لم نتعرّف إلى مارلون جيمس (1970) إلا عندما نال جائزة «بوكر» (2015) عن روايته الثالثة «تاريخ قصير لسبع عمليات قتل» كأوّل جامايكي في تاريخ الجائزة. وعد القرّاء حينها، بأنّ كتابه المقبل سيكون لعبة العروش الأفريقيّة ضمن ثلاثية بعنوان «النجمة السوداء»، سيصدر جزؤها الأوّل «فهد أسود، ذئب أحمر» بعد أيّام عن دار «ريفرهيد» الأميركيّة. علاقة جيمس طويلة مع الفانتازيا الأفريقيّة، التي كتب قصته الأولى ضمن مناخاتها في عالم تحكمه ثماني أرواح شيطانية. حملت القصّة تأثيرات الكنيسة التي كان لا يزال يزورها في ذلك الوقت، إلى درجة أنه خضع لجلسة «طرد الشياطين» بسبب مثليته الجنسيّة قبل أن يجرؤ على الاعتراف بأنه حالما كان يغمض عينيه ليصلّي، كان يرى رجلين معاً. بعدها، بدأ بكتابة رواية عن واعظين مجهولين يتقاتلان على سلطة قريّة خياليّة في جامايكا، خلال الخمسينيات.

يرتبطان بعلاقة جنسية سريّة، في ضيعة ملعونة تغتسل فيها رؤوس البقر في النهر، بينما تمطر السماء ريشاً أسود ودماً. سرعان ما أحرقها على شرفته بعدما رفضتها أكثر من خمسين دار نشر. استلهم أحداث روايته الفائزة من المناخ السياسي في العاصمة الجامايكية كينغستون خلال السبعينات، وحروب المخدرات في نيويورك الثمانينات. هنا، في روايته الجديدة كأنما يستطرد في بناء ملحمة أخرى عن السلطة والقوّة، لكن بعيداً عن الواقع هذه المرّة. «فهد أسود، ذئب أحمر» هي فانتازيا أفريقية عنيفة تطفح بشخوص مسخيّة وبساحرات وأقزام ومصاصي دماء ووحوش، يفرد مئات الصفحات لوصفها كلّما تقدّم السرد. في مقابلة مع الـ«نيويوركر» أخيراً، أفصح أنه كتب روايته نزولاً عند نصيحة الروائية الأميركية توني موريسون بأن الكاتب عليه أن يؤلف القصّة التي يريد أن يقرأها. أراد أن يكتب ملحمة تتسع لأبطال مثله، في وقت يغيب فيها الأبطال السود عن هذا النمط الأدبي والفانتازي الذي يعج عادة بالرجال البيض من الطبقة الوسطى مقابل ظهور ثانوي للنساء. استند جيمس في بحثه إلى الأساطير الأفريقية، والقصصة الشعبية الشفهيّة، واللهجات المختلفة التي يطعّم بها سرده بالانكليزيّة، مظهّراً أفريقيا بعيداً عن الصورة النمطية التي رسّخها الغرب الأبيض. يوغل جيمس في الجغرافيا، وفي بعض الخرائط التي رسمها للممالك الريفية والمدينية في الرواية، بهدف الوصول إلى مساحة القارّة السمراء بكاملها. في عصر «البلاك بانتر» والمستقبلية الافريقية التي يتزايد الاهتمام بها على الشاشة رغم جذورها التاريخية في الشعر والموسيقى والرواية، هل تتحوّل «فهد أسود، ذئب أحمر» إلى مسلسل تلفزيوني؟