مَن يقرأ الرسائل العاطفية التي كتبها أنسي الحاج (1937 ـــ 2014) إلى غادة السمان عام 1963، وكان يومها في السادسة والعشرين، بانطباع مفاده أنَّ الصوت هنا، أو الحب، هو من جانب واحد، وأنَّ هناك روحين، واحدة ولهانة، عاشقة، ممزقة، تذهب في التعري إلى أقصى الحدود، وتضخّ في الكلمات أقصى احتمالاتها الوجدانية ورمزيتها، وأخرى صامتة، خرساء، لا نعرف عنها شيئاً، وقد تكون غير مكترثة، أو تحاول أن تستدرج الأولى حتى تراها عارية، وعلى نحو تؤثره النساء لدى الرجال في أغلب الأحيان، وتألفه بحذر شديد، وأحياناً بخبث وأنانية مفرطة، وأحياناً بصدق مصحوب بقدر هائل من الاحتياط، تحسباً من الوقوع في لجة وجد وغرام لا قعر لها ولا ثبات. هذا ما توحيه إلينا الرسائل السبع التي كتبها الشاعر الراحل، إلى الروائية المعروفة المقيمة حالياً في باريس.
في الكتيب (رسائل أنسي الحاج إلى غادة السمان ـ دار الطليعة) الذي يضم الرسائل، تخبرنا غادة السمان أنها لم تكتب إلى أنسي الحاج أي رسالة، وأنها كانت تلقاه كل يوم تقريباً في مقاهي «الحمراء» و«الروشة»، وأنها عجزت عن تمزيق رسائله «الرائعة أدبياً»، مضيفة «أن للشاعر ألف ملهمة وملهمة، وحبيبة واحدة اسمها الأبجدية»! ليس واضحاً ما تريد السمان أن ترمي إليه من هذه العبارات: هل تريد أن تقول إن التعري الذي لجأ إليه أنسي الشاعر، والكشف الصارخ عما جاش في نفسه من لواعج الحب والافتنان، مجرد كلمات عابرة، ولحبيبة واحدة اسمها الأبجدية؟! ثم ما يعني قولها، إنّها عجزت عن تمزيق تلك الرسائل؟ هل لأنها وجدتها قطعاً من «النثر الرائع» فقط، ومن دون أي تقدير لما تختزنه من صراحة، ومن مشاعر في غاية الصدق؟
في حديثنا معها على الهاتف بين بيروت وباريس، قلنا لغادة السمان إنّنا وجدنا في رسائل إنسي الحاج نصوصاً من أرقّ الكلمات وأعذبها وأبعدها عن التكلف. وإذا كان هناك من شيء «رائع» في هذه النصوص المسكوبة بشغف، فمرده ليس حب «الأبجدية»، بل شيء أهم من ذلك بكثير، هو الحرارة الخارجة من روح شاعر شاب، فتن بصبية، وأظهر لها كنه نفسه، وكتب إليها بصفاء، على نحو يذكرنا بتلك الرسائل الحميمة التي كتبها الراحل جون كيتس إلى حبيبته «فاني»، واعتبرها كثير من النقاد، أجمل ما كتب ذلك الشاعر الإنكليزي الشاب في كل حياته.
في رسالة يقول أنسي لغادة: «هذا هو اليوم الثالث الذي لا أسـتطيع فيه أن أجلس وإياك على انفراد». لا تفصح كلمات الشاعر هنا عن معنى جملة «لا أستطيع». هل رام أن يقول: «لم أستطع» كتعبير عن فعل مضى، أم حدث سوف يأتي؟ في أسفل الصفحة ذاتها، حاشية تشرح فيها الروائية مسألة «الجلوس على انفراد». تقول إنَّ هذا «الجلوس» كان شبه متعذر في مقاهي المثقفين، «إذ ما يكاد يرانا من يعرفنا، حتى ينضم إلى مائدتنا دونما استئذان، كجزء من تقاليد تلك المقاهي في ستينات وسبعينات القرن المنصرم».
ما الذي عناه أنسي الحاج بجملة «لا أستطيع»؟ معرفة الجواب مدخل أساسي لفهم نفسية الشاعر في هذه الصحائف. هل تعني أنه أراد مجالستها على انفراد، ولم تسنح له الفرص، أو لم تسنح لهما الفرص؟ لماذا لم يستخدم جملة «لم يتعذر» بدلاً من «لا أستطيع»؟ ثم إذا كان هناك قرار فعلي «بالجلوس معاً وعلى انفراد» من جانب الطرفين، فما الذي حال دون ذلك الجلوس خارج «مقاهي المثقفين»، وأرض الله واسعة في بيروت وخارج بيروت؟
ثمة أشياء غامضة في هذه النصوص، غموض نفس الشاعر الذي يبدأ رسالته الأولى بالقول: «المسألة بحاجة إلى وضوح، كثير من الوضوح، وأن يفهمني أحد وأفهم نفسي. لم أشعر كهذه المرة بالرعب أمام حالي. إنها المرة الأولى التي يجرفني فيها الشعور إلى هذا الحد الرهيب، وبأني على وشك الجنون».
يظهر أنَّ غادة السمان التي كانت في الحادية والعشرين، لم تبادل أنسي الحاج الشعوره ذاته، وإلا كانت كتبت إليه ولو رسالة واحدة، واستمر التواصل بينهما، وكتب الشاعر إلى ملهمته مزيداً من الرسائل. قد يكون أنَّ أنسي توقف عن الكتابة، حين لم يسمع من قلب غادة صدى لمناجاته، أو ربما رآها مغرمة برجل آخر. لماذا لم نسمع عن هذه الرسائل من قبل؟ لماذا لم تنشرها الروائية عندما كان الشاعر في قيد الحياة؟ لماذا صبرت كل هذه السنين على إخفائها؟ هل اتفق أن جلست وأنسي على انفراد، أو شعرت يوماً بومضة ولو خفيفة، من ومضات الحب، نحوه، لكنها لم ترد أن تمضي معه إلى حيث تجرفهما الحياة، وحتى لا يحسب عليها أنها عاونته على «الخيانة»، علماً أن أنسي الحاج كان متزوجاً في ذلك الحين، وكان له زوجة وبنون؟
أسئلة أردنا أجوبة عنها لتكون مادة في متناول من يريد اليوم أو في الغد، أن يؤرخ للحركة الأدبية في لبنان، ويتناول في دراسة أو في كتاب، الحياة الشخصية لأنسي الحاج وغادة السمان، وإن أدى ذلك إلى الكشف عن «نقيصة» في نظر قارئ أو ناقد، عند هذه الروائية المشهورة، أو لدى ذلك الشاعر الذائع الصيت، ولو أنه قد أضحى في الدار الفانية، وفوق نزعاتنا البشرية وشهواتنا الأرضية، لأنَّ الهدف من ذلك كله، هو نشدان الحقيقة، خصوصاً أنَّ أنسي الشاب، الساعي إلى معرفة مكانه في قلب الصبية غادة، يقول في السطر الأول من الرسالة الأولى: «المسألة تحتاج إلى وضوح وإلى وضوح كثير». عليه، لا يسعنا بعد مرور السنين إلا أن نوافق الشاعر الراحل على أنَّ المسالة تحتاج الآن فعلاً إلى وضوح، وإلى وضوح كثير! كيف السبيل إلى ذلك؟
نطلب إلى غادة السمان أن تردّ على أسئلتنا شفاهة، فتمانع. تطلب أن نرسل الأسئلة بالبريد، وتشترط أن لا يكون الحوار سردياً، بل على شكل سؤال وجواب. لم نفهم إصرارها على ذلك إلا حين وصلتنا ردودها، فوجدنا فيها ضباباً، بل كثيراً من الضباب، مثل قولها إن أنسي الحاج لم يكن متزوجاً حين كتب إليها تلك الرسائل، معتمدة على قوله لها: «لم أتزوج بعد، لم تتزوجي بعد. أرجوك أن تأتي». لكن الذين عرفوا أنسي الحاج وجايلوه، وقرأوا له ذلك الحين وبعده، يعرفون أنه كان متزوجاً. يكفي تأكيداً كتابه الأول «لن» الذي صدر في عام 1957، أهداه إلى زوجته ليلى ضو، وله منها ابنة هي الشاعرة ندى الحاج التي ولدت عام 1958، أي قبل خمس سنوات من تاريخ الرسائل المؤرخة في عام 1963!
ليس جلياً السبب الذي جعل أنسي الحاج يقول لغادة السمان: «لم أتزوج بعد». قد يشفع له خياله كشاعر يكتب كلاماً من قبيل «أنا موجود لكني لست حياً»، أو بمعنى آخر «أنا متزوج، لكني غير مرتبط روحياً أو أدبياً مع أي إنسان» ويدعو غادة لتذهب إليه. لكن ردّ السمان على سؤالنا لا يشفي غليل القارئ، ولا يرضي رجل القانون، ولا مؤرخ الآداب، حتى لا نذهب بعيداً في الظن ونقول إنه يحجب الحقيقة.
جاءت بعض أسئلتنا المكتوبة إلى غادة السمان، متصلة أيضاً بغسان كنفاني (1936 ــ 1972)، الذي كتب رسائل حب إلى غادة، نشرتها في كتاب صدر عام 1992. كان الكاتب الفلسطيني يقابل غادة السمان في «مقاهي المثقفين» وخارج «مقاهي المثقفين». لكنها اكتفت بالرد على سؤالنا بالقول إنّ «أنسي لم يكن متزوجاً»، من دون التطرق إلى غسان، الذي كان، هو الآخر، متزوجاً دانماركية اسمها آني هوفر، له منها ولد وبنت.
لا تحتاج غادة السمان، المولودة في دمشق عام 1942 أن تبرر علاقتها بكاتبين متزوجين، بغضّ النظر عن طبيعة العلاقة، لكنها فعلت ذلك بشكل فني، وبالقول إنّ للشاعر حبيبة واحدة اسمها الأبجدية، ما يجعلنا نتساءل: لماذا اختار أنسي الحاج، وغسان كنفاني غادة السمان ليكتبا إليها، دون غيرها من النساء، إن لم يكن هناك شيء من الغواية في العلاقة خارج نطاق حب الأبجدية؟! لا شك في أنّ أنسي الحاج ما كان ليكتب حرفاً واحداً إلى غادة، لو كان في حسبانه أنها ستنشر رسائله إليها في يوم من الأيام، ما يعني أنَّ المسألة ليست مسألة فنية وحب أبجدية، كما قالت الروائية الدمشقية، بل مسألة عاطفية في المقال الأول، أقله من جانب شاعر أحب بصدق، وكتب بصدق.
مهما يكن، لا نجد في نشر غادة السمان رسائل غسان كنفاني وأنسي الحاج أدنى خطيئة، بل شجاعة ضرورية، على رغم أن كثيرين اتهموا الكاتبة بعدم اللياقة، وإعلان أسرار ما كان يجب أن تعلن. وبعضهم ذهب إلى حد القول إنها ترمي إلى الشهرة والمجد بأي ثمن، وهي تهمة في نظرنا لا تستقيم، لأن غادة كاتبة قوية وجريئة، وصاحبة أعمال قوامها أكثر من 50 كتاباً في الشعر والرواية، وأدب الرحلات والنقد الأدبي والاجتماعي، مترجمة إلى غير لغة. وبالتالي فهي لا تسعى إلى الشهرة، والشهرة لا تنقصها. مهما يكن من أمر، يبقَ أن الرسائل التي كتبها ويكتبها الأدباء والشعراء والفنانون، يجب أن تنشر، وإن خلت من سطور أدبية رائعة، لأنها تصور تأريخاً، وومضة من ومضات حزن أو فرح، في مرحلة من مراحل حياة الكاتب أو الفنان، وفي رسائل أنسي إلى غادة شيء من ذلك، بل شيء كثير.
فعلت غادة السمان خيراً ساعة نشرت تلك الرسائل، وقد فتحت أنظارنا على صفحة مطوية من حياة أنسي الحاج، على الرغم من أنَّ هذا العمل أثار حفيظة كثيرين من القراء والنقاد، الذين يعبرون الشعراء والفنانين الكبار كالأنبياء، أو يرغبون في أن يضعوهم في مصاف الأنبياء! اعتبر بعض النقاد عمل غادة ضرباً من الخيانة، وغضاً من غسان كنفاني وأنسي الحاج، وخدشاً لصورتهما المرسومة في خيال القراء، ووجدان المقربين منهما من أهل وخلان، غافلين عن حقيقة أنّ الفنان أو الشاعر أو الأديب، ساعة يشتهر، يغدو شخصية عامة، ويخرج عن قيود أسرته وتقاليدها، ويصبح ملك الناس كل الناس. وللناس، خصوصاً المؤرخين منهم، الحق في معرفة كل شيء عن حياة هذا الفنان أو ذاك، وما اكتنفها من ظلال وأنوار، وحكايات وآمال وأحلام وخيبات أمل. ذلك كله، يساعدنا في أقل تقدير، على معرفة الفنان، وإدراك خيالاته وتقدير فنه.
هل يمكن أي مؤرخ سير وآداب، أن «يعرف» أنسي الحاج حق المعرفة، ويقدم لنا صورة دقيقة عن صباه وشبابه، وخصاله ودقائق شخصيته، إذا لم يطلع على رسائل كتبها إلى غادة السمان، وغير غادة السمان، رجالاً كانوا أو نساء؟ هيهات هيهات. لقد كشفت تلك النصوص أمراً كان مستوراً، وسلطت الضوء على «شيء ما» في شخصية أنسي الحاج، يوم كان شاباً، وكيف كان يفكر ويشعر في حالة الوجد والحنين، ولا شك في أنّ «هذا الشي» لا بد من أن يضيف مادة حية إلى عمل النقاد والمؤرخين والمصنفين، حين يعمدون إلى تأريخ سيرة ذلك الشاعر المثير، والكشف عن المؤثرات التي طبعت عمله الفني وصنيعه الشعري.
قلنا في البداءة إننا نؤثر أن يكون الحوار مع غادة السمان شفاهة، وسردياً، مجرداً من فواصل السؤال والجواب. مع ذلك لم ترّد غادة على أسئلتنا كلها، وبدا في بعض ردودها شيء من غموض، لا يفيد المؤرخ في عمله، ولا القارئ المتعطش لمعرفة الحقيقة، وجمل زائدة لا علاقة لها بالسؤال، وظهر أيضاً أنها وجدت في أسئلتنا مناسبة، لتذكّرنا بمديح وإطراء نقاد أثنوا عليها، وعلى عملها، والرد على آخرين من كتبة وقراء، عابوا تصرفها، وانتقدوها لنشرها تلك الرسائل. جاء بعض أجوبتها أيضاً على نحو غير مباشر، وبدت أنها تريد أن يكون التركيز منصبّاً على القيمة الإبداعية في الرسائل، لا على أشياء أخرى اعتبرتها خصوصية، بوحي من اعتقادها أنَّ في الجواب عليها «ثقب تلصص» على حياتها الخاصة، هذا في حين أنها فعلت الشيء نفسه، حين نقلت إلى الشيوع رسائل حميمة «خاصة» لشاعر، تحت ذريعة أنَّ فيها قيمة إبداعية! ها نحن، برغم ذلك، ننشر الردود بنصها الحرفي، التزاماً بشرط طلبته، وبوعد قطعناه.


■ كتب أنسي الحاج إليك سبع رسائل. لماذا توقف عن الكتابة؟
هذا السؤال لا يحق لأحد الإجابة عنه غير صاحب الرسائل، وأجمل ما في المراسلات الأدبية أنَّ كاتبها يوضح موقفه بلغته وصوته، أو يزيده غموضاً.

■ هل لديك رسائل من آخرين، بليغ حمدي مثلاً؟
نعم. لدي رسائل كثيرة من مبدعين، وليس بالضرورة أن تكون رسائل حب، بل رسائل حب مشترك للأبجدية، وسأقوم بنشرها بعد توجيه نداء إلى من بحوزتهم رسائلي لنشرها معاً.

■ كيف فهمت جملته «لم أتزوج بعد. لم تتزوجي بعد. أرجوك أن تأتي إلي»؟
فهمتها كما هي حرفياً، وهي ممعنة في الوضوح.

■ هل كان زوجك الراحل بشير الداعوق الذي رحل عام 2008 على علم بتلك الرسائل؟
زوجي الرائع لم يكن الماضي شغله الشاغل، بل حياتنا معاً، ورحل للأسف عام 2007، وليس عام 2008.

■ قلت إنَّ علاقتك بأنسي كانت «على سكة الصداقة النقية». هل استمرت كذلك إلى يوم رحيله؟
بالتأكيد. كان كل منا يقدِّر إبداع الآخر. وفي شهاة الأديبة فاديا فهد، رئيسة تحرير مجلة «لها» جاء قولها: «إن الشاعر الكبير أنسي الحاج قال لي محرضاً على الثورة الشعرية النسوية: اكتبي كي تكوني غادة السمان الثانية. لا تتهاوني. لا تساومي. لا تتركي المحرمات تقولبك، أو تروضك؟ ثوري، فالعالم بحاجة إلى شاعرات ثائرات». أنا سعيدة بموقف أنسي، وبالرائعة فاديا، التي سطّرت تلك الشهادة. نعم لم يتوقف أحد منا عن تقدير الآخر إبداعياً.

لدي رسائل كثيرة من مبدعين، وسأقوم بنشرها بعد توجيه نداء إلى من بحوزتهم رسائلي


■ هل عدم الكتابة إلى أنسي الحاج من طرفك لأنه كان متزوجاً؟ هل تجدين في هذه الرسائل خيانة زوجية من جانب أنسي «المتزوج»؟
لم يكن متزوجاً كما جاء في رسالته الأخيرة إليّ «لم أتزوج بعد. لم تتزوجي بعد»، وبالتالي فالباحث عن العنصر الفضائحي في الرسائل سيخيب أمله!

■ كم أحببت في حياتك، ومن أحبك من الرجال؟
نشري لرسائل المبدعين لا يعني فتح «ثقب تلصّص» على حياتي الخاصة، في الباب الخلفي للأدب العربي. قد أبوح بالكثير، ولكن في كتاب مذكراتي إذا شئت ذلك. أكرر: أرفض اتخاذ الرسائل ذريعة لفتح «ثقب تلصّص»، بل المقصود من نشرها نقل بعض الدم الإبداعي العصري، وفتح نافذة في جدار الأدب العربي التاريخي، وتحريك المستنقع الأبجدي، وفعل رفض للذين يهربون من مجاراة الأمم الأخرى في احتفالها بأدب المراسلات، كجزء من الإبداع، وذلك خضوعاً لمنطق «الهص الهص»، ولراية الرياء الخفاقة، المصرة على إحراق رسائل المبدعين، وهو ما حدث لرسائل الشاعر الياس أبو شبكة، حين أرغموا حبيبته غلواء على إتلافها كما ذكر غير ناقد.

■ هل كان الراحل بشير الداعوق حبك الأول والأخير؟
ما علاقة ذلك بنشري رسائل أنسي الحاج؟ ومن قال إنَّ الحب الأول يجب أن يكون الأخير؟ ومن زعم «أن ما الحب إلا للحبيب الأول» بالضرورة؟

■ من أحبك أكثر؛ غسان كنفاني أم أنسي الحاج؟
لا أعرف مقياساً مثل مقياس «ضغط الدم» لمعرفة «ضغط الحب»! الحب كلمة مشوهة في عالمنا العربي، وكلمة متمردة على الأنابيب العلمية، ذات الأرقام الدقيقة، ومؤشرات ماكينات قياس «ضغط الحب». لن أدع الشجرة تغطي الغابة، وبالتالي، من منهما رسائله الأكثر روعة إبداعية أبجدية من الآخر، الإجابة عن ذلك متروكة للناقد والقارئ.

■ أي موت أثر فيك أكثر: مصرع غسان كنفاني، أم رحيل أنسي الحاج؟
نشري الرسائل ليس استعراضاً راقصاً لمشاعري، بل دعوة إلى قراءة ذلك الإبداع في جسد رسالة، ومحاولة للإسهام في رسم اللون الناقص في لوحة الأدب العربي «أدب المراسلات»، التي ما زال مصيرها الإحراق، أو إرغام من يمتلكها على إبادتها، والأمثلة كثيرة، لا يتسع المجال لها. من طرفي، لن أحرق سطراً لمبدع في حقل ما، وبأي ثمن، ومحاولة تخويفي بمقالات، وأسئلة عدوانية تزيدي يقيناً بصواب ما أفعل. أظن أن قارئ تلك الرسائل العتيقة، ليس معنياً حقاً بمشاعري الخاصة، بل بإبداع الرسائل كنص أدبي. سنموت كلنا، أصحاب الرسائل والمرسلة إليهم، والنقاد، ويبقى الإبداع وحده، وتبقى الرسائل البديعة، جزءاً من تراث الأدب العربي، وهذا وحده هاجسي.

■ غسان كنفاني وأنسي الحاج أحباك، وكانا متزوجين. كيف تفسرين هذه الظاهرة؟
أنسي لم يكن متزوجاً كما كتب في رسالته الأخيرة إليّ، وبالتالي لا توجد ظاهرة أصلاً.

■ يوم نشرت كتاب رسائل غسان كنفاني إليك، قيل يومها إنَّ أسطورة «الكاتب الثوري» تحطمت. هل توافقين على ذلك، علماً بأنَّ كنفاني كان متزوجاً سيدة أجنبية، ضحت الكثير في سبيله، وسبيل قضية فلسطين؟ بناءً عليه نتساءل: هل تعتقدين أنَّ هناك شيئاً ما تحطم في أنسي الحاج، بعد نشر رسائله إليك؟
نعم تحطم جدار الرياء العربي والتكاذب، كما لو أنَّ المبدع ولد داخل أنبوب مفرغ من الهواء، رجلاً آلياً محشواً بأسطوانة خطابية. أما غسان، فقد ازداد روعة، واكتملت برسالته صورته كإنسان، فالبطل يشبهنا جميعاً برقته وحيويته، وخفقان قلبه، وليس إنساناً آلياً. نحن بشر، والاعتراف بهذه الحقيقة يزيد من قيمة الشهداء المبدعين.

■ هل كلمك أنسي الحاج يوم نشرت رسائل غسان كنفاني؟ هل فاتحك بموضوع رسائله إليك؟ هل كان يعلم أنها ما زالت في حوزتك؟ هل كان «يخشى» أن تنشريها في يوم من الأيام، وما قد يحدث نشرها من «فضيحة» إن وجدت أمام زوجته وأبنائه وقرائه؟
يوم قررت نشر رسائل الشهيد غسان كنفاني، قلت لزوجي: لدي رسائل من غسان، قررت إصدارها عن «منشورات غادة السمان»، فهل تحب قراءتها؟ قال: أرغب في ذلك. طالع زوجي «التنويري» فكرياً الرسائل كلها ثم قال لي: هذه رسائل أدبية رائعة، ودعماً لك سأقوم بإصدارها عن «دار الطليعة»، وهي دار النشر التي أسسها وأصدر عنها مجلة فكرية هي «دراسات عربية». لم يدهشني موقفه، فهو الداعم الصادق الحقيقي للفكر التنويري العربي، بدليل أنه اختار صادق جلال العظم رئيساً لتحرير مجلته، وهو الذي أصدر كتاب «نقد الفكر الديني» وحوكما معاً، وهو الذي عين في ما بعد جورج طرابيشي رئيساً لتحرير مجلة «دراسات عربية»، وهي اليوم موضوع أطروحة لشاب طالب في «جامعة تكساس». زوجي الرائع لم يكن يعرف الازدواجية، وكان سلوكه متطابقاً مع فكره. كان استثنائياً، دعمني دائماً، وهو الوحيد الذي له فضل عليّ. أما كل ما جاء في سؤالك حول أنسي، فالأرجح أنه لم يخطر في باله!

■ لو أن أنسي الحاج حيّ الآن، فما ستكون برأيك ردود فعله على نشر رسائله إليك؟ هل يرضى بذلك، أو يعتبرها خيانة ائتمان، أو فضح أسرار؟
أكرر للمرة الألف: أنسي لم يكن متزوجاً حين كتب تلك الرسائل، بدليل قوله في رسالته الأخيرة إليّ: «لم أتزوج بعد»، وأظنه كان سيسخر من «الاستجواب البوليسي» لي في «مخفر الأدب العربي»، ويكتب إليّ المزيد من الرسائل نكاية بحراس الصمت!

■ يظهر من كتاب بسام أبو شريف عن غسان كنفاني أنكم (أنت وبسام وغسان) كنتم تقضون أوقاتاً في مقاهي بيروت وحاناتها ومطاعمها. هل فعلت الشيء نفسه مع أنسي، أم أنَّ لقاءتكما كانت تحصل فقط في «مقاهي المثقفين»؟

ما قمت به هو رفض للذين يهربون من مجاراة الأمم الأخرى في احتفالها بأدب المراسلات



ما الفرق بين اللقاء في مقهى أو على «أوتوستراد البرق» أو في «شوارع قوس قزح»؟ لم أطلع على الكتاب بعد على أي حال، ولن أعلق عليه، كالذين يعلقون على كتاب قبل مطالعته، وما أكثرهم!

■ هل تعتقدين أنَّ نشر هذه الرسائل يعطي «درساً» أو «عبرة» للشعراء والكتاب والفنانين العرب تردعهم، أو تجعلهم «يفكرون مرتين» قبل توجيه رسائل من هذا النوع إلى عشيقات، خصوصاً إذا كان أحدهم متزوجاً، خشية أن تقوم «المرسل إليها» من نشرها وهو حيّ، أو بعد رحيله؟!
أترك توجيه الدروس لحراس الصمت. من طرفي، أعتقد أنه حان الوقت لدخول أدبنا العربي في القرن 21، إلى عصر أدب الاعتراف، وأدب المراسلات، وكما تقول الدكتورة لطيفة موسى محمود: «لا نعرف أديباً في الغرب لم تجمع رسائله بعد مماته وتنشر».

■ يقول أنسي الحاج: «هذا اليوم الثالث الذي لم أستطع أن أجلس وإياك على انفراد». لماذا لم تتقابلا خارج «مقاهي المثقفين»؟
هذه تفاصيل على هامش جمالية رسائل أنسي أدبياً. وكما أعلنت، لن أحرق سطراً مبدعاً، ولن أخاف من الاضطهاد الأبجدي للجائع إلى تجديد روح أدبنا العربي، وإضافة اللون الناقص فيه؛ أدب المراسلات والاعترافات الحميمة!

■ هل بادلتِ أنسي شعور الحب، ولماذا لم تكتبي إليه ولو رسالة واحدة؟
من يبالي اليوم حقاً بهذه الحكايات التي انقضت منذ ألف عام، ولم يبق منها غير سطور رائعة، أبجدية «تهيج» حراس الصمت. سطور ما زالت حية عبر إبداع أنسي. وكم أصابت الشاعرة البحرينية الشابة بروين حبيب حين كتبت: «أتأسف لأن كل ما قيل في وسائل الإعلام المكتوب، ووسائل التواصل الاجتماعي لم ينصف الرجل (أنسي الحاج) كما أنصفته غادة، وأن أدب البوح مكروه، لأن من ينادون بأفكار ليبرالية، لا تزال داخل جلودهم تركيبتهم القبلية المعقدة». تضيف حبيب أنني «قلبت الطاولة الفكرية الذكورية التي ألفناها»، وهذا صحيح. أما «الميليشياوية الأبجدية النقدية» بالاغتيال النقدي، فلن ولم ترعبني يوماً.

■ هل كنت مغرمة بحب رجل آخر يوم كتب أنسي إليك تلك الرسائل؟
الإجابة عن سؤال كهذا قد تجدها في مذكراتي، وموضوعنا الآن هو الجمالية الإبداعية الأدبية في رسائل أنسي، التي وصفها الشاعر عبده وازن بقوله: «تمثل نصوصاً بديعة لا تقل بتاتاً فرادة وجمالاً عن قصائد الشاعر ومنشوراته»، وهذه في حقيقة الأمر المفتاح لنشري رسائله، والمفتاح الآخر تجده في الإهداء الذي كتبته في مطلع كتاب الرسائل وأقول فيه إنَّ للشاعر ألف ملهمة وملهمة، وحبيبة واحدة طوال العمر، اسمها الشعر.

■ ألا تعتقدين أنَّ في الرسائل المتبادلة بين شخصين (بغض النظر عن هويتهما وصنعتهما) خصوصية يجب أن تصان، لا أن تكون مادة تخرج إلى الشيوع، وتتناقلها الأقلام والألسن، بغضّ النظر عمّا إذا كانت لها قيمة أدبية، أو لم تكن؟
يبدو أنَّ الرسائل تصير خصوصية فقط حين يكتبها ذكر! أما رسائل النساء، فلا تقوم القيامة حين تُنشر. أذكر على سبيل المثل رسائل حب (هاء. ز)، الخطيبة السابقة للشاعر الشهيد (أ. ن)، التي كتبتها إليه أيام الخطبة، كما كتب إليها ما يماثلها، ورفضت نشر رسائله إليها، لأنها تعتقد، كما جاء في سؤالك، أنها خصوصية يجب أن تصان، وبالذات لأنها زوجة وأم. نُشرت رسائلها، ورسائلي الأخوية إليه وإلى سواه، من الذين نشروا رسائلي في إطار مذكراتهم، أو في إطار كتب، ولم يرتفع صوت شبيه بما جاء في أسئلتك، مع العلم أن رسائل (هاء.ز)، ليست أدبية، وليس لرسائلها قيمة إبداعية. إنَّ نشر رسائل المبدعين يوجه طعنة إلى الصورة التي يحب بعض الذكور رسمها لأنفسهم، ويجري الهياج أمام «الخرقة الحمراء» للمصارعة الملقبة برسالة حب نُشرت، تفضح الجانب الرقيق الإنساني العاشق للرجل العربي، وتوضح بجلاء أنَّ الرجل كالمرأة، يبحث عن دفء القلب والمرفأ بعيداً عن التعالي، وعن التكبر الذكوري الذي لا يبالي بنشر رسائل زوجة وربة منزل مثل (هاء.ز) تريد أن تطوي صفحة الماضي في خطبة فاشلة. هذا التناقض الفكري والازدواجية أشير إليها في مناسبة الإجابة عن سؤالك.

■ هل تعتقدين الآن أنك لم تحترمي مشاعر أنسي، وقد ذكّرك في إحدى رسائله بأنك «ضحكت مرة، بمرارة، وانتقام دفين، وشك وسخرية» عندما قال لك إنه بحاجة إليك؟
حين نشرت آن بانجو قبل أشهر أكثر من ألف رسالة من عاشقها المتزوج والأب، رئيس الجمهورية السابق ميتران (صدر الكتاب عن دار نشر باريسية راقية) لم يستجوبها أحد، حول سطر في هذه الرسالة أو تلك. الوسط الأدبي الفرنسي على درجة كبيرة من الرقي النقدي، ويعرف أنَّ حكايات الحب تمضي، والكلمات تحلق بأجنحة الإبداع. ميتران كان أديباً، لقيته غير مرة في مكتبات الحيّ اللاتيني التي أتوغل فيها بنشوة، وبادلته التحية.

■ كيف كان أنسي الحاج في تلك الأيام؟ هل كان فيه شيء من عوارض نيتشوية؟ نتساءل بناءً على رسالة يقول لك فيها: «لا أريد أن أحب هكذا. لا أريد أن أفقد الشعور بما يصيبني، والقدرة على تعيين مشاعري، ونوعية مشاكلي وعواطفي ومواقفي، وأتبدد في فوضى الدماغ»، وعلى رسالة أخرى يقول لك فيها: «هل ستقولين لي إنك معتادة على هذا الهذيان، وإنه هذيان موقت، وإن الصحو الذي يعقبه يفضحه؟».
أنسي كان شاعراً كبيراً منذ كتابه الأول. إنه مبدع حقيقي، ولكل قارئ أو ناقد رأيه الخاص. ويسرني أن تتوقف أمام جمالية هذا النص، وما من عاشق إلا ومرّ بلحظات كهذه، من المحاولة الفاشلة للتماسك. هذا الإبداع يقف وراء نشري رسائل أنسي، دونما خوف من الهياج الذي يثيره ذلك. أنا لم أسقط من سفينة فضائية على كوكب الأرض في العالم العربي. هذا عالمي، وأعرفه جيداً على الرغم من إقامتي في باريس منذ أكثر من ثلاثة عقود. كنت أعرف أنّ صيحات الحرب ستنطلق الآن، كما يوم نشرت رسائل الشهيد غسان كنفاني، وكان عدد الردود حولها 220 نقداً، بين مؤيد ومعارض. وكنت أتوقع أمراً مشابهاً حين نشرت رسائل أنسي. وقد مررت بمعمودية الأذى والنار، حتى قبل صدور كتابي الأول «عيناك قدري»، وطلع صوت الناقد (أ.ح) في عنوان صفحة كاملة في جريدة «الكفاح العربي»، صارخاً في الصفحة الأولى: «فضيحة أدبية كبرى.. من الذي يختبئ وراء غادة السمان»، مدعياً أن ثمة ذكراً يكتب لي. وهرولت إلى أبي مضطربة الروح، كأي صبية صغيرة، فقال لي والدي الرائع: «عليك أن تتوقعي ذلك مع كل سطر تخطينه، وإذا لم يكن بوسعك تحمل الافتراء والأذى، فتشي عن مهنة أخرى». بعدها صار صاحب جريدة «الكفاح العربي» ومجلة «الأحد» رياض طه صديقاً لأبجديتي. لم أحاول الانتقام من (أ.ح)، لا من باب التشاوف في مجال العفو، بل لانشغالي بالكتابة، وفتح جبهات أخرى. ويبدو أني «مضرمة حرائق أبجدية» محترفة. من زمان، كتبت في مجلة «الحوادث» في عمودي «كلمات لا تقال» مطالبة «بالفداء الفكري»، وهو ما أقترفه أحياناً، وأتذكر باستمرار قول ألبير كامو: «إنَّ شيئاً لن يتحقق، إذا لم يكن ثمة من هو على استعداد لتبني مبادئه حتى النهاية». من مبادئي فتح نافذة في الجدار الصلب التقليدي لأدبنا العربي. ويوم أصدرت كتابي الشعري «أعلنت عليك الحب»، هاج ناقد وماج. كيف تعلن المرأة الحب؟ الرجل وحده يعلن الحب. الكتاب اليوم في طبعته رقم 16، ويقبل قراء الجيل الجديد عليه. لا يتسع المجال هنا لجزء من مذكراتي عن المقاومة الأدبية التي عشتها وأعيشها، ولا مع حكايتي مع حرائقي الأبجدية، ومعاركي وحطام مراكبي ونجاتي، حين تخلت عني أطواق النجاة كلها، واكتشفت أجنحتي. وبدلاً من أن أغرق، طرت. لكني، يوم نشرت رسائل غسان كنفاني وقامت القيامة، طالبت بمؤسسة عربية ترعى الأوراق الخالدة للمبدعين، وتنشرها في الوقت المناسب بعد رحيلهم ومعاصريهم، لم يستجب أحد لندائي. أما اليوم، فتبدو المطالبة بذلك مضحكة، والموت العربي يجتاح أوطاننا هنا وهناك، وفي البحار، وعلى أبواب مدن، لتسوُّل الحرية. لذا سألجأ من الآن فصاعداً، إلى الحل الذاتي بنشري ما أكره إبادته.

■ يكتب أنسي أنك قلت له: «لن نلتقي أبداً ولن نفترق أبداً». هل خيب الزمن هذا الجزم وأفسده؟
كنت أعني ما قلته، وهو ما حدث، بدليل شهادة فاديا فهد، التي لا أعرفها شخصياً.

■ في إحدى الرسائل، يكتب أنسي إليك قائلاً: «لا أحد يحب بقوة ما أحب. بجمال ما أحب. بروعة حبي وعظمته ونقائه». هل تعتقدين الآن أنك أخطات يومها بحق ذلك الشاعر الشاب الذي كانه أنسي الحاج وهو يكتب إليك هذه الكلمات؟ كيف حدث الذي حدث، وكيف حصل أن فرقتكما الجغرافيا، وذهبت كل تلك العواطف الجياشة مع الريح؟
لم تذهب رسائل أنسي مع الريح، وقد عبَّر عن ذلك الشاعر عبده وازن، حين وصفها بقوله الجميل المحايد: «الرسائل هي بمثابة اكتشاف ثمين وحدث أدبي. أنسي بدا في الرسائل كأنه يكتب لنفسه، وعلى طريقته الخلاقة المشبعة بالتوتر والجمال»، وذلك هو المبرر الأول لنشري لها. ما قال عبده وازن هو «النقد الأدبي الراقي العصري» الذي لا يعود تاريخه إلى «الجاهلية النقدية». أكرر، لن أحرق سطراً رائعاً، وقد جاء الوقت لتطبيع العلاقات مع أدب المراسلات دونما هلع من «كشف الوجه الرقيق الإنساني للرجل العربي» كما كتبت بروين حبيب، بما في ذلك «الهلع الهياجي» من نشر رسائل حب، وبالذات حين تكون موجهة من شاعر إلى أنثى. لقد تعبنا من «الجاهلية الأبجدية»، وحان الوقت لفتح نافذة في الجدار الأبجدي.