أحكمتْ تثبيتَ خمارِها تحت سترتِها. تأمّلتْ شكلَها أمام المرآةِ المرقّشةِ. لا شيءَ تغيّرَ. لا شيءَ يتغيّرُ. سمرةُ الوجهِ لم تملْ بعدُ إلى البياضِ. والوجنتان لا تزالان غائرتين داخل فمها. حاولت أن تأكلَ أكثرَ. ظهرَ ذلك على خصرها فخافت أن تخسرَ آخر ما بقيَ من الأسلحة. عادت إلى زهدها في الأكل وعادت إلى إظهار نحافة جسمها. مطّت شفتيها مراراً لعلّها تستخرجُ منهما بعضَ البريقِ. مزيداً من أحمر الشفاهِ. هذا أفضل. كلّفَ القلمُ ثروةً صغيرةً، لكنّه يستحقّ، يثبتُ ذلك في كلِّ مرّة. بعضُ الألوان على الوجنتين. تقول المُزيّنةُ، يجب أن تتناسق الألوانُ مع الأثوابِ. هذا يجعل المهمّةَ أكثر تعقيداً. لون البشرةِ، لون الأثواب، ألوان الزينة، ألوان الرجال... حُقّةُ هذا البُنّيِّ تكادُ تنتهي. ضمور الوجنتين يكادُ يختفي. ستوصي نزيهة بجلبِ المزيدِ منهُ من تركيا. الحاجبان! لا بدَّ من إبراز الحاجبين!«أُذِّن وإلا ما زال؟»
شعرتْ بتوتّر حينما سمعت العبارة. تفضِّلُ دائماً أن تخرُجَ دون أن يشعرَ بها أحدٌ. ليس بها رغبة للتواصل داخل هذه الجدران. فضّلت أن لا تجيبَ. عاودت التطلُّعَ إلى المرآةِ من مسافةٍ أبعدَ. لا بأسَ. يومٌ جديدٌ. محاولةٌ جديدةٌ. اِختارت الألوان بعناية هذه المرةَ. راقبته طويلاً. عرفتْ إلى أيّ الألوان يميلُ.

حقيبةُ الأكلِ مهترئةٌ، لكنّها تنجزُ عملها بكفاءة، وتحفظُ لها كنزها الصغيرَ. أمام البابِ اصطفَّ كدسٌ من الأحذية. ألقت نظرة جانبيّةً على قدمِها اليمنى. فَرَدَتها كراقصات الباليه. اِنحنت وتناولت زوجاً من ذوي الكعب العالي. القدمُ جميلةٌ دوماً بالكعبِ العالي. لن يمكنَه تجاهُل الصوتِ من بعيد. سيكون اليومُ شاقّاً بهذا الحذاء، لكنَّ العبرةَ بالخواتيم. فتحتْ البابَ لتُواجِهَ العالمَ.
«حيِّ على الفلاح!»
إنَّها الخامسة، حفيفُ الهواءِ يجمِّدُ الأطرافَ. القمرُ الباهتُ المعلَّقُ يتراجع خائباً. الصَّمتُ المطبقُ يبشِّرُ بولادة النهار. مرَّ شريطُ يومها أمام عينيْها قبل أن يبدأَ. أحسَّت بشيءٍ من التَّعبِ كأنَّها في آخر النهارِ. لن يكونَ الفرق كبيراً بين الموقفين. ستكون تماماً هكذا بعد إحدى عشرة ساعة من الآن. وسيكون القمرُ معلّقاً، والهواءُ مجمَّداً، وربّما صوت الأذان الأخيرِ مبشِّراً بعودة الصمتِ إلى المكان.
سربٌ من الأشباح يجاهدُ الريحَ وحُفَرَ الطريقِ المقابلِ. ستبدو هي أيضاً على درّاجتها بعدَ قليل شبحاً صامتاً يقطعُ المدينةَ من طرَفِها إلى الآخرِ. الكلُّ هنا يذهبُ إلى هذا الطرفِ الآخرِ. يحُجُّ إليه مبتهلاً داعياً. يطوف في أرجائه. ينشُدُ خلاصَه. هي أيضاً تريدُ الخلاصَ. فقط لو أنّه يلحظُها!
«يا سي عليّ، ما عندكش فكرة على قرارات اليوم؟ صباح الخير يا هادي، نهارك طيب!»
اِقتربتْ من الحشدِ عندَ المرآب. أحكمتْ غلقَ قفلِ الدرَّاجةِ. تظاهرتْ بالانهماكِ في ذلك، بينما عيناها تجولان خفية في المكان. لا ظلّ له في الأنحاء. لعلَّه باشر عمله باكراً... سعلتْ مرّتين، نزعتْ معطفها. ربَّما تجذِبُه ألوانُ الثوبِ الجديدِ، ولو كان في الداخلِ. كادَ البردُ يذهبُ بجسمها النحيلِ، لكنّها واصلتْ طريقَها إلى قسمِ الكيميائيّاتِ. ضربتْ بقدمها على الأرض، لعلَّه يسمعُ صوتها فيظهرُ من تحتِ الأرضِ. لا بأسَ. ستراهُ وقتَ الغداءِ...
في قسم الكيميائيّاتِ، مرّتْ من أمامه، لكنَّها لم تلحظه. انتابته حرارةٌ مفاجئةٌ. لم يكنْ أحدٌ معه في موقع عمله. لحسن حظه لم يكن أحدٌ هناكَ. ابتلع جفاف حلقه. تمالك نفسه. عاود اختلاس النظرِ إلى ما تبقَّى من ظلِّها في المكانِ. لقد اختفت تماماً! أخذ نفساً عميقاً وحاول اجترار ما غنمه من اللحظةِ العابرةِ. لم تسعفه النظرة الخاطفة بملاحظة الكثير. لم يعتد منها تركيبة الألوانِ هذه. ما تبقَّى من المشهد كان ما يكوّن شكلها في قلبه. وقعُ مشيتِها، نحافةُ خيالِها، حنانُ عينيها، رعشةُ جسدِه كلَّما استشعر رائحتها. لا تزالُ الرائحةُ الخفيّةُ تملأُ الفضاءَ من حوله. تمرُّ كلَّ يومٍ من قربه، تتركُ له كلَّ ذلك، وخيالاتٍ كثيرة تذهبُ به عن عمله لبعض الوقتِ. صارَ في كلّ صباح ينتظرُها كمن ينتظرُ وقتَ صلاته...
«جماعة الاتّحاد، قالوا يلزمنا احتجاج!»
ثمَّ يتهشَّمُ كل شيء في ذهنه كما الزجاج. يعودُ إلى عالمه وإلى الرّافعة المنتصبة أمامه. هتافاتُ الزملاء من حوله، وأوركسترا الآلات الرّخيمة الواثقة، وهذا البخارُ المتصاعدُ إلى الله. اِزداد حديثُ العمّالِ توتّراً هذه الأيامِ، وزاد حجمُ شرودِه في البخارِ المتصاعد من حوض السائل الكيميائيِّ الخانقِ. تابعَ صعودَه إلى السَّقفِ حيثُ مسالكُ التهوِئة تنقلُه إلى مكانٍ ما. تساءلَ ما الذي يسبّبُ له أوجاعاً في الصدر إن كانت الأبخرة تخرج من فوق؟
«هل ستشارُك في الإضراب؟»
كان يعرفُ الإجابة عن سؤالهِ البليدِ، مثلما كان يعرفُ الإجابة عن سؤالِ زميله. لهثَ وهو يحرّكُ الرافعةَ إلى الخلفِ قليلاً. راح السائلُ ينسكبُ في وعاءٍ كبير. عاودته أوجاع صدره. لكنّه يعرفُ أنَّه لن يحتجَّ ولن يُضربَ. يعرفُ أنَّ بقاءَه مضمون بسبب توصيةٍ من السيّد المعتمَدِ. حينما ذهبَ إليه حاملاً بطاقة مناضلٍ باسم جدِّه، وشهادةَ فقرٍ، وعدهُ في فتورٍ بالشغلِ والكرامةِ. تلك العبارةُ الّتي ما فتئَ كلُّ مسؤولٍ يردِّدها بعدَ الثورةِ المباركةِ. قتلَ جدُّه خمسةً وثلاثين عسكريّاً فرنسيّاً زمنَ المقاومةِ المسلّحةِ، وكسبَ هو ببطاقة نضالهِ، ثلاثمائة وخمسين ديناراً شهريّاً. الحسنة بعشر أمثالِها كما يقولون. والسيّئة أيضاً بعشر أمثالها. لكنَّه لم يعرف السيّئة الّتي جعلت من جدِّه يكنّى «رجبْ البهيم» وجعلت النّاسَ تناديهِ «ولد البهيم». يسمعُها همساً هنا وهناكَ، وجهراً وقتَ الخصامِ. جرّب صغيراً أن يغيّر من عادة القوم، فتعلّمَ درسَه الأوّلَ: العادةُ لا تقاوَمُ. في هذه المدينة، كلُّ شيءٍ سيظلُّ كما هو. سيظلُّ يسكبُ هذا السائلَ ويرسلُه إلى نقطة العملِ الموالية في السلسلة. سيظلُّ ولدَ البهيم، وسيظلُّ مكتفياً بنصيبه.
ليحتجّوا، ليُضربوا، هذا حقّهم، وهو معهم بقلبِه، لكن بعيداً عن رزقه، بعيداً عن رزق جدّه العجوزِ المشارف على الموت. بعيداً عن حلوى أبناء عمّته التي يلتزم بشرائها كلّ أسبوع. العادةُ رتيبةٌ، مثل عمل هذه الرافعة الصامتة المهيبة. لكنّها مستمرّة، واثقة، لا تتزحزح. أصحاب هذه الرافعة مثلها لن يتزحزحوا. ذلك المدير الإيطاليُّ سيظلُّ هناك، مهما احتجّوا ومهما صرخوا...
«قالوا سيعلّقونَ أسماء المطرودين».
علِــق اسمُها منذ زمن بعيد بذهنه. عرفَ عنها أشياء كثيرةً. عرفَ أنها شاخصة بقلبها إلى الإدارة. لم يحبطه ذلك كثيراً، وأدهشه أنّ ذلك لم يحبطه. لم يحسَّ بالغيرة، لأنّ من حقّها أن تتطلّع إلى شخص ليس مثلَه. إلى شخص لا ينظر إلى الأرض، ولا يكتفي بأجرٍ بخسٍ، ولا ينادونه «ولد البهيم». ظلَّ مكتفياً بوجبة الصباح من وجهها ومن زينتها التي تعدُّها لغيره. رأى نفسه واقفاً في الساحة بعد الغداء. رآها تشرئبّ بعنقها بحثاً عن غيره. بريق عينيها يذبل شيئاً فشيئاً، وقدماها تعودان بها القهقرى. سوف تمرّ من أمامه دون أن تشعر بوجوده، تماماً كما لا يشعر ذلك الإداريُّ بوجودها. ربما يلقي إليها تحية متلعثمة حذرة، وربّما تجيبه دون أن تلتفت إليه... اِنتابته شهوة عنيفة وهو يتخيّل المشهد. تساءل: أليس عبثاً هذا الذي يراه، كمثل العبث الذي تصرّ هي عليه؟ هو كذلك لا يملك حيلة لحبه ولا سلطاناً... لقد قدّر لأهل هذا الفضاء من العمل إلا حوادثَه، ومن الأجر إلا مهانته، ومن الحبّ إلا عذاباته.
«يجبُ أن نتحرّك! يجب أن نتضامن!»
لكن لا أحد يتحرّك من أجله ولا يتضامن معه، وكذلك هو لن يفعل. إنّ النضال كذبة كبيرة يخترعها أصحاب الحاجة لاستدراج من لا حاجة لهم. اليوم يتضامن معهم، وغداً ينادونه «ولد البهيم»... وجهه في المرآة يوحي بالتوتّر. تحامل على نفسه والتقط نفساً عميقاً. لا توجد بقع على القميص. لا يبدو بهذا السوء. أين الباب؟
خرج من قسم الكيميائيات. الصخب يملأ فضاء المنطقة الصناعية. بدأ العمّالُ بالتجمهر حول القائمات. بعضهم رفض الاطلاع عليها والمشاركةَ في المسخرة. أغلبهم يعرفُ مسبقاً مصيره. ولم تكن هي من بين هؤلاء. لكنّها لم تبدِ انشغالاً كبيراً بما قد يحدث. نظرت إلى مشاريع الأحذية المتكوّمة أمام آلة عملها، وراح ذهنُها يحسبُ رغماً عنها. بعشرة دنانير في اليوم تخيط نحو ستين حذاءً. يبيعونه للناس في «الخارج» بعشرات اليوروهات. هذا الصنف مثلاً، أخبروها أنّ ثمنه في السوق الأجنبية مائة وخمسون من عملتهم أو يزيد. هذا يفوق أجرتها الشهرية بالفعل. يربحون منها الذهب، فماذا تربح منهم؟
«عندي ديون برشا. إذا طردوني، سيُقضى عليّ»
أمّا هي، فلا ديون لديها تقريباً. تهب كلَّ مالها فعلاً لأدوات الزينة والملابس. كلّفها هذا الثوب أكثر من نصف أجرتها. لم يقلقها ذلك قطّ. أجرتُها لا تصلحُ لشيء آخر بالفعل. تجد متعةً حين تقول بكلّ صدق لأمها أو أخيها «مفلسةٌ، قلّبوني!» وحين تصرخُ فيها أمُّها في حنق «لماذا تعملين إذا؟»، تجيبها بحدّة أكبر «لأتخلّص من وجوهكم، وأوامركم، وخدمتكم!». لم تعمَل يوماً لجمع المال، بل لجمع الأمل. تلملمه بعينيها الكحيلتين، وابتسامتها الحنون. تحاول افتكاكَه من الرجل المناسب. منذ فترة ليست بقصيرة، صارت تعرف من هو الرجلُ المناسبُ. تحدّثها بدلتُه الأنيقةُ عن تفاصيل حياتِها بجواره. عقدتْ آمالَها على طرف المنديل النابع من جهة قلبه. لم يتزوّج لأنّه لم يعثر على بنت الحلالِ. ما أندرَ بناتِ الحلالِ!
«حتّى جماعة الإدارة، ستشملهم الغربلة».
التقطت أذناها العبارة كما تفعل الأرنب المتحفزة. نهضت وهي تحملق في الباب البعيد. ضاق المكانُ من حولها، امتدّت حشود العمّالِ بعيداً عن المعلّقات، لم يأتِ الدَوْر على قسم الخياطة بعدُ، لكنّ قلبها صار يخفق بعنف ضربات آلتها. كيف تصل إلى الأوراق؟ هتافات العمّال من حولها أكثر زحمة من احتشادِهم.
«سياسةُ الدولة هي السبب!»
«من أين يأتون بهؤلاء المستثمرين؟»
«طلياني كلب! كلّ الإيطاليين كلاب! لصوصٌ!»
«الأزمة العالمية هي السبب. لا حول ولا قوة إلا بالله»
«تزوجتُ منذ شهر، والآن سأطلّق وأواصل تسديد الديون! أيُّ دنيا هذه؟!»
تمنّت لو تظلُّ تقرأ الأسماء حتى نهاية القائمة. أن تتحمل التّدافع لساعاتٍ. لكنّها توقّفت عند الورقة الثالثة. كان اسمهُ الأنيقُ يتصدّرها. ارتخت عضلاتُها. تركت تَدَافُعَ الحشود يعود بها إلى الخلف، إلى الخلف، حتّى لفظها خارجاً. تأملت المكان من حولها في صمت. بدا لها المكان غريباً وموحشاً. توقفت عيناها عند البوابة الضخمة. بدت أكبر حجماً، كأنّها تدعوها إليها. مضت نحوها ساهمة، وقد عرفت أنّها لن تعودَ.
حتّى بعد مرورِ يومين لم تعدْ. انشغل باله بها. لم يعد قادراً على العمل. لحسن حظّه لم يكن هناك من عملٍ يُذكر. اِنخفض نشاطُ المصنع بسبب الفوضى. لا أحد يهتمُّ بمردودية العمال وهم يُطرَدون.
«قد يغلقون وحدات الإنتاج خلال اليومين القادمين»
«المحتجُّون لا يعرفون ما يفعلون. يطلبون العون من الاتّحاد وهؤلاء يحرّضون على التصعيد لأغراضٍ سياسية»؟
«أنت إخونجي حقير»
«وأنت يساري ابن كلب!»
المصنعُ مهدّدٌ بالغلقِ. قلبُه مهدّدٌ بالخواءِ. وهذا الحوض لا يزال ممتلئاً. ماذا لو طلب من السيّد المعتمَد إرجاعها؟ لكنّ بطاقة النضال لا تطال شخصين. ودّ لو يمنحها مكانه، لكنّها ليست من العائلة. لو كانت زوجته مثلاً... سيقول لهم إنها ... كتم ضحكة كادت تلفت إليه الأنظار. النضال لا يحمي المغرمين. المصنع أيضاً لا يحميهم. بل إنه يكرههم. الحبُّ يعني الزواج. والزواج يعني أطفالاً، ومنحاً خاصاً، وإجازات استثنائية لا تطيقها الإدارة...
صخب المتظاهرين في الخارج بات يملأ الفضاء. مرّ أحدُهم من أمامه تاركاً بعضاً من حزنه وغضبه وحسده. إنّه مذنبٌ لأنّه لم يُطرد. إنّه مذنب لأنّه «ولد البهيم» ولو كان ابن سي «الباردي» لما لامه أحدٌ. تذكّر تعلُّق «بنت الباردي» به في صباه. تذكّر كيف تجاهل كل محاولاتها البائسة لاستمالة قلبه، وكيف اعتبرها مقلباً سخيفاً لم يقع فيه. ضحك في مرارة وعاودَ شدّ الرافعة الثقيلة...
«حتّى ل.م طردوه! تخيّل! ذلك المتعجرف صاحب المعارف والصِّلات!» توقفت يداه عن عملهما. سقط الصندوق في الحوض. تعالت صفارة من مكان ما منذرة. صرخ زميله محذّراً. لكنّه غادر المكان دون أن يأبه. أهذا ما تركه له جدُّه؟ أهذا ما أراده له من الحياة؟ نظر إلى البطاقة المغلّفة. نظر إلى المتظاهرين الغاضبين، وإلى دموع الفتيات المطرودات، وإلى الأحذية الجلدية الرفيعة وهي تشقّ مسلكها الواثق إلى ما وراء البحر. تحسّس رقبته. تحسس الوجع الممتدّ من صدره إلى أسفل معدته. اشتمّ عطرها في خياله. سمع صوت رفاقه قادمين. سمع وقع حذائها في رأسه، سمع وقع الهتاف المتوالد من قلب المظاهرة.
«التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق! المحبّة استحقاق يا عصابة السرّاق!»
اختلط الكلام في ذهنه. لم يعد يميّز أيها هتف به المتظاهرون، وأيها هتف به هاتف في أعماقه. حشدُ العمّال متكوّم أمام مبنى الإدارة المغلقة. عند الباب، كانت محامية يساريّةٌ شهيرة تخطبُ دون توقف. ضاع كلامها وسط الهتاف.
«التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق!»
ضاعت أفكاره وسط الهتاف. نظر إليه بعضهم في اندهاش. لماذا يهتف معهم؟ ألم يحفظوا له عمله؟ تسلّق كتف أحدهم وصرخ، فردّد الجميع في هياج.
«لماذا يتظاهر معنا؟»
أجاب إداري ساخراً: «لأنه ولد البهيم!»
* قاص تونسي