عاماً بعد عام، يقترب مهرجان «بيروت آند بيوند» أكثر من الأهداف الكثيرة التي وضعها لدى انطلاقته في عام 2013 بالشراكة مع «مهرجان أوسلو لموسيقى العالم»، انطلاقاً من غاية أساسية هي «التعريف بالموسيقى المستقلة في المنطقة العربية مع التركيز على الأعمال ذات المستوى الفني العالي».
إنّه مساحة للاجتماعات والعروض وتبادل الأفكار والخبرات، تشجّع كثيراً على التشبيك والتعاون، وإيجاد حلول تلبّي الاحتياجات الملحة للموسيقيين المستقلين الشباب في عالم العربي. في الدورة الماضية، طبّق القائمون على الحدث مفهوماً جديداً تمثّل في استضافة فنان يؤدّي دور القيم الفني. بعد نجاح التجربة مع اللبناني وائل قديح (1979) في عام 2016، حان دور الموسيقي والملحّن المصري موريس لوقا، الملقّب بـ «ساحر الإلكترونيك» في نسخة عام 2017 (من اليوم حتى 10 كانون الأوّل/ ديسمبر الحالي). مع بداية ما سمي بـ «الربيع العربي»، بدأت أعمال لوقا تكتسب شهرة واسعة، وقد شارك في النسخة الأولى من «بيروت آند بيوند» وفي جولات المهرجان في 2013 و2014، قبل أن يعود إلى بيروت العام الماضي إثر إصدار ألبوم «بنحيي البغبغان» (الأخبار 19/2/2015) لماذا اخترتم موريس لوقا؟ تجيب مديرة التطوير والاستراتيجيا للمهرجان، جوليان عرب، بأنّ الفنان المصري «قريب من الحدث منذ انطلاقته، كما أنّنا دعمناه كثيراً على الصعيد الدولي لناحية الجولات... على الرغم من أنّ إنتاجاته الفنيّة لافتة جداً، إلا أنّه كان لدينا دائماً شعور بأنّه قادر على تشكيل إضافة إلى «بيروت آند بيوند». كانت لدينا رغبة هذه السنة في العمل مع قيّم من خارج لبنان، وشعرنا بأنّه من الأفضل أن يكون على دراية بطبيعة الحدث». وتضيف عرب: «قدّم موريس واقترح فنانين أثّروا في أعماله، مثل ريتشارد دوسن، لكّن الأسماء كلّها تعكس أيضاً توجّهات المهرجان». لا شكّ في أنّه مع تغيّر القيّم، يتغيّر مضمون البرمجة والتجربة ككل. هكذا، فإنّ متابعة موريس لما يجري على الساحة الفنية المستقلة في القاهرة واضحة في البرمجة الفنية التي تحتوي على «صبغة مصرية»، وكذلك الأمر بالنسبة إلى برنامج المتخصّصين الذي يضم 12 فناناً من العالم العربي، من بينهم أربعة مصريين. في هذا السياق، تلفت جوليان إلى أنّه من المفيد أن نحاول أن نشرح للناس «طبيعة عمل القيّم الفني، ونعرّفه على المحيط الذي يعمل فيه والموسيقى التي يحبّها ويتأثّر بها... إنّها ببساطة دعوة لاكتشاف العناصر التي صنعت موريس لوقا».

أسهم الموسيقي المصري موريس لوقا في إعداد دورة مختلفة بصبغة مصري


على صعيد البرنامج الفني، سيكون الافتتاح في The Grand Factory (الكرنتينا ــ بيروت) مع اللبنانية ياسمين حمدان (20:30) التي ستقدّم ألبومها الجديد «الجميلات» للمرّة الأولى في بيروت، يتبعها الموسيقي والفنان المتعدّد الوسائط المغربي ــ الأميركي H.A.T (حاتم بَلْيَمني ــ 22:30). في اليوم التالي (KED ــ الكرنتينا)، يحين موعد العمانية أمل وقّار (20:30)، يليها رباعي لين أديب (سوريا ــ 22:00)، ثم ريتشارد دوسن (إنكلترا ــ23:00). يستضيف المكان نفسه الفعاليات المقرّرة في 9 كانون الاول، حيث سيطل Kid Forteen (خضر علّيق ــ 20:30)، تليه فرقة PANSTARRS المصرية (22:00)، قبل أن تختتم الليلة مع POREST (العراقي الأميركي مارك جرجس ــ 23:00).
آخر أيّام البرنامج الفني، ستبقى في KED الذي سيحتضن المصرية دينا الوديدي (20:30) قبل أن يلتقي الجمهور فرقة THE BROTHER MOVES ON من جنوب أفريقيا. كما نرى، الأسماء المعروفة قليلة، وهذا انطلاقاً من رغبة المنظمين في أن يعتبر الجمهور «بيروت آند بيوند» مساحة اكتشاف لا تقتصر فقط على لقاءات جديدة مع فنانين معروفين. «حتى الفنانون المعروفون سيذهبون باتجاه تقديم محتوى جديد»، تقول جوليان عرب. تشدّد الأخيرة على أنّ وجود ياسمين حمدان له رمزية كونها من روّاد الموسيقى البديلة في لبنان: «غالبية فناني الأندرغراوند في لبنان تأثّروا بأعمال ياسمين وزيد حمدان (SoapKills)...».
توضح جوليان أنّه منذ بداية العام الحالي «سلكنا طريق التجديد والمجازفة». هي لا تتحدّث فقط على أيّام «بيروت آند بيوند» الأربعة المنتظرة، بل تشير إلى الأنشطة التي جرت منذ الصيف الماضي. في حزيران (يونيو) الماضي، قدّم المهرجان عرضاً سمعياً ــ بصرياً مشتركاً بعنوان «حفل زفاف»، جمع حامد سنّو مؤلّف الأغاني والمغنّي الأساسي في فرقة الروك البديل اللبنانية «مشروع ليلى»، والفنّان والمصوّر السينمائي محمد عبدوني، والموسيقية والمنتجة المتعدّدة الوسائط ليليان شلالا، بهدف حشد الدعم لنسخته الخامسة. أتت هذه التجربة تماشياً مع سعي المهرجان الدائم لتعزيز التعاون المحلي والدولي. هنا، تكشف عرب أنّه «نتابع المشروع عن كثب لأنّ ليليان وحامد اللذين عملا سوياً للمرّة الأولى، يعملان حالياً على تطوير هذا المشروع، ولسنا بعيدين عن إصدار ألبوم... هناك في الأفق أفكار من صلب تلك التي نرمي إليها، ونرغب في دعمها».
محطة ثانية غاية في الأهمية، كانت الجولة الأوروبية التي جرت بين 24 تشرين الأول (أكتوبر) و4 تشرين الثاني (نوفمبر)، لفرقتي «الراحل الكبير» و«كينيماتيك» اللبنانيتين، اللتين شاركتا في برنامج المتخصصين في النسخة الرابعة من المهرجان ولم يسبق لهما الأداء خارج الأراضي اللبنانية. هكذا، تنقّلت الفرقتان بين سويسرا وفرنسا وهولندا والنرويج والمملكة المتحدة، فيما شكّلت هذه الخطوة متابعة للشراكة التي انطلقت منذ البداية مع «مهرجان أوسلو لموسيقى العالم»، إضافة إلى ما تمّ تطويره بفضل توسّع شراكات «بيروت آند بيوند» الدولية منذ ذلك الحين. علماً بأنّ جولة «الراحل الكبير» و«كينيماتيك» قوبلت بردود أفعال مميّزة من قبل الجمهور، على الرغم من التحديّات التي رافقت تحقيق هذا الهدف (تأشيرات الدخول، والصعوبات المادية، خصوصاً أنّ الشركاء في الخارج لا يجرؤون على المراهنة كثيراً على فرق لبنانية شابة غير معروفة أوروبياً).
تمثّل الفضاءات شكلاً آخر للتجديد، إذ يعتبر KED وThe Grand Factory مكانَيْن جديدَيْن في العاصمة اللبنانية ولم يعتد الناس على المشاركة في أنشطة فيهما، الأمر الذي سيشكّل اختباراً جديداً للجمهور أيضاً.
بناءً على التركيز على فكرة «التجديد والمجازفة»، هل يمكن القول إنّ الدورة الخامسة صارت «أنضج» لناحية تحقيق الأهداف؟ تؤكد جوليان عرب أنّ هذا الكلام دقيق إلى حدّ بعيد، لا سيّما «أنّنا صرنا نلاحظ تفاعل الجمهور الكبير معنا، وانتظاره لما سنقدّم. لقد كوّنا علاقة ثابتة مع الناس تُشعرنا بأنّ للموسيقى المستقلة مساحتها وجمهورها في بيروت، على أمل أن نتمكن في الدورة المقبلة من نقل التجارب إلى مناطق لبنانية أخرى». كما أنّ القدرة على إيصال الموسيقى الجديدة الخارجة من رحم العالم العربي إلى مهرجانات عالمية بارزة تعد إنجازاً كبيراً. وفي هذه النقطة تحديداً، تشير جوليان إلى مشاركة حوالى أربعين شخصاً قادمين من الخارج في برنامج المتخصصين الذي تستضيفه «دار النمر للفن والثقافة» (كليمنصو)، من بينهم بيتر هفالكوف (مهرجان روسكيلد، الدنمارك) الذي سينخرط في جلسة نقاش مفتوحة للعموم بعنوان «مهرجانات من حول العالم وبعض وصفات النجاح» (9/12 ــ س: 16:00)، إلى جانب ألكسندرا أركيتي ستولن («مهرجان أوسلو العالم»، النرويج)، وكريم غّطاس («ليبان جاز»، لبنان)، وبيل براغين (مركز الفنون في «جامعة نيويورك أبو ظبي»، الإمارات / «مهرجان غلوبل فست»، الولايات المتحدة)، وأماني سمعان («مهرجان بيروت آند بيوند»، لبنان).

أمل في نقل التجربة إلى مناطق
لبنانية أخرى

يسبق هذا النقاش لقاء مع الفنانين/ات (س: 11:00) مخصص للمتخصصين/ات المسجلين/ات فقط. يجدّد «بيروت آند بيوند» هذه السنة التزامه بدعم المشاريع الناشئة ذات الجودة الفنية العالية، ويختار 12 فناناً/ة من مختلف الدول العربية للمشاركة بلقاءات قصيرة مع المهنيين/ات الضيوف، بهدف عرض المشاريع القادمة ومناقشة إمكانيّات التعاون المحلي والدولي. وقد وقع الاختيار هذا العام على: أدهم زيدان (مصر)، وألكو ب (لبنان)، وشيرين عبده (مصر)، وآري سرحان (سوريا)، وفلوجين ــ مايا أغنيادس (لبنان)، وخوم (لبنان)، وليليان شلالا (لبنان)، ومكرم أبو الحسن (لبنان)، وأيمن مسعود من فرقة «مسار إجباري» (مصر)، و«بوستكاردز» (لبنان)، و«بيت عشوائي» (الأردن)، و«تيليبويتيك» (مصر). قبل ذلك، يفتتح البرنامج في 8 كانون الأوّل بجلسة «الجولات الفنّيّة في عالمنا اليوم» (الدعوة عامة) التي تديرها سيندي مزهر من «المجلس البريطاني لبنان»، ويتحدّث خلالها: ريما مسمار («آفاق»، لبنان)، وعماد أليبي («أيام قرطاج الموسيقية»، تونس)، وطارق يمني (فّنان ومؤسس «بيروت سبيكس جاز»، لبنان)، وشرمين صوالحة («ملاهي»، الأردن). وينتهي هذا اليوم بحوار مميّز وشامل مع ياسمين حمدان تحت عنوان «احكيني موسيقى» (18:00 ــ الدعوة عامة/ بالشراكة مع «دار النمر»)، يتولاه الزميل بيار أبي صعب. يعتبر هذا الموعد «دعوة مفتوحة» للغوص في عالم الفنانة اللبنانية وعلاقتها بالموسيقى، بتحوّلاتها الماضية والحاضرة والمستقبلة.

* النسخة الخامسة من «بيروت آند بيوند»: بدءاً من اليوم حتى 10 كانون الأوّل ــ KED وThe Grand Factory. البطاقات متوافرة في جميع فروع «مكتبة أنطوان». للاستعلام: 03/703371 أو 70/501705 أو 01/367013