عند استعادة الأحداث الثقافية في لبنان، يتعذر تقريباً إيجاد مواعيد خارج بيروت، رغم المحاولات الخجولة والفردية في بعض المناطق. صفة الفردية تنطبق على كل الفعاليات التي تشهدها بيروت، فيما بقيت نتائج الخطة الخمسية للنهوض الثقافي لعام 2017 التي أعلنها وزير الثقافة اللبناني غطاس خوري غائبة طوال العام.
هكذا بقيت بعض المواعيد ثابتة، وهي التي باتت تشكّل الهوية الثقافية والفنية لبيروت كالمهرجانات الأساسية والمعارض مثل «معرض بيروت العربي والدولي للكتاب» بدورته الـ 61 هذه السنة، و«معرض الكتاب الفرنكفوني»، و«معرض الحركة الثقافية – أنطلياس»، و«البيت الدولي للكتاب». ما عكّر هذه الروتينية، رغم بعض المبادرات الجديدة، هو الرقابة التي تتربّص بالأعمال الفنية وتلازمها. واصلت السلطة الدينية التطاول على الأفلام تحديداً، فيما زجت بالشاعر اللبناني مصطفى سبيتي بالحبس على خلفية نشره جملة على فيسبوك اعتبرت مسيئة للسيدة مريم العذراء. جو الانغلاق بدأ هذه السنة من الدورة التاسعة لـ «أيام بيروت السينمائية» التي شهدت ما يمكن تسميته المجزرة الرقابية.

رحيل جان شمعون وسلوى
روضة شقير وجلال خوري
وعصام العبدالله

منع فيلم «بيت البحر» لروي ديب من العرض، وأصرّت دار الفتوى على حذف بعض المشاهد من فيلم «مولانا» لمجدي أحمد علي، ومنعت مديرية التوجيه في الجيش اللبناني شريط «تصريح» لغنى عبود من العرض، فيما سُمح بعرض واحد فقط لفيلم «صبمارين» لمونيا عقل. وقبلها كانت الرقابة الدينية قد حوّلت رجل دين درزياً إلى طيف أسود في فيلم «اسمعي!» لفيليب عرقتنجي. رغم كل ذلك، شهد الفن السابع في لبنان إنتاجات كثيرة، من بينها وثائقي «مخدومين» لماهر أبي سمرا، وتسجيلي «يا عمري» لهادي زكاك، و«خيوط السرد» لكارول منصور، الذي يحتفي بالذاكرة الفلسطينية عبر نسائها، و«ميل يا غزيل» لإليان الراهب. الفن السابع حضر في يوميات بيروت والمخيمات والمناطق التي استعاد فيها «نادي لكل الناس» أفلاماً من أرشيف السينما اللبنانية لبرهان علوية ومارون بغدادي وأخرى لمي المصري وإنتاجات لبنانية لأجيال جديدة من المخرجين. سينما «متروبوليس أمبير صوفيل» دعمت بعض الأفلام اللبنانية المستقلة عبر عرضها، فيما نظّمت مجموعة من الأسابيع والمهرجانات السينمائية من بينها «شاشات الواقع»، و«أسبوع السينما البرازيلية»، و«مهرجان السينما الأوروبية»، واستضافت الدورة السابعة عشرة من «مهرجان بيروت الدولي للسينما». وبعيداً عن السلطة الدينية، أثبت القضاء مرة أخرى أنه رهن القوى السياسية. إذ أصدرت محكمة المطبوعات في بيروت حكماً بتغريم الموسيقي زياد الرحباني على خلفية مقابلته على الـ NBN عام 2013، بعد دعوة رفعها عليه رئيس «حزب القوات» سمير جعجع الذي لا تتوقف دعاواه منذ سنوات على المنتج الموسيقي ميشال ألفتريادس. من ناحية أخرى، طال حضور قضية التطبيع مع إسرائيل، تحديداً مع عودة المخرج اللبناني زياد الدويري إلى بيروت. إذ أوقفه الأمن العام اللبناني لدى وصوله إلى المطار بسبب تصوير فيلمه «الصدمة» في فلسطين المحتلة قبل سنوات. لكن خروجه من الاحتجاز سريعاً، يسلط الضوء على الاستثناءات المتساهلة التي يحوزها بعض الفنانين دون سواهم. هكذا رافق وزير الثقافة غطاس خوري فريق عمل فيلم الدويري «قضية رقم 23» في «مهرجان البندقيّة السينمائي الدولي»، رغم مشاركة بعض الأفلام اللبنانية الأخرى مثل «شهيد» للمخرج مازن خالد. كذلك فشلت الدعوات إلى مقاطعة حفلة Tomorrowland التي أقيمت في جبيل، والتي تشترك في إحيائها شركة entertainers في جبيل مع أحد المنتجعات في تل أبيب، فيما نجحت دعوات «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان» في منع عرض Wonder Woman الذي تؤدي بطولته المجندة السابقة في جيش العدو الإسرائيلي غال غادوت. الحدث الموسيقي الأبرز هذه السنة تمثل بأسطوانة «ببالي» لفيروز، لا لأهميته الموسيقية، بل لإعادتها إلى الغناء بعد غياب دام 7 سنوات، أي منذ إصدارها ألبوم «إيه في أمل». انتقادات كثيرة رافقت صدور الألبوم، تركّزت على أداء فيروز لأغنيات عالمية وأجنبية لابنتها ريما الرحباني. موسيقياً أيضاً، احتضنت بيروت مهرجانات كثيرة، كان آخرها مهرجان «بيروت ترنّم» الذي افتتح بحدث استثنائي، وهو عزف السمفونية التاسعة لبيتهوفن. كذلك كرمت «جامعة الروح القدس» (الكسليك) الموسيقي الفلسطيني الراحل حليم الرومي. وكان الجمهور على موعد مع «مهرجان البستان»، ومهرجان «بيروت آند بيوند»، و«ارتجال»، وعيد الموسيقى، و«مهرجان بيروت للجاز»، و«مهرجان موسيقيات بعبدات». في بيروت، أحيا عازف العود العراقي نصير شمة أمسية موسيقية، والمغربية «أُم»، والتونسي ظافر يوسف، وسعاد ماسي، والسوري كنان العظمة واللبنانية سمية بعلبكي و«ثلاثي جبران». امتدت الأمسيات الموسيقية إلى خارج العاصمة في مهرجانات بعلبك وبيت الدين وصور وجبيل وغيرها من المناطق التي استضافت تجارب عربية وغربية. وأطلقت تانيا صالح ألبومها «تقاطع» وياسمين حمدان «الجميلات»، وغسان سحاب مقطوعته «خريف عربي»، ودونا خليفة ألبومها Heavy Dance.
الفنون البصرية احتلّت أيضاً المشهد الثقافي في بيروت. احتضنت غاليريهات العاصمة معارض تشكيلية وفوتوغرافية ومعاصرة وأخرى استعادية لأمين الباشا وجبران طرزي وعبد الحميد بعلبكي، والنحاتة الأردنية منى السعودي، والسوري غيلان الصفدي وأسامة بعلبكي، وهلا شقير، وأيمن بعلبكي، وهلا عز الدين، ووضاح فارس ولور غريب، وريما أميوني وجميل ملاعب وأحمد غصين ووليد رعد وربيع مروة وجيلبير الحاج والمصرية مها مأمون. شاهدنا أيضاً الدورة الرابعة من «فوتوميد»، ومعرض «مداد: فن الخط العربي في الحياة العامة والخاصة» في «دار النمر للثقافة والفنون» الذي استضاف أمسية لإحياء الذكرى العاشرة لرحيل جوزيف سماحة. «مركز بيروت للفن» دعا معرضاً للمصور الأميركي ألن سكولا، كذلك أقام video works، واحتضنت أماكن عدة في بيروت الفصل الثاني من «بينالي الشارقة 13». أما «مركز بيروت للفوتوغرافيا» فقد أطلق نشاطاته في بيروت لإرساء الفوتوغرافيا كفن أساسي فيها. ومثّل زاد ملتقى لبنان في «بينالي البندقية ــ 57» بمشروعه «شمش». وفيما لاقت «سينما ستارز» في النبطية مصير الإغلاق الذي واجهته «سينما الحمرا» في صور قبلها، لأسباب كثيرة، منها غياب دعم الجهات الثقافية المتركزة في بيروت، شهدت بعض المناطق اللبنانية فعاليات ثقافية مختلفة. انطلق «مهرجان بعلبك الدولي للأفلام القصيرة»، وأقيمت الدورة الرابعة من «مهرجان الأفلام» في طرابلس، وافتتحت «مجموعة كهربا» المسرحية فضاء «بيت الفنان» في حمانا للإقامات الفنية والعروض المسرحية والأدائية. في بيروت، افتتح «بيت بيروت» بخفوت بعد سنوات طويلة من الانتظار. وبعد نيلها «جائزة المكافأة الإمبراطورية»، و«جائزة الثقافة للسلام» افتتحت «فرقة زقاق» استديو جديداً في منطقة كورنيش النهر بمسرحيتها «الجواكر». «مترو المدينة» واصل إحياء تجارب موسيقية وفنية قديمة بأصوات جديدة، مثل فريال كريم بصوت ياسمينا فايد، ونجاح سلام بصوت شانتال بيطار، فيما أطلق هشام جابر عرضاً جديداً بعنوان «عين الشيطان» تحية إلى سيد درويش. الفنون المشهدية راوحت بين الرقص والعروض التجريبية واستعادات لمسرحيات عالمية. روجيه عساف الذي عاد إلى الخشبة ممثلاً العام الماضي في مسرحية «الملك لير» (إخراج سحر عساف وراشيل فالنتاين سميث)، شاهدناه كاتباً ومخرجاً هذه المرّة لـ «حرب طروادة». كذلك وقّع كتابه «المسرح في التاريخ» باللغة الفرنسية في باريس، ضمن توثيقه للمسرح العالمي واللبناني. واحتفاءً بتجربتها في المسرح اللبناني، كرمت «الجامعة الأنطونية» نضال الأشقر. الفنان التشكيلي والمسرحي اللبناني فؤاد نعيم أعاد إخراج «الملك يموت» ليوجين يونسكو. عرضت «أيوبة» لعوض عوض، و«36 شارع عباس – حيفا» لرائدة طه، و«كلكن سوا» لكميل سلامة، و«نفس عميق» ليارا بو نصار وآنالينا فروليخ، و«نارسيس» لشادي الهبر، و«رجل الثلج المبني للمجهول» لعمر بقبوق، وأعاد فايق حميصي تقديم مقاطع إيمائية من تجربته الطويلة، مع عايدة صبرا وزكي محفوض. على صعيد الرقص المعاصر، احتفلت بيروت بالدورة الـ 13 لـ «بايبود» مع فرق عالمية كثيرة. اللافت أيضاً بعض الأعمال الراقصة التي عرضت خارج إطار «مهرجان بيروت للرقص المعاصر»، من بينها «عساه يحيا ويشم العبق» لعلي شحرور، و«أبطال» لخلود ياسين، و«استراحة على منحدر» لدانيا حمود، و«الميرم» لمريم حمود التي رحلت فجأةً هذه السنة. ومع رحيل جلال خوري، خسر المسرح اللبناني تجربة سياسية تأسيسية من تاريخه. كذلك رحل قبل أيام الشاعر اللبناني عصام العبدالله، وقبله المخرج جان شمعون، والنحاتة سلوى روضة شقير، فيما غادرنا الفنانان التشكيليان وجيه نحلة وزهراب كيشيشيان والمفكر والأكاديمي موسى وهبة. على صعيد الأدب والنشر، فاز عباس بيضون بجائزة «الشيخ زايد» عن روايته «خريف البراءة»، وأطلقت «جامعة عبد المالك السعدي» في المغرب «جائزة علوية صبح للنقد الروائي». أما الروائية السورية غادة السمان، فقد أثارت جدالاً واسعاً بسبب نشرها «رسائل أنسي الحاج إلى غادة السمان» بعدما كانت قد نشرت رسائل الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني إليها. الكاتب اللبناني حسن داوود أصدر «في أثر غيمة»، وحازم صاغية مجموعته القصصية «جيرمين وأخواتها»، وشوقي بزيع مجموعته الشعرية «الحياة كما لم تحدث»، ومحمد أبي سمرا روايته «نساء بلا أثر»، ونصري الصايغ «لبنان في مئة عام انتصار الطائفية»، وهدى بركات «بريد الليل» ومذكرات الشاعر شوقي أبي شقرا بعنوان «شوقي أبي شقرا يتذكر» وغيرها من الروايات العربية والفكرية والشعرية التي صدرت عن دور نشر لبنانية. كذلك كانت بيروت على موعد مع الكاتبة المصرية نوال السعداوي في لقاء في المركز الثقافي الروسي. علماً أن عروض الأفلام والندوات الثقافية والأمسيات الموسيقية استمرت طوال العام في حانات المدينة ومقاهيها وبعض الفضاءات الأخرى.