سان فرانسيسكو، بداية الخمسينيات. جاؤوا إلى هنا جميعاً، ألن غينسبرغ (الصورة) مع 20 دولاراً في جيبه، وجاك كيرواك، ووليم بوروز وجاك سبايسر وغاري سنايدر ومايكل مكلور... زعيقهم في وجه تكلّف الشعر الأكاديمي في أروقة «جامعة كولومبيا» في نيويورك، وشتائمهم لإليوت وإزرا باوند، وحبات البطاطا التي راحت تتطاير على محاضرة حول الدادائية، صارت كلها أصواتاً هاذية تتردّد على المنصات وتنشر في الكتب.
كانت التربة خصبة وجاهزة لحركة «جيل البيت» الأميركية: البوهيميون يتعثرون بالفوضويين، والمصائر معطلة، لا نافذة في أسفل السماء، وليس هناك ما يثقل الظهور المتسيّبة... وأميركا، الخارجة لتوّها من الحرب العالمية الثانية، فلا يقين في ما إذا كانت قد لفظتهم، أو هم الذين ما عادوا يقدرون على ماديتها وشياطينها وقنبلتها الذرية. تخلت الجماعة عن مقاييس السرد وقيمه الراسخة، مقابل كتابة مندلقة وتلقائية ومتشظية. مع اختباراتهم الجنسية راحوا يستكشفون الديانات الغربية والشرقية، ويبتلعون عقاقير الهلوسة. تحت تأثيرها، كتب غينسبرغ «عواء» (1956). انطفأت الحركة سريعاً بعد سنوات، كما لو أنها انتحرت عوضاً عن أبنائها ممن بقيت كتبهم وتجاربهم تحدد ملامح الثقافة الأميركية البديلة بعد الحرب العالمية الثانية. «جامعة إموري» في أتلاتنا (جورجيا) تحتفي بـ «جيل البيت» وأيقوناته في معرض «ماكينة الحلم: جيل البيت والثقافة المضادّة» الذي يستمر حتى أيار (مايو) المقبل. يسترجع المعرض تلك الفترة الطائشة من الأدب الأميركي الحديث، عبر صور ومواد ووثائق نادرة، من بينها النسخ الأولى للكتب، وقصائد مبكرة ومسوّدات لم تعرض من قبل. غابت أسماء كثيرة خلف الهالات الثلاث الأولى لـ «جيل البيت»؛ غينسبرغ وكيرواك وبوروز. يكشف الحدث عن بعض هذه التجارب لشاعرات مثل ديان دي بريما، وأخرى للأفريقيين أميري بركة وبوب كوفمان. وبعدما بقيت ضائعة لنحو ستين عاماً، سيتمكن الزوار أخيراً من قراءة رسالة نيل كسادي التي ألهمت رواية كيرواك «على الطريق» (1957).