أمضى جان ميشال باسكيا (1960 ــ 1988) حياة قصيرة. قد لا تكون هذه الجملة الأمثل لاستهلال الحديث عن الفنان الأميركي الذي عاصر حياة نيويورك الفنية وذروتها في السبعينيات والثمانينيات وكان نجمها وطفلها الضائع. عاشها باسكيا كثيراً، وكانت رسوماته ذلك الصوت الذي ظلّ مراهقاً حتى قتله الهيرويين عام 1988. قبل أيّام، صدر فيلم جديد يستعيد بدايات هذه الظاهرة الفنية بعنوان Boom For Real للمخرجة الأميركية سارة درايفر.

البداية من جدران نيويورك التي منحته مساحة ليجرّب ويرسم وكانت خياراً أساسياً سيبقى معه، حيث تخلّى، لاحقاً، عن عرض رسوماته النزقة والغزيرة والملوّنة في الغاليريهات لفترة مستبدلاً إيّاها بدفاتر بسعر دولار واحد. يتتبع الشريط الفترة التي ترك فيها باسكيا المنزل في السابعة عشرة من عمره، وقبلها بعامين كانت الشرطة قد أفشلت محاولة هربه وأعادته إلى منزل العائلة. إن لم يكن باسكيا ينام في تلك الفترة على مقاعد شوارع نيويورك، فإنه كان يبحث عن أريكة في غرفة أحد أصدقائه كي يقضي ليلته. كان أحياناً ذلك الزائر المزعج الذي يسبقه صوت الموسيقى إلى شقق رفاقه لدى عودته عند الفجر. تعتمد المخرجة الأميركية في شريطها على المقابلات والمواد الأرشيفيّة، وعلى تركة حبيبته أليكسيس أدلر. بعد أفلام كثيرة أنجزت عن حياته مثل وثائقي «جان ميشال باسكيا: الطفل المتألق» (2010) لتامرا دايفيس، وقبله الفيلم البيوغرافي الدرامي «باسكيا» (1996) لجوليان شنابل، تنصرف درايفر للتركيز على سنوات مراهقته الدائمة وعلى فنه الذي أثار فيه أكثر قضايا جيله كابوسية مثل العنصرية والطبقية بخطوط متفلّتة وملوّنة. إلى جانب تتبع سنواته الأولى في عالم الفن، فإن الشريط يوثّق لحياة نيويورك وأحياء مانهاتن السفلى التي كان الهيرويين يوزّع في حاناتها وملاهيها الليلية. كما يستعيد تلك الفترة التي كانت فيها المدينة عاصمة للفنون، من خلال أصدقاء باسكيا الذين أحاط نفسه بهم مثل آندي وارهول والسينمائي جيم جارموش والكاتب لوك سانت الذين جمعتهم نيويورك.