إبرة الفلسطينية أيها الشعرُ
يا ربيبَ روحي
يا مقعدَ الطفولةِ في مدرسة السموع
يا وجهَ المعلم المتأنق
يا لطول الطريق الممتد من البيت
حتى مغزل الحاجة مليحة
اغزلي يا أمي غزلَكِ الكنعاني
اربطي لون البحر بلون التراب
حكمةَ الاغريقيات بإبرة الفلسطينية،
أضيفي لوجبة الطعام صحناً سابعاً
ما همَّ أن نفد الطعامُ وغزلُك يكتمل
ما هم أن لم أجد بقايا الغداء
واصلي نشيدَك الرعوي
فوق خطى ملايين الأجداد
من سومر إلى يبوس
واصلي يا بلادي أنينَك الملحمي
يا وجهَ الجَدةِ البعيد
لم أحتفظ بخيوط ثوبك المعفَّرِ بغبار الدهور
احتفظت بصوت بقايا أوراق التين والعنب
وأرواح الذين ماتوا
من أشجار الكروم.

لن ينتهي اسم فلسطين
لم ينتهِ الكلامُ لأجدِّل حبائلَ الصمت
وأمشط شعرَ اليقين
لم ينته الوقتُ لأكسر ساعة الزمن
أرمي بها في سلة الفراغ.
لم ينته العمر
لأضع رأسي عند مقبرة القنوط
وأربط جسدي بوتد الهزيمة.
لم تحترقْ روما
لأجلد نيرون بسوط الجنون.
■ ■ ■
لم ينته الكلام
لأغلق فمي بقماش الخيبة
أشطبَ اسم بلادي من أطلس الجزيرة
وأدفعَ الجزية للعابرين.
■ ■ ■سأربحُ الحربَ لأن الطين بيتي
والبحرَ جاري
والنجومَ شقيقاتي الغافلات
والسماء ستدرك فحوى رسائلها.
■ ■ ■
لم ينته الكلام
من دفتر الحياة
من ألوان الصغار
وأحلام الجدات
ولن ينتهي اسم فلسطين.
■ ■ ■
لم ينته الكلام
لأقصَّ جديلة أمي
وخطواتها فوق تراب البلد
وآثار أجدادي
آثار أيديهم على حيطان البلد.

لم ينته الكلام
لأقر للمحتل أن الحكايةَ وصلتْ لطريق مسدود
وأن المدينة ضاعت للأبد.

لن ينتهي الكلام
لأنشدَ الشعر في زوال الأبد
وفراغ يوم الأحد
من عطلته
وبداية تاريخ السبت
في هيكل أو معتقد.

لم يبتدئ الكلام
كلامي بعد
ليكتب المهزوم في النهاية أعذارَه.

سأكتب طالما ظلَّ في دفتر الشعر حرفٌ واحدٌ
وظلَّ في خزانة الله مدد
وأصيح في آذان الدهور والمجرات:
هذي البلاد بلادي
مذ خلق الله كونَه
وكان واحداً أحدْ.
26/7/2012

مراثي الغجر الراحلين عن الأندلس
أعرفُ أنَّ قلبي لن يمكث هنا طويلاً
بين جبالٍ
سرقتها المستوطنات
وقصيدةٍ حزينة
يُغنيها المطر.

أعرف أن ثمارَ النكبة
كانت شعراً
يصفقُ له النحلُ
والطيور
ترقصُ فرحاً
والعندليب
أخفى صوتَه احتفالاً
بألمعية شاعر.

ما دخلُ القصيدة بالضلوع
ما دخل الخسارة بقصة حب من طرفين
ما دخل البيارات
بمن تركوا غبار السنوات
وارتحلوا صوب الياسمين.

أعرف أن قلبي لن يظلَّ هنا
سيرحلُ مع مُغنٍّ جوال
يُطوّفُ الذكرياتِ
وينسى حقولَ القمح
يوغلُ في الحنين
وينسى صلاة الغائب
يكتب على الماء
مراثي الغجر الراحلين عن الأندلس.

ثقيلٌ أنت يا ليلُ
ثقيلٌ حين تجثم فوق ضلوعي
ثقيلٌ حين تطلب تقليبَ الأسى
تعاود الزيارة
كلما سمعتَ عن نيتي للفرح
تغتال أحلامي
كلما هرمت قسماتي
وشاخت سنوات الغربة
وتقطع وعداً للظلام
أن تلعن ذكرياتي.

يا حزنُ ...
آه يا حزنُ
أعرف أنك تكره صوت الغراب
وتحكم على الأشجار بالإنحناء
وعلى الموت بالابتسام
ولكنك لن تًروِّضَ غزالةَ الشؤمِ التي كمنت في كهف صدري.

صدري لن يمكثَ هنا طويلاً
ظلالي ستغيب
شمس عمري ذائبة في كوبِ شايٍ صباحي
فصل الربيع لن يهزم طاعتي للألم
وكلما رحلت سويعات الغروب
تلاشت رويداً
حماسة البستان للغيوم
وحنين النحل للزهور.

بريد الندى بطيء
بريد الذكريات بطيء
بريد الفجر
لا يأتي.

أعرف ما لا أعرف
وحصتي في شتاء العام
أقلُّ من حصة المروج والسهوب
أقلُّ من ندبةٍ على جبين الجبل
وأكثرُ من حكمةٍ رعويةٍ منحتْ قَطيعي للذئاب
وخرافي للعويل.

أعرف أن الذئاب تَرِقُّ لإناثها
والصيف يَرقُّ لواحته
واللبؤة ترق للأسد
والغابة ترق لخدرٍ سري يعبر خلاياها،
كلُّ قسوةٍ تلينُ
إلا ليلُ منفايَّ الطويل.

جروح العاشق تلتئم
جروح الغدر تلتئم
جروح الغيوم تلتئم
جروح أيامي ...ينابيع.

أما قلبي فلن يمكث هنا طويلاً...

فلسطينُ.. يا أمَّنا وأّبَانا
وَجدتُ اللهَ مَصلوباً على باب المدينة
والجنودُ المُدَجَّجونَ بالتَّناخ والذَّخيْرّةِ
يُفتِّشُونَ المَسيحَ المُتَنَكِّرَ في زِيِّ فلاحٍ خليْليّ
يَدفَعون مريم العذراء نحو الحَرَم
والمدينةُ تَشْهقُ أنْفاسَها الأَخيْرَةَ
مدينةً مدينةً
تَكتَمِلُ القِيامَةُ
تَبْكي الخَليلَ دَمْعَةً من أَلم
وغصَّةً غَصَّةً من نَدم
وبيت لحم تخفي حزنها في مَنْديلِ راهِبَةٍ بَتُول

يا بلادي
يا مَوْطِأَ المَسيحِ ومَهدَ الأَمَل
يا حجرَ جالوتَ وسيفَ الوَليد
ستكتُبين مجد الناصرة
وترسمين ضحكة الصغار
تَنْهضين من يباس الفصول
تُورِقينَ خَضراءَ في أرض كنعان السَّحيقَةِ
وتكتُبين بالدَّمِ والدُّموع
فلسطينُ يا أمَّنا وأّبَانا
يا عَظمَ الروحِ ويا سِرَّ الضُلوعِ
يا نهارنا القادم من «بابِ الشمس»
ومن ضَحكاتِ الحقول
ستنتصرين
تَنْتَصرين
وتَطْرُدينَ الشرَّ عن وجه القرى
وتُطلِقينَ زُغروْدَةَ النَّصْر المديدة.
9/8/2016
يا بلادي
إلى عبدالسلام عَطاري وعبدالناصر صالح

أيَّتُها البِلادُ هُناك
أيتها البلاد هنا
أيَّتُها الكَلِماتُ الَّتي نَسيْتُها على جُدْرانِ المَدْرَسَة
والخربشاتُ التي لوَّنتُ بها وَجْهَ الغَيمَة
والصَرَخاتُ التي لا زالتْ تُردِّدُ اسمَ ..
ف ..ل.. س ..ط ...ي ..ن
...
في خَزائنِ الصَّدى السَّماويِّ
يا بِلادي
يا بلادي
مُدِّي لي يَدَيْكِ
وهاتِ ذكرياتي جَبَلاً جبلا
وسُهولَكَ خصباً ومحلا
يَئِسْتُ من الإنتظارِ
أتْعَبَني الحزنُ والحَنينُ
والرَكضُ على شوارعِ النِسْيان
وأوْجَعني البُعدُ عنكَ
أوحعني البعد عنكَ
أوجعني
أكثْرَ من دَمِ الشَّهيدِ
وأكثَرَ من رَصاصَةٍ غَادِرَةٍ.
9/8/2016
* شاعر فلسطيني