لطالما عُرفت الكتب بأنها مقصد للباحثين عن المعرفة والحكمة، أو للراكضين خلف التسلية والمتعة. لكن هل تتخيل نفسك صديقي القارئ تشد أحزمتك إلى طبيب معالج بالكتب والروايات حين تصاب بالانفلونزا، أو بوجع الأسنان الرهيب، أو حين تخمد نار الحب والرغبة بين الحبيبَين؟ بعدما انتصر الطب الحديث على الأشكال الأخرى من العلاجات القديمة، هل يمكن لرواية لآغاتا كريستي «تدليك» الخلايا الخاملة بسبب الزكام وإعادتها إلى حالتها الأولى من الانسجام والتكامل بما يشكّل تحدياً للباحثين في مختبرات الأدوية واللقاحات؟ ألا تشكل الحياة المديدة للكولونيل أورليانو بوينديا في رواية «مائة عام من العزلة» ومحاولاته اللانهائية بعد تقاعده من الغزوات في صهر الذهب إلى أسماك صغيرة، دعوةً إلى نسيان الموت والانهماك في تجربة الحياة من أصغر تفاصيلها إلى أكبرها، والتخلّص بالتالي من «رهاب الموت» الذي يجعل عيادات الأطباء النفسيين تطوف بالمرضى اليوم؟ أمراض عديدة سنستعرضها في هذه العيادة التي نستلهمها من كتاب رائع بعنوان «علاجات أدبية» للكاتبتين سوزان آلدركين وإيلا برتهوود عن «منشورات جان كلود لاتيس» (باريس ـ ٢٠١٥). يتناول هذا الكتاب أكثر من مئة نوع من الأمراض الجسدية والنفسية والعاطفية والاجتماعية. سنطعّم العرض بروايات عربية قاربت «الأمراض» الوجودية والكونية التي يتم علاجها في هذا المشفى الأدبي حيث «خير طبيب في الأنام كتاب».
بلاد الميلانخوليا
لا بد في حالة «الكآبة الإكلينيكية» من كتاب يسمّي الأشياء بأسمائها، بشخصيات أكثر كآبة منكم، أو أبطال يحملون تجاه الكون نظرة تشاؤمية مطلقة. فقد يتوفر لكتاب مماثل حظ أعظم للأخذ بيدكم لتكونوا أكثر أماناً مع أنفسكم: رواية ترافقكم في سفركم في بلاد الميلانخوليا، وتسمح لكم بالتعرف إلى الألم الذي تعانون منه، ولكن خاصة لتقول لكم بأنكم لستم حالة شاذة عن الآخرين، أو لستم وحدكم على الأقل. العواصف النفسية والكوابيس التي تصيب تيريزا في «كائن لا تحتمل خفته» (ميلان كونديرا) يمكن أن تكون الوصفة المثالية. ما يبعث بتيريزا على القلق هو فعل الخيانة المتكرر الذي يتمرس فيه عشيقها توماس. هو الذي منذ طلاقه، قرّر أن يحيا حياة الأعزب الحر. لكن منذ البداية، تتبدى لنا تيريزا بمظهر المرأة المثقلة بالحزن... حزنها من خفة توماس وعشيقته الثانية سابينا؛ لأن كونديرا يقسم الناس إلى معسكرين: الأول الذي يعي بأن لا معنى للحياة وبالتالي لا يقوم أفراد هذا المعسكر إلا بالعوم فوق سطحها، بالعيش داخل ومن أجل اللحظة الراهنة. والثاني الذي لا يمكنه أن يتحمل فكرة غياب معنى للحياة، فيقوم أفراده بإضفاء قيمة على كل شيء. حين تلتقي تيريزا بتوماس، تعرف في قرارة نفسها أنه ليس لديها خيار سوى أن تعشقه إلى الأبد.

«مرآة 1» ـ زانغ اكزاوانغ (كولاج: زيت على ورق وحبل قطني ـ 108 × 90 سنتم ـ 2018)

وحين تظهر ثانية في براغ لتلتقيه، ستكون في حقيبة أغراضها نسخة من «آنا كارنينا»، الرواية التي لم يوجد أحسن منها قَط لتسليط الضوء على العذاب الذي سيغمر الأشياء برمتها حين لا يعود للحياة معنى. رغم الحب الذي يظهره لها، يعرف توماس مباشرة أن تيريزا ستكون حجر عثرة في حياته. حين تصلون في حالتكم إلى حافة الجنون من أهوال الحب والفقر والغربة عن الوطن وغيره ويتولد لديكم الانطباع بأن لا يد تمتدّ لكم للعون، افتحوا تلك الرواية على الصفحات التي تصل فيها تيريزا لمثل حالتكم بفعل صدّ توماس ورافِقوها في رحلتها في بلاد الغم. هي أيضاً تريد الحياة، وستجد السبيل إليها في النهاية:
- روايات ينصح بها عند الكآبة العميقة واليأس:
* «كائن لا تحتمل خفته» ميلان كونديرا (ترجمة المركز الثقافي العربي)
* «إلى الفنار» ـ فيرجينيا وولف (ترجمة الهيئة العامة لقصور الثقافة/القاهرة)
* «الناقوس الزجاجي» ـ سيلفيا بلاث (ترجمة منشورات كلمة)
* «الخبز الحافي» ـ محمد شكري (دار الساقي)
* «رجال في الشمس» ـ غسان كنفاني (سلسلة أعمال غسان كنفاني)
* «يا مريم» ـ سنان أنطون (دار الجمل)
* «فرانكشتين في بغداد» ـ أحمد سعداوي (دار الجمل)

الكراهية... نبتة سامة
الكراهية نبتة سامة. اتركوا لها مكاناً صغيراً في فضائكم وستأكلكم شيئاً فشيئاً من الداخل، ملوّثةً كل ما تضع يدها عليه في الطريق. أن تكرهوا فئة بعينها، مثل سائقي التاكسي، أو مذيعات التلفزيون، أو مدمني وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر سيان. لكن ماذا لو كانت الأسباب الدافعة للكراهية مقنِعة، مثل مقت من تسببوا لكم بالألم؟ إن حفظ هذا الانفعال العميق في أعماقكم قد يتحول يوماً ما إلى كراهية لأنفسكم ذاتها. في «نهر الحياة الفاصل»، يُظهر نغوغي وا ثيونغو بوضوح كيف يمكن للكراهية أن تثبت أقدامها بين معسكرين بمعتقدات دينية وسياسية وفلسفية متنافرة. على ضفتين مقابلتين من نهر هونيا الكيني (الذي يعني الشفاء)، تقع قريتا كامينو وماكويو، حيث سيعيش شعب كينيا المسمى Giyuku بسلام في كل قبائله حتى قدوم الرجل الأبيض، بـ «ملابس الفراشة» التي يرتديها، وتصرفاته الشاذة ومعتقداته الدينية «الغريبة» في نظر السكان الأصليّين. يقرر جوشوا العجوز من كامينو اعتناق الديانة المسيحية، ويتمكن من إقناع جلّ أهل قريته بترك التقاليد الوثنية القديمة. لكن ابنته ميتهوني تقرر أن تدشن طقس البلوغ بتقليد قديم يقوم على الختان في احتفال صاخب، لا يلبث أن يتحول إلى مأساة بموت الفتاة وتحولها إلى رمز لكل ما هو ملعون في تقاليد الغيوكو. تتفاقم الأمور حين يعشق وايوكو، أجمل رجال القرية المقابلة نويامبورو، أخت الفتاة الميتة ليتمكن عندها أهل القريتين من صب جام حقدهم وغضبهم على الحب المحرّم. ينتهي الحال كما في كل كراهية مشابهة إلى الدمار والفوضى. لا تتركوا نفسكم تنقاد للكراهية على هذا الشكل ودونما تأمل. اتركوا أنفسكم تنساق مع الإيقاع النثري المطعم بالشعر لثيونغو بالأهمية التي يعطيها للأرض وبفكرته المركزية عن الحب. لا تتركوا ذواتكم للتعصب، وافتحوا في قلوبكم أبواباً للتفاهم ولفهم أن الآخرين قد يختارون طريقة للعيش تختلف عن طريقتكم: عندها يمكنكم أن تحولوا الكراهية إلى محبة.


- روايات يُنصح بها عند الكراهية والرهاب وأزمة الهوية والأحكام المسبقة على الآخرين:
* «العسكري الأسود» ــ يوسف ادريس (دار الشروق)
* « ١٩٨٤» ـ جورج أورويل (ترجمة المركز الثقافي العربي)
* نهر الحياة الفاصل ـ نغوغي وا ثيونغو (ترجمة دار المدى)
* «مديح الكراهية» ـ خالد خليفة (دار الآداب)
• «البومة العمياء» ـ صادق هدايت (ترجمة دار الجمل)
• «موسم الهجرة إلى الشمال» ـ الطيب صالح (دار العودة)
• «التحول» ـ كافكا (ترجمة دار الجمل)

لا أحب أنفي
يتبدّى الأنف ككائن غريب، لو أخذنا وقتاً في مراقبته. بعض أنوف البشر دقيقة، والأخرى حادة، بعضها يبدو منحوتاً بإزميل، والآخر أشبه بمنصة التزلج أو الباذنجانة في منتصف الوجه. ما يقوله الآخرون عن أنفي يبدو متشابهاً أحياناً مع الفكرة التي أحملها حول ذاتي: من أجل أن تتصالحوا مع أنوفكم، أحبوا أنفسكم أولاً. بعدها اغطسوا في رواية «العطر» لباتريك زوسكيند. من الصفحة الأولى، سترحلون إلى باريس القرن الثامن عشر، في الشوارع التي تبعث على النتانة والروائح الفظيعة، مزيج من الدخان إلى البراز والقرنبيط المهترئ والأنسجة المتسخة والسوائل المتقيحة. في ركن من هذه المدينة القذرة، سيبصر جان-باتيست غرونوي النور في أقسى أيام القيظ، من رحم امرأة ستلده وهي تنزع حراشيف سمكة متعفنة. القابلة التي ستحمله بين يديها، تشتكي من أن الوليد لا يمتلك رائحة، يتبع ذلك وصف للرائحة الزكية التي تنبعث من حديثي الولادة، أقدامهم التي تشبه الجبن الرطب أو الزبدة الطازجة، أجسادهم التي تشبه الـ crêpes المغمسة بالحليب، وذلك المكان الصغير الخلفي أسفل الرأس، حيث لا ينبت الشعر والذي يشبه الكاراميل. بعد صفحات، نجد أنفسنا مسحورين برهافة أسلوب زوسكيند الذي يعالج به العطور، كما يتمثلها ذهننا على امتداد كل الباقة الشمّية.
لا يريد المهووسون الكبار أن نداويهم. ما يأسفون عليه فعلاً عند الشفاء هو تلك اللحظات المكثفة والعظيمة التي قد أهداهم إياها المرض

غرونوي الذي لا يمتلك رائحة خاصة، يتميز بحاسة الشم الأقوى في باريس كلها والقدرة على اختراع أنواع جديدة من العطور تسحر العذراوات. لا تستعملوا أنوفكم للغاية النهائية التي أرادها غرونوي والتي ستكتشفونها بأنفسكم عند قراءة العمل العظيم لزوسكند، لكن مثل بطلِه، دسوا أنوفكم فوق حبوب القهوة المطحونة، وفوق كأس من النبيذ الجيد، أو عطر من الياسمين أو الصنوبر على ياقات القمصان أو أكمام الفساتين. انظروا الآن في المرآة، ستبدأ علاقة الحب مع الأنف.
- روايات ينصح بها عند الرهاب من شكل الأنف والبطن وقصر القامة وعدم التصالح مع الجسد:
* «العطر» ـ باتريك زوسكيند. (ترجمة دار الجمل)
• «طبل الصفيح» ـ غونتر غراس (ترجمة دار الجمل)
• «اسمه الغرام» ـ علوية صبح (دار الآداب)
• «بيريرا يدعي» ـ أنطونيو تابوكي (ترجمة دار ورد)

الإنفلونزا
المصادفة الطريفة: في اللحظة التي يقوم بها مريض الإنفلونزا بقراءة رواية لأغاتا كريستي، مثل «مقتل روجيه اكرويد»، فإنه سريعاً ما يتماثل للشفاء. علينا أن نتساءل ما الذي يحصل على الصعيد الطبي. هل الأمر يشبه قصة السمكة التي لا ترفض الطُعم، وكذلك حشريتنا الطبيعية لملاحقة حبكة كريستي العبقرية تتغلب على استسلامنا للفيروس المزعج؟ الرجفة، الحرارة، سيلان الأنف، آلام الحلق، لا شيء من هذا سيصمد أمام رغبتكم الجامحة لاكتشاف المجرم قبل بطلها «بوارو». النسبة العالية من التركيز اللازم لمتابعة ومحاولة حل قضية ملغزة للسيدة كريستي قد يكون الوصفة اللازمة لإعادة تجميع خلاياكم التي أصابها الوهن بفعل الإنفلونزا من دون إجهاد هذه الخلايا. الأمر أشبه بنوع من التدليك الخفيف لهذه الخلايا وهو أبعد ما يكون عن إجهادها في سباق للمسافات الطويلة. حين يبدأ العمل الدقيق لبوارو بهذه الجملة التي تصفه فيها كريستي بـ «حبة الفاصولياء المغرورة والبغيضة والمنفرة والأنانية»، تشبثوا بالوصفة جيداً وتابعوها حتى آخرها. كلمة أخيرة: إن شعرتم بالتحسّن، فهذا يعني أن الأمر يتعلق بزكام بسيط لا بالإنفلونزا. يقول الإنكليز أنفسهم إن علاج الزكام يحتاج إلى سبعة أيام، وإن لم تعالجه فهو يحتاج لأسبوع!
- روايات يُنصح بها عند الزكام والمرض:
• «المريض الإنكليزي» ـ مايكل أونداجتي (ترجمة دار المدى)
• «الطاعون» ـ ألبير كامو (ترجمة دار الآداب)
• «مريض الوهم» ـ موليير (ترجمة دار الحرف العربي)

رهاب يوم الاثنين
إن استقيظتم الاثنين صباحاً بثقل العالم فوق بطنكم، ارفعوا معنوياتكم بالصفحة الأولى (فالثانية والثالثة وبعدها لن تقدروا على التوقف) من العمل العظيم لفيرجينيا وولف «السيدة دالاواي». اخترعت وولف في هذه الرواية طريقة جديدة في الكتابة، تقوم على التقاط الأفكار في أمواجها المتعاقبة، وكذلك الحيوية التي تجتاح جسد امرأة تعيش كل لحظة من حزيران (يونيو) ذاك، في لندن التي تحبها بعد فترة وجيزة من الحرب. اليوم المخصوص في الرواية ليس الاثنين بل الأربعاء، والسيدة دالاواي تحضر لاحتفال في الليلة ذاتها: تقرر أن تذهب بنفسها لشراء الأزهار. عند تناولكم الفطور، تذوقوا اكسير هذه الأفكار التي تجول في خاطر السيدة كلاريسا دالاواي. ألا تسمعون بدوركم قرقعة الأبواب التي تنفتح، وذلك الهواء المنعش الذي يدخل؟ رافقوا السيدة دالاواي حين تقطع الرصيف، وارصدوا ذلك الصمت الدقيق واستراحة الكون لبرهة قبل أن تدق ساعة بيغ بن من جديد. انتبهوا لوجود الموت، كما تفعل هي حين تراقب المارة، واستفيدوا من نهار الاثنين قبل أن تتحولوا مثل أولئك المارة إلى غبار وعظام رميم. هيا اخرجوا لشراء الورود.
- روايات توصف لمداواة الملل، والخمول وفقدان الحافز:
* «السماء الواقية» ـ بول بولز (ترجمة دار ورد)
• «السيدة دالاواي» ـ فيرجينيا وولف (ترجمة دار المدى)
• «نرسيس وغولدموند» ـ هرمان هيسه (ترجمة دار مسكيلياني)
• «زوربا» ـ نيكوس كازنتزاكيس (ترجمة دار الآداب)

فقدان الليبيدو
حين تشعرون بنقص ما في الطاقة الايروسية، اذهبوا مباشرة إلى «امتداح الخالة» هذه الرواية الصغيرة والحسية للكاتب البيروفي ماريو بارغاس بوسا. كل مساء، بعد ما يشبه طقوس التطهر، يأخد دون ريغوبرتو المهووس باللوحات الفنية زوجته الجديدة دونا لوكريزيا في أحضانه ويهمس لها: «ألن تقولي لي من أنا؟»، لتجيب الزوجة التي قد اعتادت على اللعبة: «من؟ من أنت يا حبيبي؟». ما يروق للزوجين في حواراتهما الحسية هو استعارة الشخصيات من اللوحات لإقحامها في اللعبة الإيروسية. تارة يتقمص دور ملك ليدي (Lydie) في لوحة المعلم الهولندي جاكوب جورداينس من القرن السابع عشر، ليستعرض بفخر أفخاذ زوجته البضة والمكتنزة. في الليلة اللاحقة، سترونه يستلهم ديانا العارية الخارجة من المغتسَل في لوحة فرانسوا بوشيه، متخيلاً لوكريزيا إلهة للصيد بجسد مكسو بالعسل. مأخوذة بما يرويه الدون عن فينوس التي يدغدغها كوبيدون الصغير بأجنحته حين يطوف بجسدها، تتخطى الرغبة ما هو مألوف في خيال المرأة الشابة، إلى حدّ يجب عليكم اكتشاف ضراوته بأنفسكم عند قراءة الرواية. ليس هناك من ضير في السفر نحو الفن والأدب لضخ الروح في سرير زوجيّ متعب بحسب إرشادات الدون وحرَمِه. جربوا هذه الوصفة لتضعوا قليلاً من البخار الدافئ فوق زجاج غرفة نومكم.
- روايات توصف لمداواة فقدان الليبيدو والبرودة في العلاقة الجنسية:
• «التشهي» ـ عالية ممدوح (دار الآداب)
• «امتداح الخالة» ـ ماريو بارغاس يوسا (ترجمة دار المدى)
• «عشيق السيدة تشاترلي» ـ د.ه.لورنس (ترجمة دار الكرمة)

البحث عن المعنى (والسعادة)
يعمل مونتاغ كإطفائي، وتقوم وظيفته على إحراق الكتب الممنوعة ـ ولمَ لا؟ ـ وقرّائها كذلك. في أحد الأيام، يلتقي بمراهقة تمضي وقتها في مراقبة النجوم، والتنزّه في الهواء الطلق وقراءة الحب في بتلات الأزهار. ينتبه مونتاغ إلى أنه لا يمكن الوصول إلى السعادة في حالته الانفعالية المحايدة، ليستيقظ شيئاً فشيئاً، متسائلاً عمَّ تتحدث الكتب التي يقوم بحرقها. في ليلة، يقرأ Dover Beach، قصيدة لماثيو ارنولد أمام زوجته ورهط من أصحابها، لتكون النتيجة مهولة: يغرق الجميع في البكاء والتأوه. ينتبه مونتاغ بعد فترة إلى ضرورة أن يحرق الكتب خاصته، وبيته أيضاً، لكنه يتمسك بفكرة أنّ مستقبلاً ما دون حكمة الكتب سيكون فوق القدرة على التحمل. «فهرنهايت 451» كتاب يعلمنا أن الحياة هي مجموعة من التجارب. عيشوها بعمق، من دون أن يرهقكم التفكير في طلب السعادة، لكن بحصاد المعرفة، والأدب، والحب، والأحاسيس من كل جانب، لأن «المشي يصنع الطريق» كما يقول الشاعر الإسباني أنطونيو ماتشادو. فكروا في أن تحفظوا كتاباً واحداً على الأقل كما هي الحال في رواية راي برادبوري، لأنه قد تأتي لحظة ما تستوجب أن تنقلوا رسالة الكتاب لحفيد أو حبيب، أو للإنسانية كلّها.
روايات توصف للبحث عن السعادة والمعنى:
• «سدهارتا» ـ هرمان هسه (دار المدى)
• «منطق الطير» ـ فريد الدين العطار النيسابوري (دار الأندلس)
• «فهرنهايت» ـ راي برادبوري (ترجمة دار الساقي)
• «قواعد العشق الأربعون» ـ إليف شافاق (ترجمة دار الآداب)

الأرق اليقِظ للأحلام
بداهة، الكتاب- المرجع الذي يوصى به في حالة مثل هذه هو «كتاب اللاطمأنينة» لفرناندو بيسوا. الكتاب هو يوميات برناردو سواريس، الحالم الذي تنقسم ذاته بين ما يكابده يومياً من رتابة العيش كموظف في شركة للمحاسبة، والأسفار المجنونة التي تجتاز رأسه. بسبب قلة ثقته بنفسه، وأحلامه الجامحة واضطرابات قلبه العاطفية المستمرة، لا يمكن إلا التعاطف مع سواريس واتخاذه صديقاً مثالياً. يجلس سواريس معكم لساعات مثلاً ليجرب أن يعرف إن كانت الحياة هي «الأرق اليقِظ للأحلام»، وعما إذا كان النوم هو الحياة الحقيقية. في الحقيقة، هو بالكاد يفرق ما بين حالات اليقظة والنوم لأن أحلامه تكاد تتساوى فيهما، ولأنه يعتبر النوم لحظة أخرى من الحياة الفاعلة. حين تقرأون بيسوا، سيكون إيقاع جمله المطعمة بالشعر مثل النزهة في الغابة كافياً لجعل رؤوسكم تسقط فوق الصفحة. لن يحقد سواريس عليكم البتة، يمكنكم استكمال المحادثة معه في اليوم التالي، حيث ستنتظركم باقة جديدة من التساؤلات الوجودية.
روايات وكتب ينصح بها عند الأرق:
• «كتاب اللاطمأنينة» ـ فرناندو بيسوا (ترجمة المركز الثقافي العربي)
• «ألف ليلة وليلة» (دار صادر)

وجع الأسنان
أن نعاني من وجع في الأسنان، وجع لا يطاق إلى درجة أن يسكن في منطقة ما في الدماغ، سيقربنا مباشرة من فرونسكي في «آنا كارنينا» رائعة تولستوي. لا يتمكن البطل من الكلام طالما أن الوجع يقبض على أضراسه، إلى أن يكون خلاصه بالانتقال من الوجع الجسماني إلى عذاب داخلي أكثر قسوة. ذكرى ستُدخل كيانه الداخلي كله في القلق، مما سيسمح له بنسيان وجع أسنانه. هو الآن في القطار ويتذكرها، أو بالأحرى مما تبقى منها حين وجدها في خزانة المحطة، بين الغرباء، برأسها المدمى المتراجع إلى الخلف تحث ثقل شعرها الكثيف، وبشفتيها الباردتين اللتين كانتا ترددان قبل الموت بقليل جملة كانت تتلفظ بها عند كل شجار مع فرونسكي. إن لم تنفعكم صورة آنا المكسورة في نسيان أوجاع أضراسكم، اسحبوا كتاباً ثانياً من المكتبة بعد أن تأخذوا موعداً من طبيب الأسنان.
كتب ينصح بها عند الآلام والأوجاع:
• «نهاية رجل شجاع» ـ حنا مينه (دار الآداب)
• «آنا كارينينا» ـ ليون تولستوي (ترجمة دار الرافدين)
• «مغامرات أوجي مارتش» ـ سول بيلو (ترجمة دار التنوير)
• «ماكياج خفيف لهذه الليلة» ـ حسن داوود (دار رياض الريس)

الهوس المرضي
في الحقيقة، لا يريد المهووسون الكبار أن نداويهم. ما يأسفون عليه فعلاً عند الشفاء من دائهم هو تلك اللحظات المكثفة والعظيمة التي قد أهداهم إياها المرض. بالنسبة لغوستاف آيشنباخ، بطل «الموت في البندقية» لتوماس مان، فإن الساعات الثلاث أو الأربع التي يقضيها في مراقبة تادزيو اليافع يلعب على الشاطئ ثم تعقّبه وأختَه في شوارع البندقية التي تجتاحها الكوليرا هي أثمن ما في وجوده. حين يغادر تادزيو صاحب العينين الخضراوين والبسمة البهية المشهد، لا شيء يستحق أن يبقى مستيقظاً من أجله في نظر آيشنباخ. يعرف أنه عليه أن ينذر والدة الصبي بوجود الكوليرا وأن يضع يده للمرة الأخيرة فوق رأسه ليقول له وداعاً. بالسكوت، سيعرض تادزيو للكوليرا ويعرض نفسه كذلك. لكنه يعرف أنه حين يتكلم سيكسر السحر، وسيعود إلى نفسه: آيشنباخ العجوز الممل والرتيب. ما يفسر الهوس جزئياً هو أن تادزيو بولوني، وأن ما يخرج من فمه من كلمات بالبولونية يتبدى لآيشنباخ كموسيقى سحرية. حين يخرج تادزيو من الماء مثل الحورية، فإنه يمثل لآيشنباخ العشق المطلق، إنه أشبه بإله شاب ورقيق.
إن أردتم الشفاء من الهوس، تحدثوا لطبيبكم عن«تادزيو» صغير في دواخلكم.
- روايات ينصح بها عند الهوس المرضي:
• «دون كيخوته» ـ ثربانتس (ترجمة دار المدى)
• «لوليتا» ـ فلاديمير نابوكوف (ترجمة دار الجمل)
• «الموت في البندقية » ـ توماس مان (ترجمة المؤسسة العربية للدراسات والنشر)

* المرجع:
«علاجات أدبية» ـ سوزان آلدركين وإيلا برتهوود ـ «منشورات جان كلود لاتيس» (باريس ـ ٢٠١٥).