مجموعة مصورات تاريخية وحديثة تثري المادة المكتوبة
قسم نيكولاس رو مؤلفه إلى أربعة أجزاء، أولها «دخول فلسطين وتاريخها» الذي يتناول ـــ كما يتضح من العنوان ـــ تاريخ فلسطين و"اكتشافها" عبر الرحالة الأوروبيين، إذ حاول العثور على بداية تاريخ البلاد، فثبتها في القرن التاسع عشر عندما كثرت السياحة "التوراتية" أو"الكتابية" من أوروبا. قبل عرض بقية أجزاء الكتاب، لا بد من تأكيد عدم اتفاقنا مع بعض "المعلومات" التاريخية والجغرافية التي أوردها، منها قوله إنّ أبا التاريخ الإغريقي هيرودوت أطلق اسم فلسطين على شريط بحري (ما يعرف حالياً باسم قطاع غزة). علماً أن هيرودوت أطلق هذا الاسم على المنطقة الممتدة من دمشق جنوباً حتى حدود مصر الشرقية. كذلك فإننا نختلف معه في بعض تقويماته السياسية، لكن الكاتب ليس بناشط سياسي أو محارب. إنه راقص، بالمفهوم الغربي الحداثي، وليس بالمفهوم الشرقي الذي يطابق المعنى بالمفردة (رقّاصة) التي قد تنقل معنى سلبياً للغاية. لكننا في الوقت نفسه نتعلم منه معلومة عن احتمال أن جذر مفردة رقص هو بابلي ويعني التوقف عن الحداد! الجزء الثاني يتناول بالعرض والتحليل المرحلة الممتدة من عام 1800 إلى عام 1947. أما الجزء الثالث فيعرض المرحلة الممتدة من عام 1948 إلى عام 1980 حيث يلاحظ المرء في هذا ميل الكاتب إلى حصر الحديث في الأراضي المحتلة عام 1967. في الجزء الرابع والأخير، يعرض رو تجربته في تعليم الرقص ودراسته أيضاً بين عامي 1980 و2008، عندما غادر الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بصحبة زوجته الفلسطينية، التي كانت السبب الرئيس لمكوثه في البلاد ثمانية أعوام وانتقاله للعيش هناك. هدف المؤلف، دوماً بحسب الكاتب، إظهار الرابط بين الرقص والسياسة، وعلاقتهما ببعضهما. هذا تحديداً ما دفعه إلى البحث في التاريخ الذي خصص له الجزء الأول من المؤلف. مشاكل عدة واجهت الكاتب في كيفية التعامل مع الرقص في فلسطين. من ناحية، يذكر أن طلب فرق الرقص الفلسطينية المشاركة في مهرجانات الرقص الأوروبية رفض على أساس أن عروضها تراثية وليست حديثة! هو نفسه واجه هذه المشكلة عندما رغب في تعليم الفرق هناك الرقص الحديث، حيث قوبل بالرد: لكن رقصنا حديث! دفعه هذا إلى التعمق في المادة وقاده إلى تناولها تاريخياً حيث صار الرقص يستجيب للتغيرات السياسية ويمثلها. معضلة أخرى واجهت الكاتب في كيفية وصف رقصة بأنها فن!
لا شك في أن صورة الشعب الفلسطيني المعكوسة عالمياً هي مجموعة من المتظاهرين وقاذفي الحجارة والخانعين للعدو: هم حركة "حماس وحركة الجهاد وكتائب شهداء الأقصى وما إلى ذلك، لكن المؤلف لا يظهر الشعب الفلسطيني كحالة سياسة نضالية، بل يُظهره شعباً جذوره ضاربة في الأرض وتاريخها. فثقافة شعب وميراثه هو التاريخ وليس النضال السياسي والعسكري. هنا تكمن رسالة أخيراً من التنويه إلى مجموعة المصورات التاريخية والحديثة، الأخاذة حقاً، التي يحويها المؤلف المكتوب بلغة سلسة مقروءة، وهو إثراء للمادة ما بعده إثراء، متذكرين حقيقة ندرة الكتابات في هذا الموضوع بأي لغة كانت.