جون بيرجر في التسعين. هذه السنة، أتى عيد الناقد الفني البريطاني (1926) الراديكالي، ليؤكد على نضارة عينيه اللتين تواصلان البحث في «صورة» العالم. لكن بيرجر ليس متفرجاً فقط. في مناسبة عيده الذي يحتفل به المثقفون حول العالم وفي بريطانيا تحديداً، أطلق قبل أيام كتابه «مناظر طبيعية ــ جون بيرجر حول الفن». عمل ينضم إلى مؤلفين أصدرهما أيضاً هذه السنة بعنوان «مسامرات»، وكتاب نقدي يستعيد تجربة الروائي الروسي الراحل أندريه بلاتونوف. ما كان بيرجر ليقطع هذه العقود لولا الكتابة التي مارسها بأنماطها كافة: الشعر والرواية والقصة والمسرح والمقالات وطبعاً النقد الفني. يؤكد دائماً أنّ «لا وطن لي سوى اللغة». لكن بعيداً عن تلك الضيعة الفرنسية النائية التي يقضي فيها أيامه الآن على سفوح جبال الألب، عثر بيرجر على أوطان كثيرة بين مهمشي العالم. هناك العمال المهاجرون في أوروبا الذين أهداهم كتاباً مع المصور السويسري جان موهر، لدى فوز روايته التجريبية G بـ «جائزة بوكر الأدبية» عام 1976، قبل أن يتبرع بالمبلغ المتبقي لحركة «الفهود السود» الراديكالية في أميركا. أما القضية الفلسطينية، فقد رافقت دعوات الكاتب الماركسي الحازمة لمقاطعة العدو الإسرائيلي. مقاربات أخلاقية مماثلة، وجدت مكاناً في كتبه ورواياته مثل From A to X عام 2008، التي تحكي قصة حب عبر الرسائل بين عايدة وحبيبها القابع داخل سجن في مدينة وهمية تشبه ملامحها فلسطين المحتلة أو جنوب أفريقيا وأميركا اللاتينية. مؤلفه «طرق في الرؤية» (1972) الذي صدر عنه شريط وثائقي على «بي بي سي»، التحق سريعاً بالنتاج النسوي للسبعينيات. خلافاً لعين النقد الفني المخدّرة بجماليات وتقنيات اللوحات في ذلك الوقت، كان بيرجر من أوائل الذين تجرأوا على استعارة طريقة تأويل الأوروبيين لفنون الشعوب الأخرى ودول العالم الثالث تحديداً. هكذا عرّى الايديولوجيات والقيم الكولونيالية والرأسمالية والذكورية في الإرث الفني الغربي بدءاً بلوحات عصر النهضة، التي نسختها الفوتوغرافيا، ثم الإعلانات الحديثة. لا يزال بيرجر ماركسياً حتى الآن. رغم تطوّر طرق الرؤية في آخر كتبه، فإن «العلاقة الكارثية بين الفن والملكية»، وفق تعبيره، لا تكاد تغيب عن ذهنه لحظةً واحدةً. قبل أيام، صدر كتابه «مناظر طبيعية ــ جون بيرجر حول الفن»، الذي يحوي سرديات فنية هي أشبه بخلاصة لتجربته في النقد الفني ورؤيته إلى علاقة الإبداع والسياسة بالقوة الثورية الكامنة في الفن.