كما لو أننا حيال ألبوم بالأبيض والأسود. صور وذكريات ووقائع تؤرخ حياةً حافلة بالتحوّلات، من دمشق، مروراً ببيروت وباريس، إلى سان باولو وبوينس ايرس. «سلالم الشرق» مجدداً بقراءة متشظيّة، وتاريخ مثقل بالديون، وحكايات العشق العاصفة. هكذا تحشد السورية لينا هويان الحسن (1977) في «ألماس ونساء» (دار الآداب) جحيم نصف قرنٍ، مثقل بمخزون حكائي تتناهبه تضاريس الأمكنة والأقدار الغامضة.
تتكشف خريطة دمشق عن حيوات إثنية متجاورة في نسيجٍ عاطفي محمول على نوستاليجيا باذخة تستعيد تاريخ مدينة لطالما كانت مشتلاً للجمال والأسرار والعطر الإلهي. غزارة الوثائق التي لجأت إليها الحسن في إعادة تدوين تاريخ بشر معلّقين بين خريطتين، أثقلت السرد الموازي بحكايات متشعبة، يصعب تركيبها بسهولة، كأن الروائية أبت أن تتخلى عمّا غنمته من وثائق نادرة عن المهاجرين السوريين الأوائل إلى أميركا اللاتينية، والتواريخ المجهولة، ما أصاب الرواية في بعض مفاصلها بعطبٍ ما، في سيرورة الأحداث، خصوصاً أنها اعتمدت تقنية مكرّرة في تشبيك الوثيقة بالتخييل السردي. تشغف الحسن في استدعاء الأنوثة من الداخل حين تكسي نساء روايتها بكل ما يعزّز الجمال الخارجي، فتستدعي ماركات الأزياء والعطور والمجوهرات في نوعٍ من الافتتان بكل ما يشحن الحواس، كأنها بذلك تعوّض الأنثى عمّا ينقصها في حياتها كمحصلة لظلم تاريخي يحيق بها، وخيبات وقمع وخذلان واغتراب. الإغراق في رفد حيوات الشخصيات بما يوازيها من تواريخ الحياة العامة لجهة التطوّر الصناعي الذي شهده العالم، ظل بمنأى عن دينامية الشخصيات في مواجهة أقدارها، خصوصاً أن الراوية ظلّت تتحكم بمسار السرد، من دون منح شخصياتها حريّة التنفس خارج إطار الوصف المرسوم سلفاً في ذهنها، ما شكّل إعاقة في نمو بذرة التمرّد على هواها. ذلك أن هاجس تشبيك العلاقات الإثنية بين الأقوام المختلفة لجهة قصص الحب، طغى على ما عداه رغم سعيها إلى تأكيد خيوط الصراع بما هو أبعد من ذلك، في ما يخص الشروخ التي أفرزتها الحرب لتنتهي الحكايات إلى حطام، وأحلام مجهضة، وفراق وخداع، وتوق إلى فضاءات أرحب، عبر تسلسل زمني يبدأ بشخصية «ألماظ» ليتفرّع إلى عشرات الشخصيات التي تناهبتها المدن والمغامرات المثيرة، والنهايات الفاجعة.
* لينا هويان الحسن ــ «ألماس ونساء» (دار الآداب)