لقد قتلتُ كلمات كثيرة، خنقتها بيدي حتى الموت، عوض أن أكتبها، مثّلت بها، قطّعت أطرافها، طمست وجوهها، سلخت بصماتها، حشوتها في أكياس سوداء، ورميتها على مراحل، في وديان المياه العادمة.كل مساء أجلس في المقهى مع أصدقائي مُرتابا، يتكلمون عن الشعر برومنسية، بلغة فصيحة خالية من أخطاء النحو، متطلعين إلى السحاب، بينما أظل صامتا، كتوما، مُخفيا تحت الطاولة يديّ الملطختين بالحبر، داخل قفازات، ببقع كثيرة لجراح الكلمات، للطّعنات بين الأكتاف، للمسايفة، لتصفية الحسابات مع الذات بفظاعة، بالقتل المنزلي غير المحترف، الأكثر وحشية، بسكاكين المطبخ غير الحادة، وبالمقصّات، بسبعة وعشرين طعنة في الكبد، بتلذذ كامل بالجريمة الكاملة، بالوصول باللذة الجنسية إلى مكامن هتك معاني الأرواح، بسيكوباتية مرعبة للأهل وللجيران، ورهاب مزمن من ضوء النّهار ومن المارّة وظلال الأشجار، حاملا في جيناتي المنحطّة الهيئة المريبة لشاعر متسلسل.
يتفرق أصدقائي كل واحد في اتجاه، سعداء بالقصائد وبدواوين الشعر وبالسحاب، بينما أسلك طريقا طويلة ملتوية جدا داخل نفسي، إلى بيتي، في الظلام، رافعا ياقة المعطف حتى أنفي، مضللا الجواسيس والحواس بذلك، ملتفتا ورائي كل ثانية بريبة في الزّقاق الإهليلجيّ الفارغ، منتظرا الطعنة المُحكمة للأشباح، غير المسموعة، بين أكتافي.
فوق سريري، كل ليلة، في ضوء عينيّ الآثمتين، تتحول بقع الحبر على أصابعي المرتعشة، إلى بقع دم.
محمد بنميلود
(شاعر مغربي)


سيأتي
قَالَتْ لها شُجيرةُ الرمّان
التي تقطعُ الطريقَ جيئةً وذهاباً
بين قبر جدّتها
وحديقةِ بيتَها
سيأتي
قالت لها النيلوفرات اللائي شهدنَ غرقَهُ
للمرّةِ الاولى في سَوْرةٍ للفرات
قرب الناصرية
سيأتي
قالت لها الوجوه
الملصقة على الحيطان
وهي تلوّحُ من جنائن الخلد..
سيأتي
قال لها اصدقاؤهُ الذين التقوها
في منعطف البرزخ
سيأتي
قالت لها القصيدة التي
لن يكتبْها
هذا الغاربُ الذي تأبط البحرَ
وتركَ القاربَ
سيأتي ..
سيأتي..
شوقي عبد الأمير
(شاعر عراقي)




في خزانتي فستان قديم قليل القماش
سحبته
فسقطت فساتين أخرى طويلة أكرهها
لبسته
وتحركت أمام المرآة في غرفة وحدي
كم جسدي مبتسم الآن
وكم ضحكته تدوّي.
سونيا فرجاني
(شاعرة تونسية)



الجنود ليسوا من خميرة الماء
يمكن معرفة هذا بسهولة من عيونهم التي لا تعرف شكل السماء
الجنود ليسوا من خميرة الطيور
يمكن معرفة هذا بسهولة من شهواتهم التي تسبقهم إلى الحرب
الجنود ليسوا من خميرة القرنفل
يمكن معرفة هذا بسهولة من الندى الذي لا يلتصق بأيديهم
الجنود ليسوا من خميرة الحلزون
يمكن معرفة هذا بسهولة من الطريق الذي لا يصل إلى أقدامهم
الجنود ليسوا من خميرة الصباح
يمكن معرفة هذا بسهولة من العتمة التي لا تغادر ضحكاتهم
الجنود الذين نزلوا من الجبل
ليسوا الجنود الذين صعدوا إلى الجبل
ليسوا الجنود الذين أطلقوا الرصاص
.هم فقط أولئك القتلة الذين ولدوا ميتين
عاشور الطويبي
(شاعر ليبي)