جيم هاريسون: عاشق الريف والملذات

  • 0
  • ض
  • ض

تحيّة إلى جيم هاريسون (1937 ــ 2016) وجّهها هذا الشهر «مهرجان أميركا» الذي أقيم في فانسان الفرنسية (إقليم فال دو مارن)، بحضور الناقد فرنسوا بونيل الذي ينجز حالياً شريطاً تسجيلياً عن الكاتب بالتعاون مع أدريان سولان. تزامن ذلك مع صدور الترجمة الفرنسية لمذكراته «المشعوذ العجوز» التي أبصرت النور في الولايات المتحدة قبل شهر من رحيله. على أن تصدر «دار فلاماريون» في تشرين الأول (أكتوبر) 2017 مختارات من نوفيلات غير منشورة لصاحب «أساطير الخريف» (1994). هذه الحفاوة بأحد عمالقة الأدب الأميركي المعاصر، ليست غريبة، هو الذي شغف بفرنسا، بأدبها وكتّابها أولاً، وبمطبخها ثانياً... الابيقوري المغرم بالنبيذ والأكل الطيب، الذي قال مرة إنّ «لا شيء مثل وجبة طيبة يهزم الموت». بمقدار عشقه للمتع والملذات الحسية وبلاد موليير، بمقدار كرهه للطبقة الوسطى التي تحدّر منها، والمدن الكبرى، والوسط البورجوازي، والأكاديمي في نيويورك الذي لم يصمد فيه سوى سنتين مشبّهاً إياه بـ «حديقة الحيوانات». أما أميركا، فقد وصفها بأنّها «ديزني لاند فاشية»، أدمنت الربح السريع، وتناست تاريخها الملطّخ بدماء الهنود الحمر وصولاً إلى فيتنام. ابن ميتشيغان، ظلّ وفياً للعناصر الذي كوّنت وعيه وشخصيته منذ أن صار فتى أعور في السابعة من عمره. تلك الحادثة جعلته يهجّ بعيداً عن البشر إلى الغابات والأنهر والبحيرات، على خطى «المتوحشان الصغيران» لارنست ثومبسون سيتون التي غرست فيه بشغفين: الحياة البرية بطبيعتها وحيواناتها التي انغمس فيها حواساً وفكراً وتأملاً، وحضارة السكّان الأصليين. انعكس ذلك في نتاجه الأدبي والشعري، الذي ازدحم بالهنود الحمر، وبأساطيرهم ومعتقداتهم، منغمساً في جسم الطبيعة حتى قال مرة إنّه بعدما أكل لحم الدبّ «حلم نفسه في جلد الحيوان». أبطاله هم على صورته: ذوّاقة نبيذ وأكل طيب، يزدادون إدماناً وكآبة مع التقدم في العمر، يقفون على مشارف طلاق أو نهاية قصة حبّ. إنّهم كائنات هاربة من شياطينها، يتآكلها الندم كما نرى في «أوديسة أميركية»، يهربون إلى الطبيعة وينصهرون فيها كما كتب مرة «أسند ظهري إلى شجرة، وأمتزج بها». هذا العملاق العاشق للمساحات الشاسعة الذي خلّد الريف الأميركي، اختار لنفسه اسماً هندياً يعني «رجلاً يدخل في ظلمة درب طويل، ويأملون أنّه سيعود يوماً».

0 تعليق

التعليقات