ترجمة: يزن الحاجلم يُوجَد الرسم في القرن التاسع عشر إلا في فرنسا وعلى يد الفرنسيّين، وبمعزل عن هذا، لم يكن للرسم وجود، وقد أُوجِد في القرن العشرين في فرنسا ولكن على يد الإسبان.
كان والد بيكاسو أستاذاً للرسم في إسبانيا وكان بيكاسو يتهجّى الرسم حين كان أقرانه من الأطفال يتهجّون الأبجديّة. لقد ولد وهو يُنجز اللوحات، ليست لوحات طفل بل لوحات رسّام. لم تكن لوحاته عن الأشياء التي تُرى بل الأشياء التي تُحَس، وباختصار كانت [تلك الأشياء] كلمات بالنسبة إليه وكان الرسم على الدوام وسيلته الوحيدة للكلام وقد كان كثير الكلام.
استقر بيكاسو مذ كان في التاسعة عشرة في باريس حيث عاش ـ باستثناء زيارات نادرة وقصيرة جداً إلى إسبانيا ـ حياته كلها.
كان أصدقاؤه في باريس كتّاباً وليسوا رسّامين، إذ لمَ عليه أن يصادق الرسّامين إنْ كان يرسم كما يرسم. وبذا كانت الصداقة الحميمة منذ البداية مع ماكس ياكوب وبعده مباشرةً غيُّوم أبولينير وأندريه سالمون، ولاحقاً تعرّف إليّ وبعد فترةٍ طويلة أخرى جان كوكتو وبعدها بفترة أطول السورياليّين، ذاك هو تاريخه الأدبيّ. أما أصدقاؤه الحميمون من الرسّامين، وهذا كان في مرحلة لاحقة، بعد فترة طويلة جداً من صداقته مع ماكس ياكوب وغيّوم أبولينير ومع أندريه سالمون ومعي، فقد كانا بْراك وديران، وكان لكليهما جانبٌ أدبيّ وكان هذا الجانب الأدبيّ هو سبب صداقتهما مع بيكاسو.

غرترود ستاين في إقامتها الباريسية (1930) يعتلي الجدران بورتريه لها بتوقيع بيكاسو مع رسومات تكعيبية أخرى له

أفكار الرسّام الأدبيّة لا تشابه أفكار الكاتب الأدبيّة بحالٍ من الأحوال. وأنا الرسّام هي أنا متباينةٌ كلياً عن أنا الكاتب. فالرسّام لا يعتبر نفسه موجوداً في نفسه، بل يعتبر نفسه انعكاساً للأشياء التي حوّلها إلى لوحات ويعيش في انعكاسات لوحاته، والكاتب، الكاتب الحقيقيّ، يعدّ نفسه موجوداً في نفسه ومن خلالها، ولا يعيش في انعكاس كتبه على الإطلاق، فلكي يكتب ينبغي عليه بادئ ذي بدء أن يوجد في نفسه، أما لكي يكون الرسّام قادراً على الرسم، يجب أن تكون اللوحة مُنجَزةً قبل أن يكون أيّ شيء. ...
بدأ الفن الإفريقيّ عام 1907 يلعب دوراً في تعريف ما كان يخلقه بيكاسو، ولكن في نتاجات بيكاسو كان الفن الأفريقيّ فعلياً كما باقي التأثيرات الأخرى التي حرفت بيكاسو في هذه المرحلة أو تلك عن أسلوب الرسم الذي كان لا يشبه أسلوب سواه، كان الفن الأفريقيّ ورفاقه التكعيبيّون الفرنسيّون بمثابة أشياء تُلطِّف رؤيا بيكاسو أكثر من كونها تساعدها، فالفن الأفريقيّ والتكعيبيّة الفرنسيّة ولاحقاً التأثيران الإيطاليّ والروسيّ كانت مثلما كان سانتشو بانثا مع دون كيخوته، كانت [تلك التأثيرات] تودّ حرف بيكاسو عن رؤياه الحقيقيّة التي كانت هي رؤياه الإسبانيّة الحقّة. كانت الأشياء التي بوسع بيكاسو رؤيتها هي الأشياء التي تمتلك واقعها الخاص، واقعاً لا يرتبط بالأشياء التي تُرى بل بالأشياء التي توجد. من الصعب أن تكون موجوداً لوحدك من دون أن تكون لديك القدرة على أن تبقى وحيداً مع الأشياء، ولذا تعكّز بيكاسو بدايةً على الفن الأفريقيّ ومن ثم على التأثيرات الأخرى لاحقاً. ...
ولد بيكاسو في ملقا، في 25 تشرين الأول/أكتوبر، 1881. استقر والداه استقراراً دائماً في برشلونة عام 1895 وجاء بيكاسو الشاب إلى باريس للمرة الأولى عام 1900 حيث بقي ستة أشهر.
خلال هذه الفترة، بين عامي 1901 و1904، رسم لوحات المرحلة الزرقاء، الصلابة والواقع الذي ليس هو الواقع الذي يُرى، وهما ما يعبّران عن إسبانيا، دفعاه إلى رسم تلك اللوحات التي شكّلت الأساس لكلّ ما أنجزه لاحقاً.
وفي عام 1904 عاد إلى فرنسا، ونسي كلّ ما يتعلّق بالحزن الإسبانيّ والواقع الإسبانيّ، ترك لنفسه العنان، حيث عاش في جماليّة الأشياء التي تُرى، جماليّة السنتمنتاليّة الفرنسيّة. عاش في أشعار أصدقائه، أبولينير، ماكس جاكوب، وسالمون، وبحسب ما اعتاد خوان غريس القول دوماً، فرنسا تغويني ولا تزال تغويني، وأظنّ أنّ هذا هو الأمر، إذ تمثّل فرنسا بالنسبة إلى الإسبان مصدر إغواء لا مصدر تأثير.
وبذا كانت مرحلة الآرليكين [المهرج] أو المرحلة الورديّة فترة إنتاج غزير، حرَّض جمالُ فرنسا مستوى غير مسبوق من الخصوبة. من المذهل معرفة عدد وحجم اللوحات التي رسمها خلال تلك الفترة الوجيزة بين عامي 1904 و1906.
اختُتمت المرحلة الورديّة برسم لوحتي البورتريه، كان مستوى رسمه قد تغيّر وباتت لوحاته أقل خفّة، وأقل بهجة. ففي نهاية المطاف إسبانيا هي إسبانيا وليست فرنسا وكان القرن العشرون في فرنسا بحاجة إلى إسبانيّ ليعبّر عن حياتها وكان مُقدَّراً لبيكاسو أن يكون هو المنشود في هذا الأمر. حقاً وفعلاً.
حين أقول إنّ المرحلة الورديّة كانت تتّسم بالخفّة والفرح فإنّ كل شيء نسبيّ، فالمواضيع التي كانت مواضيع مبهجة كانت حزينةً بدرجة ما، عائلات الآرليكين كانت عائلات بائسة ولكن من وجهة نظر بيكاسو كانت تلك مرحلة بهيجة سعيدة خفيفة وكانت مرحلة اقتنع فيها برؤية الأشياء كما يراها الجميع. ومن ثمّ مع حلول عام 1906 كانت المرحلة قد انتهت.
عام 1906 عمل بيكاسو في لوحتي البورتريه طوال فصل الشتاء، وبدأ يرسم أشخاصاً بألوان تكاد تكون رتيبة، لا يزال فيها شيء من الورديّ ولكنّها في معظمها بلون ترابيّ، باتت خطوط الأجساد أقسى، كانت بداية رؤياه الخاصة قد ترافقت مع مقدار كبير من القوة. كانت مشابهةً للمرحلة الزرقاء ولكنّها تُحَس بقدر أكبر وإنْ كانت أقل لوناً وأقل سنتمنتاليّة. بدأ فنّه يصبح أكثر صفاءً.
ولذا جدَّد رؤياه التي كانت تتمثّل في الأشياء التي تُرى كما يراها هو.
ولا ينبغي للمرء أن ينسى أبداً أنّ واقع القرن العشرين ليس واقع القرن التاسع عشر، ليس هو على الإطلاق وكان بيكاسو هو الوحيد في عالم الرسم ممّن أحسّ به، كان هو الوحيد. وشيئاً فشيئاً تكثَّف النضال من أجل التعبير. كان ماتيس والآخرون يرون القرن العشرين بأعينهم ولكنّهم كانوا يرون واقع القرن التاسع عشر فعلياً، بينما كان بيكاسو هو الوحيد في عالم الرسم الذي رأى القرن العشرين بعينيه ورأى واقعه وبالنتيجة كانت نضاله مروّعاً، مروّعاً بالنسبة إليه وبالنسبة إلى الآخرين، إذ لم يكن لديه ما يعينه، فالماضي لم يساعده، وكذا الحاضر، وكان عليه أن يقوم بكلّ شيء لوحده، وبالرغم من وجود قدر كبير من القوة إلا أنّه كان شديد الضعف معظم الأوقات، فكان يعزّي نفسه ويسمح لنفسه بأن يخضع لإغواء الأشياء الأخرى التي حَرَفته عن بصمته بهذا القدر أو ذاك.
إثر عودته من رحلة قصيرة إلى إسبانيا، قضى فيها فترة الصيف في غوسول [في كتالونيا]، رجع ليتعرّف إلى ماتيس الذي كان وسيلته للتعرّف إلى النحت الأفريقيّ. ففي نهاية المطاف لا يجب للمرء أن ينسى أبداً أنّ النحت الأفريقيّ ليس ساذجاً، على الإطلاق، بل إنّه فن تقليديّ، يستند إلى الأعراف وإنّ أعرافه مستمدّة من الثقافة العربيّة. كان العرب خالقي حضارة الزنوج وثقافتهم ولذا فإنّ الفن الأفريقيّ الذي كان ساذجاً وإكزوتيكياً بالنسبة إلى ماتيس كان بالنسبة إلى بيكاسو، وهو إسبانيّ، أمراً يمتاز بالطبيعيّة، والمباشَرة والتحضُّر.
وبذا كان من الطبيعيّ أن يسهم هذا الفن في إعادة تعزيز رؤياه ويساعده على إدراكه لتكون النتيجة هي الدراسات التي دفعته إلى إنجاز لوحة «آنسات أفينيون».
مجدداً ومجدداً هو لم يكن يعيد انطلاقاته بل كان يواصل الانطلاق بعد انقطاع. تلك هي حياته.
وفي تلك الفترة تقريباً بدأ تواصله مع ديران وبْراك وشيئاً فشيئاً بدأت التكعيبيّة الصّرفة بالبزوغ.
في البدء كان هذا الجهد، الأشد صعوبة من الطبيعة الصامتة والمناظر الطبيعيّة، من أجل خلق بشر من مكعّبات، عمل مرهق، فأفرغ بيكاسو كلّ ما في داخله خلال عام 1907 وأراح نفسه من خلال النّحت. ففي النّحت لدينا العبء الذي يمكن للمرء الالتفاف حوله على الدوام كما أنّ المواد التي تقوم عليها المنحوتات تعطي انطباع الشّكل قبل أن يبدأ النحّات العمل عليه.
وكان بيكاسو الذي بذل جهداً جبّاراً لخلق لوحاته بالاعتماد على فهمه للنحت الأفريقيّ قد وقع لفترة وجيزة بعد عام 1908 أسيراً لإغواء انشغاله بشكل المنحوتة بدلاً من الرؤيا التي تميّز النحت الأفريقيّ ولكن حتى برغم هذا كانت تلك خطوة بمثابة محطة وسطى في الطريق المفضية باتجاه التكعيبيّة في نهاية المطاف.
التكعيبيّة جزء من الحياة اليوميّة في إسبانيا، إنها موجودة في العمارة الإسبانيّة. فالعمارة في البلدان الأخرى تقتفي خطوط المشهد المحيط على الدوام، هذا يصحّ في حالتَيْ العمارة الإيطاليّة والعمارة الفرنسيّة، ولكنّ العمارة الإسبانيّة تقطع خطوط المشهد المحيط بها دوماً وإنّ هذا بالتّحديد هو أساس التكعيبيّة، أن يكون عمل الإنسان غير متناغم مع المحيط، بل يتعارض معه وهذا بالضبط هو أساس التكعيبيّة وتلك هي ماهيّة التكعيبيّة الإسبانيّة. الطبيعة والإنسان متعارضان في إسبانيا، وهما متوافقان في فرنسا وهذا هو الفارق بين التكعيبيّة الفرنسيّة والتكعيبيّة الإسبانيّة وهذا فارق جوهريّ.
عاد بيكاسو من إيطاليا وبفعل تحرّره بسبب باليه «استعراض»، الذي انتهى تواً من العمل فيه، أصبح رسّاماً واقعياً، بل وأنجز بورتريهات كثيرة بالاعتماد على وجود موديل، بورتريهات كانت واقعيّة صرفة. من الواضح أنْ لا شيء قد تغيّر فعلياً ولكن في الوقت ذاته قد تغيّر كلّ شيء وقد منحت إيطاليا و«استعراض» ونهاية الحرب بيكاسو على نحوٍ ما مرحلة آرليكين أخرى، مرحلة واقعيّة، ليست كئيبة، أقل فتوّةً، لو شئت، ولكنّها مرحلة هدوء، كان راضياً برؤية الأشياء كما يراها الجميع، لا كما يراها الجميع على نحوٍ كليّ ولكن كلياً على نحوٍ كافٍ. إنّها المرحلة بين عامي 1917 و1920.
دائماً ما كان بيكاسو مهووساً بضرورة إفراغ نفسه، إفراغ نفسه كلياً، إفراغ نفسه على الدوام، وإنّه مفعمٌ بهذا بحيث أنّ كلّ وجوده عبارة عن تكرار لإفراغ كليّ، لا بدّ له من إفراغ نفسه، هو عاجز عن إفراغ نفسه من إسبانيّته بالمطلق، ولكنْ بإمكانه إفراغ نفسه من الإبداع الذي أنجزه. إذن يقول كلّ شخص إنّه يتغيّر ولكنْ ليست تلك حقيقة الأمر، بل هو يفرغ نفسه وإثر اللحظة التي ينتهي فيها من إفراغ نفسه كلياً لا بدّ له من إعادة البدء بإفراغ نفسه، فيُترع نفسه من جديد بسرعة شديدة.
كان اللون الذي يستخدمه بيكاسو عنصراً مهماً على الدّوام، شديد الأهميّة بحيث كانت مراحل عمله تُسمَّى تبعاً للون الذي كان يستخدمه. فلنبدأ منذ البداية.
كان التأثير الأول لزياراته القصيرة الأولى إلى باريس، عام 1900، قد منحه لون تولوز لوترِكْ، وكان هو اللون المميَّز الذي يسم لوحات تلك المرحلة. وقد استمر هذا التأثير لفترة قصيرة جداً وحين عاد إلى باريس ومن ثم سافر إلى إسبانيا باتت الألوان التي يستخدمها إسبانيّة من حيث الجوهر، اللون الأزرق، وقد كانت لوحات تلك المرحلة زرقاء دوماً. وحين عاد إلى فرنسا مجدداً وحين جعلته بهجة فرنسا مبتهجاً رسم بالورديّ وسُمّيتْ مرحلته تلك الورديّة. وفي الحقيقة كانت لا تزال هناك آثار باقية من اللون الأزرق في هذه المرحلة ولكن كان للأزرق سمة ورديّة فعلياً أكثر من كونه أزرق صرفاً، وبذا فهي كانت مرحلةً ورديّةً تماماً، تبعتها بداية النّضال من أجل التكعيبيّة، أي المرحلة الأفريقيّة التي كانت فيها مسحة من الورديّ ولكنّه تحوَّل بدايةً إلى البيج، ولاحقاً إلى البنيّ والأحمر كما في لوحتي البورتريه ومن ثمّ جاءت محطة وسطى، قبل التكعيبيّة الحقيقيّة وقد كانت تلك المرحلة مرحلةً خضراء. إنّها أقل شهرةً [من المراحل الأخرى] ولكنّها ضمّت لوحات مناظر طبيعيّة جميلة جداً جداً، ولوحات طبيعة صامتة ضخمة، إضافةً إلى بعض البورتريهات. وبعد ذلك جاءت لوحات الطبيعة الشّاحبة التي تبعتها شيئاً فشيئاً لوحات طبيعة صامتة رماديّة. وخلال هذه المرحلة الرماديّة بالذات قدَّم بيكاسو نفسه للمرة الأولى فعلياً كملوِّن عظيم. ثمة تنوّع لانهائيّ من الرماديّ في تلك اللوحات ومع حيويّة الرسم تصبح درجات الرماديّ ألواناً فعليّة. وبعد ذلك وحينما بات بيكاسو معلّماً بارعاً في الألوان لم تعد مراحله الفنيّة تُسمّى تبعاً لألوانها.
وشيئاً فشيئاً وفيما كان الصّراع من أجل عدم الرّضوخ للرؤية التي لم تكن رؤيته متواصلاً، بدأت الألوان تميل لأن تصبح هي ذاتها الألوان الاعتياديّة التي يستخدمها الرسّامون الآخرون، ألوان تتواءم مع الرسم وفي نهاية الأمر وبين عامي 1927 و1935 بات بيكاسو ميّالاً إلى مؤاساة نفسه مستعيناً بتصوُّر ماتيس حيال الألوان، وقد حدث هذا حينما كان هو في أقصى حالات يأسه لأنّ هذه النّزعة قد باتت داخله وقد انتهت هذه النّزعة حين توقّف عن الرسم عام 1935.
وفي الواقع فإنّه توقّف عن الرسم طوال عامين لم يُنجز فيهما أيّ رسم أو لوحة.
وفي نهاية المطاف اندلعت الحرب في إسبانيا.
الثّورة أولاً ومن ثمّ الحرب.
ولم تكن الأحداث التي تقع في إسبانيا هي السبب في إيقاظ بيكاسو بحدّ ذاتها بل هي حقيقةُ أنّها تحدث في إسبانيا بالذات، كان قد أضاع إسبانيا وها هي إسبانيا لم تَضِع، إنها موجودة، وإنّ وجود إسبانيا هو ما أيقظ بيكاسو، وهو كان موجوداً أيضاً، أما كلّ ما كان مفروضاً عليه من قبل فلم يعد موجوداً، هو وإسبانيا، كلاهما موجودان، لقد وُجدا بكل تأكيد، إنّهما موجودان، إنّهما على قيد الحياة، وشرع بيكاسو بالعمل، بدأ يتحدّث كما كان يتحدّث طوال حياته، يتحدّث مستخدماً الرسوم والألوان، يتحدّث عبر الكتابة، كتابة بيكاسو.
طوال حياته لم يتحدّث إلا على هذا النّحو، ولم يكتب إلا على هذا النّحو، وقد كان بليغاً.
ولذا بدأ عام 1937 يستعيد نفسه من جديد.
رسم لوحةً ضخمةً عن إسبانيا وقد كانت مشغولةً بكاليغرافيّة تتطوّر باستمرار وقد كانت تلك اللوحة استمراراً للتطوّر الهائل الذي بدأه عام 1922، بات الآن في حالة غليان تام، وفي الوقت ذاته وجد لونه. كانت ألوان اللوحات التي يرسمها الآن عام 1937 ألواناً برّاقةً، ألواناً فاتحةً ولكنّها تمتلك مزايا الألوان التي لم تكن قد وُجدت حتى تلك اللحظة إلا في لوحاته الرماديّة، يمكن للألوان أن تتعارض مع الرسم، ويمكن لها أن تتوافق معه، بإمكانها فعل ما يحلو لها، ولكنّ مسألة إمكانيّة توافقها مع الرسم أم لا ليست هي سبب وجودها، بل نجدها هناك لأنّها تريد أن تكون موجودة، وبكل تأكيد وجد بيكاسو لونه الآن، لونه الحقيقيّ عام 1937.