مع روبرتو بولانيو وشعراء حانة هافانا في مكسيكو سيتي، كان ماريو سانتياغو باباسكيارو (1953 ــ 1998) من أبرز الذين أسسوا التيار الشعري «ما تحت الواقعية». بعد سنوات، سيخلّده صديقه الكاتب التشيلي كأحد بطلي روايته «رجال التحري المتوحشون» باسم عوليس ليما الذي يقضي وقته مع آرتورو بيلانو (بولانيو). ترافق الرواية الحياة السياسية واليومية في المكسيك بين السبعينيات والتسعينيات.

نقرأ عن السهرات الطويلة التي كان يقضيها بولانيو مع صديقه على الأرصفة والشوارع. أمسيات سكر وقصائد تحتفي بالمدمنين والمجانين واللصوص بعيداً عن قاعات الفنون الجميلة التي كانت تجمع النخب الثقافية المكسيكية، وأبرز شعراء ذلك الوقت أمثال أوكتافيو باث. قليلون هم الذين انتقلت أسماؤهم خارج البلاد من ذلك الجيل الشعري البوهيمي. بقي باباسكيارو مجهولاً تقريباً خارج لغته الأم. الشاعر المكسيكي الذي دهسته سيارة عام 1998، كان مستهتراً بنشر أشعاره، فلم تصدر إلا مجموعتان خلال حياته هما «قبلة أبدية» (1995)، و«عويل البجعة» (1996)، ولاحقاً جمعت له قصائد كان يكتبها على المناديل الورقية في البارات، وعلى الأكياس، وأغلفة المجلات الرخيصة. بعنوان «الشعر يخرج من فمي» انتقلت مجموعة من قصائد باباسكيارو إلى الإنكليزية أخيراً بترجمة آرثورو مانتيكون (دار ديالوغوس)، تعدّ مقدمّة للتعرف إلى الشاعر الذي مزج تأثيرات عالمية كثيرة مثل بيكيت وألن غينسبرغ، ورامبو، وأنطونان آرتو، وبوروز وآخرين للتعبير عن خيبة جيل مكسيكي بأكمله. يضم الكتاب قصائد من مجموعتيه، ومن حوالى 2000 قصيدة تركها بعد وفاته ونشرت تباعاً في «القناع المقدّس» (2008)، و«فن وقمامة» (2012)، وفيهما تظهر النبرة الشعرية المتدفّقة والعنيفة إلى حدّ الإزعاج. هذا ليس غريباً عن الشاعر الذي عاش خلال لحظة سياسية صاخبة في المكسيك في عز الرقابة على الفنون، التي عبر عنها في أولى قصائده الطويلة «نصيحة من أحد أتباع ماركس إلى هيدغري متعصّب».