أنا جديرةٌ بالموت أعضائي كلها مؤهلةٌ له
بسهولةٍ يمكن تحويلي
إلى كومةٍ من تراب،
أنا حفيدةُ نيتشه
(مثله تماماً حملتُ جثتي،
كي أدفنها في أرض بعيدة،
احتفلت بالكراهية
ولم أدَّعِ المحبة)
ورغم أنني أعرف أن «في الإخلاص
يكمن الخطر»
فأنا صديقةٌ مخلصةٌ لنيكانور بارا
(كل مساء أخربش معه
جدران الموت
وأكلم الموتى)
جئتُ إلى الحياة كي أصنع موتي،
روحي لحم ودم وعظام
رأسي ثمرةٌ معطوبةٌ
يداي ورقتان يابستان
ساقاي جذع شجرة
لن يبذل الرب مجهوداً معي
ساعة الحساب،
لن تتعب الملائكة
في فصل الحسنات عن السيئات،
جثة بيضاء سأكون،
طوال حياتي لم أعرف
ما الخير ما الشر؟
لكنني عرفتُ الحزن
عرفتُه
تحت سقف بيتنا البعيد
(كنت أحدق فيه
إلى أن صار نقطة سوداء
في عين الشمس)
عرفته
في الأصوات المشروخة
في تلويحة امرأة
ارتدت الزمنَ ذات صباح
ثم هربتْ
لتركض وراء الأبدية...
يمكنني الحديث عن الحزن،
إلى أن يسقط في يدي زهرةً سوداءَ،
لن توقفني ضحكةُ طفلٍ،
لن أتعثر في كلمات المحبة
لن أتراجع أمام الصباح،
الصباحُ لا يفي بوعوده
يأتي ليبعثرنا،
ثم يتركنا غرباء في الليل....
■ ■ ■
لا تقيدوني بحبل «باسترناك» الغامض،
لا تحشوا فمي بالقطن الأسود
اتركوني كي آخذَ حقي من الحياة
آخذَ حق من أحبوني،
المشاوير الطويلة،
أكلت جانباً من الساق اليسرى لصديقتي،
المشاوير عادلة
تأخذ من ساقها اليمنى وتعطي اليسرى،
لكن صديقتي قبل الوصول،
تفقد القدرة على المشي،
هكذا وضعت المشاوير
مفهوماً للعدالة
لم يعرفه أحدٌ من قبل،
هكذا أضاعت العدالة طريق صديقتي،
إنها فقيرةٌ
تنسج من ظلها أثواباً تنتهكها العيون
المعبأة بالرصاص،
وفي الليل
تصنع من الألم غطاءً جديراً بمحوها....
أخي أيضاً فقيرٌ
ذهب إلى بلاد الله الواسعة
من أجل الوصول إلى السعادة
لكنه كلما خطا خطوة،
ضاقت به البلاد،
والتف العالم حول جسده
أخي وحيدٌ،
لم يعد يرى نفسه،
لديه حذاءٌ بلون الطريق،
وقميصٌ لا يخفي صدره الواسع،
كالضَّياع
دعاءُ أمي لا يصل إلى البلاد البعيدة،
وأخي مجهولٌ في الغربة،
لم تمنحه الشمس اسماً جديداً،
قائمةُ حزني ممتدةٌ...
لذا سيظل سؤالي قائماً:
في أي قبر سيحاسبني الرب على حزني؟
■ ■ ■
لم أجرب الدخول إلى بيت الحياة
لم أستند إلى جدار....
كنت دائماً خارج الإطار
أمشي مرتفعةً عن الأرض
أصوِّب نظرتي إلى البعيد
فيتلاشى العالمُ من خلفي،
ومن رأسي تسقط فكرة الرب،
لحظاتٌ غائمةٌ
شعورٌ دائمٌ بالفصام
رغبةٌ في تكثيف العالم
على لوحٍ زجاجي
زَرْعُ وردةٍ في الرأس
المشيُ إلى الخلف كي أعود بالزمن
تجفيفُ الذاكرة في النهار
جسدٌ متعادلٌ أنا
أجمع الليل والنهار في بؤرة العدم
فأصبح صفراً في خانة الميلاد،
من ذلك كله جاءت رغبتي في الهروب
كان علي أن أؤمن بشيء،
فقط من أجل الذهاب إلى النوم مطمئنةً
ذهبتُ إلى الحقل،
توطدتْ علاقتي بالشمس
أكلتُ النباتات الشيطانية
صاحبتُ طيور الفلاحين
غسلتُ وجهي بماء الترع،
ربما
من هنا أصبح لي جسد
لا يسع أحداً،
ووجهٌ طارد للزمن،
وصوتٌ
لا يتحمل عبء الكلمات،
فلا تصدقوني حين أردد
اسمي أمامكم،
لا تصدقوني حين أحدثكم
عن حزني،
فقط صدقوا أنني
جثة بيضاء
* شاعرة مصرية
نصوص أخرى على الموقع