موضوع الأمازونيات أثار خيال كثيرين منذ أقدم العصور، من أدباء وشعراء وليس انتهاءً بمخرجي هوليوود. الموضوع بحد ذاته مثير للاهتمام، لكن أيضاً من منظور حب التلصص؛ تلصص الرجل على عالم النساء، الخفي أبداً! الكاتبة تقدم لنا الموضوع في موسوعة حقيقية تغطي العالم القديم، من شمالي أفريقيا إلى الصين، في 25 فصلاً. فهي لا تترك أثراً من دون معاينته، ولا حجراً من دون أن تقلبه، ولا نصاً من دون تحليله. تلاحق في كتابها هذا كل ما قد يرفع الستار عن هذا السر، أو ما شبه لنا أنه سر؛ تلاحق النصوص الإغريقية القديمة ذات العلاقة، وتناقش كل كلمات استنتاجاتها، وتقارنها بما توافر لنا من آثار، مادية أو خطية.
تقرأ الأغاني الشعبية والحكايات والأشعار التي قيل إنها عن الأمازونيات وتعيدها إلينا بلغة مبسطة وجميلة، لا تخلو من الدعابة أحياناً، حيث كتبت أنها قصدياً صعبت مهمة القارئ المتلصص الذي قد يغويه الموضوع بالنظر في بعض الرسوم ومقاطع من الكتاب، بدلاً من التعامل معه على أنه وحدة متكاملة، فعمدت إلى توزيع معالجة مختلف جوانب الموضوع على كل الفصول، السابقة واللاحقة، ما يجبره على الالتزام بقراءة الكتاب وفق بنيته كي يحصل على كل المعلومات ذات العلاقة. في الوقت نفسه، تعالج مسألة الاسم، من منظور ولع الإغريق بإرجاع كل معنى، كل مفردة ليست في لغتهم إلى أصل يوناني أو هيليني. تقدم الإثباتات المادية على عدم صحة كثير منها، وخصوصاً تلك التي تدعي أن الاسم يعني ذوات الثدي الواحد - في إشارة إلى الأسطورة التي تقول إنهن كن يتخلصن من ثدي كي يتمكن من الرماية بالقوس والسهم، وتسأل أهل الاختصاص في مدى صحة ذلك فتأتي الإجابة من عالم الطب الذي يؤكد أن نزع ثدي يضعف من عضلات الساعد. الرسوم على الأكواب وأغراض أخرى تظهرهن بثديين. أما الإمبراطور الروماني نيرو فقد كان لا يتنقل من دون رفقة كوبه الخاص المرسوم عليه أمازونية بثديين سليمين. الكاتبة تستعين أيضاً بأحدث المكتشفات العلمية التي تمكننا من معرفة جنس الآثار البشرية في المقابر وتتعرف بالتالي على أعداد كبيرة من مقابر نساء محاربات. هذا هو معنى أمازون، كما تثبت المؤلفة في كتابها الممتع والشيق حقاً. الجغرافية التي غطتها الكاتبة في مؤلفها هذا عثرت فيها على آثار أمازونيات. وفي المناطق التي لم تجر فيها تنقيبات أثرية موسعة، استعانت بالنصوص الأدبية التراثية والقياسية، والنقوش القديمة، وتبين لها أن العرب أيضاً عرفوا نساء محاربات، قبل الإسلام وبعده، أشارت إليهن النقوش الآشورية، كما كتب الإخباريون العرب (هذا موضوع العرض التالي: نساء الإسلام المحاربات).
قَرَأتْ أيضاً في الآثار الأدبية الرومانية أن قبيلة نساء محاربات انطلقت من شمالي أفريقيا لمؤازرة هانيبال في حربه ضد رومة عبر جبال الألب. الكاتبة، أستاذة التاريخ وفلسفة العلوم والتكنولوجيا، صاحبة العديد من المؤلفات التاريخية ومنها الحرب البيولوجية في العصور القديمة إضافة إلى عمل موسوعي آخر عن الإمبراطور مثراديتس ملك بونتس الواقعة على البحر الأسود، والذي دوخ الإمبراطورية الرومانية. البرفسورة أدرين مير قسمت كتابها إلى أربعة أجزاء ضم كل منها عدة فصول.
الجزء الأول: «من كن الأمازونيات؟».
تقرأ الأغاني الشعبية والحكايات والأشعار عن الأمازونيات

الجزء الثاني: «نساء محاربات تاريخيات والتقاليد الكلاسيكية».
الجزء الثالث: «الأمازونيات في الخرافات والأساطير والتاريخ الإغريقي والروماني».
الجزء الرابع: «ما بعد العالم الإغريقي» - القفقاس وفارس ومصر وشمالي أفريقيا وجزيرة العرب وأواسط آسيا والصين. المؤلفة أثرت كتابها بملحق يضم الأسماء التي أطلقت على الأمازونيات أو النساء المحاربات في النصوص الأدبية وفي الفنون، من حوض البحر الأبيض المتوسط إلى الصين. بعض أجزاء الكتاب، وخصوصًا عند استعراض المؤلفة أخبار الآثار والقبور في أوراسيا، تبدو مطولة حيث تذكر كل واحد منها بالتفصيل. الإسهاب سببه، كما نرى، أن هذا العمل علمي أولاً وأخيراً، وليس اثارياً أو تلصصياً بأي حال من الأحوال، وأيضًا لأنها تقدم رأياً جديداً يثري السابق عليه، بل يتجاوزه في المقام الأول. فأدريَنّ مَيَر قدمت للقراء عملاً موسوعياً سيمضي وقت طويل قبل أن يتمكن أحد من تجاوزه أو حتى إثرائه.