كما المؤلف السابق، أثار «ما يفعله الجند - الجنس والجنود الأميركيون في فرنسا إبان الحرب العالمية الثانية» موجة عارمة من الاحتجاجات في مكان صدوره، أي في الولايات المتحدة الأميركية. آخذين في الاعتبار أنه صدر عن دار أكاديمية تابعة لجامعة «شيكاغو» الشهيرة، فإن التشكيك في منهجية العمل وعلميته وقدرات الكاتبة مسألة صعبة أو غير ممكنة حقاً، فقد تفادت معظم الانتقادات الجانب العلمي كأنها تتوقع ردود الفعل. قامت الكاتبة، وهي بروفسورة تاريخ في «جامعة وسنكنسن» الأميركية، بشرح أسباب عملها وكيف وصلت إلى المادة، المسكوت عنها. إضافة إلى ذلك، أوضحت ابنة الجندي الأميركي الذي شارك في الحرب العالمية الثانية وكان مقره في فرنسا حيث تزوج من والدتها المرأة الفرنسية التي التقاها إبان خدمته هناك، عدم افتقارها إلى المشاعر الوطنية تجاه وطنها بما يعكس حساسية الموضوع ومن يتعرض له بالبحث لأن الأمر قد يمس شرف والدها وأصدقائه والجيش الأميركي كله.
هناك من قد يسأل، حقاً، ما الذي يفعله الجند في الحرب؟ على سبيل المثال، كيف تمت تعبئة الجنود الأميركيين لإقناعهم بالتفاني في تقديم أرواحهم في حرب مندلعة في أراض بعيدة آلاف الكيلومترات عن أوطانهم؟ هل يعبَّأون على أنهم يقودون حرباً مقدسة من أجل الحرية وضد الطغيان؟ بالتأكيد، لكن هل هذا يكفي؟ لنقل: هل يكفي هذا في حال فرنسا المهزومة التي استسلمت من دون قتال حقيقي للغازي الألماني؟
الكاتبة قالت إن ما قادها إلى هذا الموضوع اطلاعها على نشرة للجنود الأميركيين حيث كان الحديث في الحرب العالمية الثانية والدعوة للانخراط فيها، والوعد بمكافأة جنسية للمشاركين. أي القول: إن النساء الفرنسيات كن ينتظرن وصول الجنود الأميركيين ليضاجعوهن. لذا فالكتاب كله عن الجنس، عن موقف الجنود والإدارة الفرنسية التي قامت عقب احتلال قوات الحلفاء فرنسا عام 1944 من الجرائم والضحايا.
عندما نقيّم موضوع هذا الكتاب وجب ـــ في ظننا ـــ النظر البحث في أسباب الصدمة التي تصيب كثيرين عند سماعهم عن انتهاكات أبنائهم. وهذا مفاجئ لأن الحرب، أي حرب، ليست عملاً إنسانياً، حيث يكون الهدف الأول والأخير إخضاع العدو على نحو كامل وغير مشروط.

يتابع المؤلف سيكولوجية الصراعات ونفسية الجنود خلال الحرب العالمية الثانية

المشكلة في عدم تناول المؤرخين هذه المادة من قبل، تكمن في أن الخرافات الشعبية السائدة تمجد الحرب وتجعل الجند أبطالاً يمثلون روح الأمة وحصانتها وضمانة وجود وشرفها. الحرب، من المنظور الشعبي، خصوصاً من منظور من لم يعايشها، تمثل قمة الذكورية، وهذا ما [يجب أن] يجذب النساء للجند، بما يجعلهن مرتكبات الجريمة لا ضحاياها. لنعد إلى الحقائق: لقد قامت هوليوود بتصوير الجندي الأميركي على أنه الجسد الكامل الأنيق، الغني، الذي أتى في مركبة محرراً وجيوبه مليئة بالشوكولا والقهوة والعلكة! لا بأس، النساء الفرنسيات نظرن إلى الجنود الأميركيين في بلادهن على أنهم محررون حقاً لذا استقبلنهم بأذرع مفتوحة، لكن من غير الممكن قبول الانطباع بأن تلك المرأة الفرنسية التي عبرت عن امتنانها للجندي الأميركي، كانت تفكر في مضاجعته. فقط التعبئة التي مارستها قيادة القوات الأميركية هي التي أحالت النساء الفرنسيات إلى راغبات دوماً، وضاعفت شهية الجنود الأميركيين الجنسية. الدعاية الأميركية عن فرنسا أن ممارسة الجنس فيها جزء من أسلوب الحياة جعلها أمة قاصرة، لذا نقرأ كثيراً عن المطالبة بوضعها تحت الانتداب لأن أي أمة تعيش من أجل احتساء النبيذ وممارسة الجنس قاصرة. بل إن أدبيات الجيش الأميركي في ذلك الوقت تصف المرأة الفرنسية بأنها شريحة من اللحم - حرفياً، وهو ما شجع الجنود الأميركيين على اغتصاب الفرنسيات وانتشار بيوت الدعارة والأمراض الجنسية. الكتاب مهم لأنه يتابع سيكولوجية الصراعات ونفسية الجنود والمشاكل الجمة التي نشأت عن الصور النمطية، وربما هذا ما جعل الرجال الفرنسيين يقومون بحلق شعور النساء الفرنسيات اللواتي اتهمن بمصادقة ألمان، واستعراضهن عاريات في الشوارع. هذه التصرفات الحمقاء والمذلة، محاولة من الرجال الفرنسيين لتأكيد ذكوريتهن وأنهم المسؤولون عن «شرف» الأمة! الكتاب يلخص بجملة واحدة: عندما أتى الجند الألمان أخفينا رجالنا، وعندما جاء الجند الأميركيون أخفينا نساءنا!