاعر لبناني