كيلا أهذي لن أجازف بما سيحدث غداً،سأقول:
في كل الثورات التي حدثت، لم تجذبني سوى الخيانات،
ثم سأقرأ وكأنني آكل يدي:
– داخل كل إنسان نبي وشيطان، الطمأنينة ليست هدنة بينهما، بل ادراكُ جمال الشرّ مع الاعتراف بفضيلة الخير.
– ما يفصل بين العاشق المبجل والفاسق المجنون هو دفقات المني من صنبور الشهوة، الإمتناع والإفراط يوصلان إلى النتيجة نفسها، وأن تكون عاشقاً أو مجنوناً، تلك مسألة حظ.
ـــ الحب واضح والكراهية واضحة، ونحن نفعل ذلك لا لشيء سوى لنسكب مخزون الشفقة الدنيئة التي تتراكم فينا كسمّ لا بد من إخراجه.
– أينما كنتَ، أنتَ في طريق بمنتصف غابة، شمالك نهر، يمينك شجر كثيف، وتنتبه فجأة أن خلفك أفعى تزحف نحوك، بين الماء والحشيش والخوف ستتخبط كمجنون وتسلك ما ستسميه طريقاً إن نجوت.
– يغني فتى وراء البيت:
حبيبي يا حبيبي،
تردد الفتاة وراءه:
حبيبي يا حبيبي،
يقول:
من أول الغابة إلى آخر البلدة وأنا أفكر بقضيبي كيف أدهنه لحبيبي
وتقول:
من أول الغابة إلى آخر البلدة وأنا،
تغمض عينيها وتضحك ثم تكمل:
كيف أدهنه لحبيبي.
أقرأ وأكتفي بأن أراقب غيوماً متقطعة تلدُ مطراً رعدياً يسقط فجأة في منتصف ليلة من تموز، وبطبيعة الحال، لا أكمل شيئاً، أراقب وكأنني الشخص الوحيد على هذه الأرض الذي رأى مطراً رعدياً في منتصف ليلة من تموز ثم أترك كل شيء مبتوراً لأقول شيئاً مبتذلاً لكن أظنه عميقاً:
ما الذي يعرفه الأغنياء عن الحرب؟
كيف تبدأ، لماذا لا تنتهي، ولماذا من شدة الخسارة لا نعود نتذكر كيف كنا قبلها، وكيف كنا نتوه في روايات تجريبية عن العاطفة والأسماء وحقلٍ من أشجار الفستق، كم نحصي أشجارها من الغرب إلى الجنوب وكم نصطاد غنج السمك البني من القدود تحت ظلالها، وحتى متى سنتحدث عن الموسيقى وكأنها ليست بشرية، وعن الفلسفة وكأنها كيلوتات خيطية غير مرئية ترتديها القحبات في الملاحم القديمة؟
اكتب لي عن الأشياء التافهة،
يكتب دوستويفسكي إلى أخيه، عن الأشياء اليومية من الحياة،
يكتب وأقرأ وراءه، لأراه وهو يقبّل الصليب بعد أن كُسِرَ السيف على رأسه، أرى فيدور الصغير في ساحة القلعة أمام فصيل الإعدام، نظيفاً بكفنٍ نظيف، ثم يأتي القيصر ويؤكد أن الأمر لم يكن سوى مزحة، يضحك ويقول: انظر هناك، الكاميرا الخفية هناك خلف الشجرة، ويضحك، الكاميرا الخفية، أهه أهه، ويضحك الجنود والضباط، وتضحك الأشباح، ونضحك نحن أيضاً حتى يرفع دوستويفسكي رأسه عن قدميه ويبتسم للاأحد، سعيداً ومهاناً من نجاة مهين وسعيد.
في السجن سيكتب لميخائيل: لحظتها لم أفكر سوى بك وحينها كانت قد بقيت له ثلوج سيبيريا والنقط السوداء، شامات الخطيئة، البشر، الغاضب والخائن والخاطئ والحالم والفاسق والعادل والملاك والشيطان والعاطفي والمتزن والمجنون والمكتئب والجذل والأخرس والمترجم، وكان عليه أن يصبر على الساعات ويحسّن الحبكات لنصبر على القصص.
انتبه،
لا تنتبه،
أكمل،
لا تكمل،
لا حبكة في الحياة.
فقط انظر تحت قدميك.
* شاعر سوري