في روايتها الجديدة «مرام» (دار الساقي-2017)، تدخل فدى ابو شقرا عطا الله، إلى بيئة اجتماعية دينية، متمثلة في الموحدين الدروز، لتسرد قصة سارة أو «مرام»، الاسم الذي بات يعبّر لاحقاً عن شخصيتها وهويتها الجديدة المنسلخة عمّا كانت عليه قبلاً.
عبر أكثر من مئتي صفحة، تضع الكاتبة بين أيدينا، وبسرد واقعي تصويري، قصة هذه الفتاة التي تعيش تحت رحمة عمّها «أبو محمود»، الشيخ الثمانيني، الذي يتمتع بصيت ذائع في قريته الشوفية، ويجبرها على ممارسة سلوكيات وعادات اجتماعية ودينية لا تشبهها، إلا أنّها تحاول تدريجاً التمرّد عليها. تدخل الكاتبة بيئة هذه الفتاة لتنقل لنا معاناتها، وربما معاناة كثيرات ومن بيئات مختلفة، ما زلن يرزحن تحت وطأة هذه الأغلال، من اغتصاب للقرار في اختيار الزوج، وممارسة الحياة العادية، واختيار الملابس، وصولاً إلى منع مشاهدة التلفزيون و«اكتشاف» عالم الإنترنت.

حكاية فتاة
تتمرد على القيود الاجتماعية
والدينية

إذاً، تعيش سارة ضمن بيئة مقفلة، تعتبر أن هذه الممارسات ستحفظ «عفة»، و«طهارة» الفتاة، تحت ذريعة أن هذا ما يريده الله، فيما تكتشف سارة لاحقاً أن هذه التقاليد المفروضة عليها، تشكل مزيداً من الأغلال، التي ترفضها وترفض الانصياع الى كل هذه المنظومة.
تنجح في الهروب من قريتها بصعوبة وبخطى تقطع الأنفاس. تدخل الكاتبة عناصر الصدف والمفاجآت، لتلعب كثيراً على عنصر التشويق، الى جانب التحرر من القيود الاجتماعية والدينية، بخلع سارة ثوبها الأسود ومنديلها الأبيض الذي يغطي فمها، وارتداء ثياب عادية، بمساعدة عمها يوسف وزوجته أحلام، التي لجأت إليهما بعد هروبها من قريتها إلى بيروت. وهنا، تطيل الكاتبة الشرح عن ذاك الصراع بين الماضي والحاضر، وعن مفاهيم اجتماعية وأعراف ما زالت تكبل المرأة رغم خروجها منها شكلياً. تطرح قضية الأحوال الشخصية والمحاكم الدينية، بعدما زوِّجت سارة قصراً إلى رشاد، الذي اختاره عمها من دون موافقتها، ووصول الأمور بين الطرفين إلى المحكمة الشرعية الدرزية، وطلب رشاد سارة إلى «بيت الطاعة»، بعدما رفضت السكن معه في المنزل، في بيروت والقرية على حدّ سواء. وهنا، أبرزت قضية بغاية الأهمية، في سوق مرام أو سارة إلى هذا المصير رغماً عنها، وعن إرداتها، رغم علم خطيبها بأن علاقة غرامية تجمع بينها وبين ابن خالتها. تدخل الكاتبة في هذا الشق، عنصر التشويق، في كون مصير هذه المرأة معرّض لأن يعود إلى نقطة الصفر، وتعود الأغلال من جديد لتسجنها وتجبرها على العودة إلى هذا الماضي الذي لفظته ساعة وصولها إلى بيروت، ودخولها «كلية الآداب» هناك.
تغدو النهاية سعيدة وتشي باستمرارية الحياة، في تقديم مرام دليلاً على وجود أبيها الذي هرب منذ أولى سنين طفولتها، وبالتالي بطلان دعوى «بيت الطاعة». تفتح الكاتبة هذه النافذة من الأمل على بدء مرام حياة جديدة، وفي تنفيذ حلمها بإقامة معرض للرسم، بمساعدة ودعم من حبيبها. نافذة أرادت من خلالها إعطاء دفع إيجابي تجاه الحياة، رغم المصاعب التي تعتريها، والمطبّات المصيرية التي توقف في كثير من الأحيان تحقيق الذات وباقي الطموحات.