يتحدّث «اللاجئون العرب في الولايات المتحدة - ضحايا الإعوار، والوضع الصحي المهمش» (America’s Arab Refugees: Vulnerability and Health on the Margins. Stanford University Press, 2018) عن مصير كثير من اللاجئين العرب في الغرب، وتحديداً في الولايات المتحدة الأميركية التي وصل إليها عدد محدود للغاية من اللاجئين السوريين، فيما استقبلت أعداداً كبيرة من اللاجئين من لبنان والعراق، وأعداداً أقل من اليمن. عدد اللاجئين السوريين في أميركا محدود، مع أن الرئيس أوباما وعد باستقبال عشرة آلاف لاجئ سوري في عام 2016، إلا أنه لم يسمح إلا لـ 2647 لاجئاً بدخول البلاد، أي 0٫0006 من مجموع اللاجئين البالغ عددهم نحو 4٫700٫000 فرد. ذكّرت الكاتبة والأكاديمية الأميركيّة مارسيا إنهورن القراء بأنّ دول الخليج الفارسي (التي أسهمت في كوارث العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصائب شعوبها وتأجيجها)، لم تستقبل أي لاجئ. لقد أسهم فوز صاحب الدعاية المعادية للعرب والمسلمين الرئيس دونالد ترامب، الذي فرض حظراً على دخول مسلمين من عدة دول عربية وإسلامية في تفاقم أوضاع اللاجئين، والمقيمين هناك من العرب والمسلمين، وأساء إليهم أضعافاً بعد معاناتهم المستديمة منذ أحداث الحادي عشر من أيلول وإعلان مجرم الحرب جورج بوش الابن ما سمّاه «الحرب على الإرهاب».
لم تحظ معاناة اللاجئين العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، وفي الغرب عموماً، بأي اهتمام من جانب حكومات الدول العربية والإسلامية. إذ لا نسمع عن أي تحرك من طرفها لتقديم المساعدات لهم، ولا نعثر على أثر لاهتمام إعلامي بمصيرهم، المرتبط ارتباطاً وثيقاً بمعاناتهم جراء حروب الغرب الاستعماري على بلادنا وفيها. إذ إن معاناة العراق الحالية ناتجة على نحو حاسم من العدوان الأميركي عليه، وكذلك اليمن وليبيا حيث انطلقت قوات العدوان من أراضي مشيخات الخليج الكاريكاتورية، إضافة إلى مصر. ضمن هذا الاهتمام الأكاديمي بأحوال اللاجئين العرب ومصائرهم في الولايات المتحدة، يأتي هذا المؤلف الجديد الصادر عن «جامعة ستانفورد» لأستاذة الأنثروبولوجيا والعلاقات الدولية في «جامعة ييل»، والرئيسة السابقة لجمعية الأنثروبولوجيا الطبية ضمن «المؤسسة الأميركية للأنثروبولوجيا».
من المدهش، أو ربما من غير المدهش، رؤية أن اهتمام الناشطين الأكاديميين في مجالات حقوق الإنسان وما يُسمى المجتمع المدني في الدول الغربية، يفوق أضعافاً مضاعفة اهتمام نظرائهم العرب وغير العرب من المسلمين، بمصير أبناء جلدتهم، وهذا أمر محزن فعلاً.
تصف الكاتبة نفسها بأنها أكاديمية ونسوية متأثرة بحركة «حياة السود مهمة»، وتهتم بالنشاط الميداني ضمن مجال الدفاع عن حقوق المظلومين. تلك الحركة التي أطلقها عام 2015 ناشطون سود البشرة على مواقع الميديا الاجتماعية، تطورت أخيراً لتشمل اهتماماً بمعاناة مجمل البشر من مختلف الألوان، وتسعى إلى تنمية الوعي بأهمية تحقيق مساواة اجتماعية في الولايات المتحدة.
يهدف المؤلَّف إلى الإضاءة على أوضاع السكان العرب في الولايات المتحدة، وتحديداً في ديترويت/ ميشيغن، حيث كثيراً ما يُحكَم عليهم بأنهم ميالون إلى العنف ولا يستحقون أي ثقة بهم. اختارت الكاتبة مدينة ديترويت مركزاً لأبحاثها، لأن غالبية سكانها من سود البشرة، وتضم أكبر تجمع عربي في الولايات المتحدة، حيث يعرف الجزء المأهول منها بالعرب باسم «ديترويت العربية» (جغرافية القنوط)، وأيضاً لأن انهيار البنية التحتية في المنطقة يشابه أوضاع بلاد اللاجئين التي فروا منها.
تنطلق الكاتبة في أفكارها من «نظرية التقاطع» (Intersectionality Theory) التي صاغتها أكاديميات نسويات من ذوات البشرة السوداء، وهي التي تفسر العلاقة بين أشكال مختلفة من الاضطهاد القائمة ليس فقط على الجندرة والجنس، بل أيضاً على الميول الجنسية والعمر والقدرات والدين والجذور القومية، وهو أمر مرافق للتمييز بحق اللاجئين العرب المسلمين.
تفضّل الكاتبة تسمية ديترويت العربية ـــ والمقصود هنا مقاطعة دِيرْبُورْن ــ «عاصمةَ أميركا المسلمة» بدلاً من «عاصمة أميركا العربية». تقول إنها ليست أفضل ملجأ آمن، لأن ديترويت الأم أفقر مدن الولايات المتحدة، حيث يعيش أكثر من ثلث سكانها دون خط الفقر المحدد اتحادياً، وثمة ثلث آخر يعيش في حالة «أصول محدودة، دخل مقيد، عمل»، بالإضافة إلى فئة عاملة من السكان، لكنها تستهلك دخلها الشهري بسبب كلفة المعيشة المرتفعة وكلفة رعاية الأطفال ومصاريف المواصلات وغير ذلك.
معظم عائلات اللاجئين العرب ينتمي إلى هذه الفئة. على سبيل المثال، 82% من اللاجئين العراقيين المسلمين (والقسم الأكبر منهم، كما اللاجئون المسلمون من لبنان، هم شيعة) يعيشون بدخل سنوي يقل عن ثلاثين ألف دولار سنوياً، و42% منهم يعيشون من دخل سنوي دون عشرة آلاف دولار سنوياً، ما يعني أنهم، 38% تحديداً، مثل ذوي البشرة السوداء في ديترويت، يعيشون تحت خط الفقر المحدد اتحادياً، و44% من البيوت تديرها نساء.
لاحظت الكاتبة في دراستها أن اللاجئين الرجال، الذين لا يعرفون عادة اللغة الإنكليزية، يحصلون على وظائف «أقل من عادية» أو يعملون في وظائف خدماتية، مثل عمال في محطات الوقود أو في غسل الأواني في المطاعم العربية، أو قاطعي تذاكر في الحافلات، أو يعملون في معامل. لذا، ليس مستغرباً أن يصف اللاجئون العرب حيواتهم في الولايات المتحدة بأنها صعبة وقاسية. كذلك، ركّزت الكاتبة على الجانب الصحي التناسلي وانعدام الخصوبة لدى لاجئين عرب مسلمين، من العراق ولبنان، لأن الأمومة والأبوة وتشكيل العائلة هو ما يتوقع اجتماعياً من الزوجين. وقد تبين من اللقاءات الكثيرة التي عقدتها الكاتبة مع اللاجئين العرب المسلمين في «ديترويت العربية» امتدت أعواماً ونُشر العديد منها، أن معظم الرجال يُرجعون سبب فقدان الخصوبة إلى الحرب. هكذا، تلفت الدراسة النظر إلى حقيقة أن منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط وجنوبه شهدت بحلول عام 2011 أعلى درجات اللجوء عالمياً.
إحصائيات دقيقة عن أوضاعهم ومقابلات معهم


وعلى المرء تذكر أن اللجوء يعني أيضاً إبعاد اللاجئين عن أوطانهم بالقوة من دون أمل بالعودة، وكذلك حرمان الرعاية الصحية. هنا، تشير الكاتبة إلى ما يسمى «الإعوار البنيوي»، والمقصود هنا وصف تجربة المعاناة البدنية والنفسية كما تتبدى في أقسام محددة من السكان. تضاف المعاناة الصحية إلى أشكال المعاناة الأخرى أمنياً وعرقياً ودينياً ووظيفياً...، حيث تؤثر الحروب في صحة السكان بست طرق هي: جسدياً، نفسياً، تناسلياً، وعلى صعيد البنية الاجتماعية، والبنية التحتية، والبيئة.
تتوجّه الدراسة على نحو أساس إلى القراء الأميركيين، لكنها مفيدة لمجمل القراء والعاملين في حقول الإعلام لأنها تتضمّن إحصائيات دقيقة عن أوضاع اللاجئين المسلمين من العرب في الولايات المتحدة، إذ كثيراً ما يقرأ المرء أنهم يعيشون في الجنان الموعودة. عبر سرد أحداث المنطقة، توضح الدراسة دور واشنطن في إشعال الحروب وإثارة العداوات الطائفية والدينية والمذهبية والقومية وتأجيجها، إضافة إلى نشر ملخص بعض لقاءاتها مع لاجئات ولاجئين عرب مسلمين (حتى لا يتحولوا في عرضنا إلى أرقام فحسب، نذكر منهم ومنهن فاطمة وصادق وحسين وحيدر وكريم وكمال وعلي ونادية وإبراهيم ومروة وغفار ورشيد وغازي)، يعيدون أسباب اللجوء إلى الدمار والخراب في بلادنا بسبب حروب واشنطن فيها وعليها. مع أن أميركا لا تعير اللاجئين الذين نكبوا بسببها أي اهتمام بعد وصولهم إلى أراضي الدولة.