ن. صديقي، لا تصدقني!ستنتهي رسالتي هذه، وسأنسى أنني كتبتها، فلا وقت أرفعه للتذكُّر.. وأنت لن تعيد قراءتها.. أو ربما لن تكملها لجُبنك (هذا إن قرأتها).
لكنني أكتبها لك لأن هذه آخر دقائق لدي.. لأمطرك كعادتي برسائل «صداقوية» كطفلة ترشّ رجلاً بالماء تدعوه للعب، لظنّها أنه طفل مثلها..
فعدّاد مفكرتي بدأ بطحن الوقت وإذابتي..
صديقي،
قلبي الصغير اللعوب المشاكس ذاته الذي يرشّك بالماء دعوةً... ومطر الرسائل.. يغبطك على زيارتك بلاد الهند.. أكاد أطير لسرعة أحلامي التي تحررني وتحلّق بي عكس الجاذبيات كلّها.. نبالاً منطلقة للبعيد البعيد.. أبعد حتى من بُعد حظي عن الحب! وككل مرّة، أذهب ولا أعود أبداً! فلا أنا ولا قلبي ولا ألعابي ولا أحلامي نشبه طائرات الورق بشيء! لا خيوط تعيدنا إلى المنشأ. وهنا والآن بالذات، وأصابعي الصغيرة تلمس الكيبورد عجولة لعزف اسم الهند، وحرف اسمك معها..
خيالي البصري اللعين يرهقني، فضاءاته متفجّرة متّسعة تتمدد كحبر في ماء، شبقٌ، متفلّتٌ من كل قيد! فلا أرى إلا الألوان! وأسكَر! والألوان أيضاً تنتهي بالنون! ثم أراك مبتسماً، وأتمنى أن تكون في حالة بهجة. متعة! جنى! احتفال! أن تكون رفقتك بهية! أن تكتشف جديداً حيث أنت.
أغبط كل من يغيّر إيقاع نبضك الآن، خاصة تلك المخيفة الرهيبة المحظوظة التي أغار منها، ويغار منها الكون! تلك التي يُسمح لِيَدها أن تلف أسفل ظهرك. تشدّك! وتَقتَنيك! لدقائق. تُحرقك..! ثم تَهَبكَ للباقيات .. المنتظرات، رماد شاعر.. ثم تحييك كل صباح! أقصد بها شمس الهند.. طبعاً.

أغبط من يسمعون بصوتك قصيدتك.. فيحتارون مثلي -ساعة التخلّي- أيغمضون أعينهم أم يفتحونها أكثر! أغبط من ينظرون إلى عينيك التي لا أعرف لونها! من تجالسهم في موعد صباحاً أو مساء.. من يحلقون بضحكتك عالياً!
هل تعلم أن هناك مستحبات كثيرة في زيارة الهند يا صديقي؟ تعال نلعب، واسمع هذا بصوتي:
في شرع النون -المتحرر من شرع كل شرع- مستحباتٌ تجعل من كل خطوة لك في الهند سحرية!
فشرع ال«ن»-المتحرر من شرع كل شرع-.. يبارك ويحفز ويشجع على تذكّر أصدقاءك -خصوصاً أصدقاءك- كلما اكتشفت جديداً.. كلما سمعت موسيقى الأقمشة وهي تلامس أجساد الفتيات المحتفلات باللوري.. اصغِ حينها بكل حواسك! اصغِ أكثر، كلما استسلم نظرك لسحر حليّهن.. إيقاع أساورهن.. وحنّاءهن.. بدهشة المرّة الأولى.. اصغِ بعد.. كلما رأيت طفلاً راكضاً -كرقص البولكا- وراء اللاشيء واسمع لمسات أرجله الصغيرة الفرحة على الأرض. تماما كقلب صديقتك ن. لامبالٍ بحفاه.. غير مكترثٍ لعريّه البريء. واطرب بتلك اللحظة التي تسبق الابتسامات المربكة للغرباء، كهشاشة غيمة نخاف امّحاءها..
اضحك.. كلما سمعت طفلة صغيرة مجنونة مثلي تقول لك: «تعال نطير! لا وقت في الحياة لنمشي.. أعلنك: صديقي. حان وقت اللعب».
أتعلم أن في هذه الرسالة مئة نونٍ و«ن»؟ إيّاك أن تعدّها! فأنا لا أكذب!!!

14-1- 2019