يقول المؤرخ وجيه كوثراني (مواليد بلدة أنصار ـ جنوب لبنان ـ 1941) إنه «ضد الأمل». هو لا يقصد الأمل المجاني، أو ما يمكننا الافتراض أنه الوهم. وربما رفض الوهم، هي السمة التي حاول أن يبقيها إلى جانبه في جميع أعماله الدقيقة والكثيرة، من «الاتجاهات الاجتماعية والسياسية في جبل لبنان والمشرق العربي 1860-1920»، وصولاً إلى عملٍ بحثي ينكبّ عليه اليوم، وتقوم فرضيته الأساسية على دور انقلابات الخمسينيات العسكرية في العالم العربي في طمس ثورات مطلع العشرين في الأمكنة نفسها. ورغم أن أبحاثه في التاريخ العثماني اكتسبت سمة المرجعية، إلا أن السمة الأساسية التي تميّز اشتغالاته جميعها بالفعل هي النزعة المعرفية الواضحة، بحيث لا تتداخل هذه النزعة مع أي اعتبارات أخرى. وقد يفسّر هذا إصراره الدائم على رفض استعمال التاريخ في الحاضر، واستعمال الحاضر في التاريخ، لحماية الزمن من الزمن، والتاريخ من الذاكرة. ذلك لا يلغي اعتقاده بوجود تاريخ حقيقي يمتد في الزمن. الوجود واحد لكن الاستخدامات تعمل ضدّ التاريخ. من التاريخ العثماني الذي حفر فيه كوثراني بدأ الحوار الطويل.
عندما نتحدث عن تاريخ الولايات العربية في بلاد الشام خلال العهد العثماني، فنحن نتحدث في جانب رئيس عن النظام الزراعي، في ما يتعلق بعلاقة السُلطة والسكان بالأرض. وقد بيّنت التجارب لاحقاً مشاكل تسببت بها معالجات الدولة الحديثة لهذه العلاقة عبر «الإصلاحات الزراعية»، أكان ذلك في مصر أم في سوريا مثلاً. ما نعرفه أن أوروبا تجاوزت الفيودالية وآثارها المباشرة، لكننا هنا لدينا سردية مهمشة إعلامياً مثلاً، تبحث جدياً عن العلاقة بين عدة عناصر كالأرض والإقطاع والشعب، وتتحدث عن رفض حقيقي لاستمرار هيمنة البورجوازيات الصغيرة، وقد تمظهر هذا في انتفاضات الشعوب العربية. من خلال قراءة تاريخية لمسائل الملكية في العهد العثماني، ومسألة ملكية الأرض تحديداً، هل تعتقد أن لهذه الانتفاضات جذوراً تاريخية؟
- بالنسبة إلى نمط الزراعة العثماني، يجب أن ننتبه إلى أن الدولة العثمانية ورثت النظام الزراعي التقليدي الذي يقوم على مبدأين أساسيّين، أولهما هو الملكية (وهي صغيرة عملاً بحديث نبوي)، وهذا ينطبق كثيراً على الأراضي الجبلية الوعرة التي استصلحها الإنسان كمصاطب، ونسمّيها في لغتنا العامية «جلالي». هذه الملكيات الخاصة تورث وتباع، لكن الأرض العامة التي فتحت مع الفتح الإسلامي، عنوةً أو سِلماً، تعتبر أرض خراج. وسُمي هذا لاحقاً في الدولة العثمانية بالميري، أي تعود ملكيتها للدولة بينما يستثمرها الأهالي. مع الوقت، لم يلغ الحق الثاني الحق الأول، أي ملكية الرقبة، بينما بقي الاستثمار قائماً في أكثر من اتجاه عائلي أو قروي. هذه الصيغة استكملت في الدولة العثمانية. يمكننا أن نلاحظ اليوم في سندات ملكية تعود إلى 1972 (وهذا يتزامن مع ظهور الطابو العثماني) وفي ثلاثينيات القرن الماضي أي خلال فترة الانتداب، وجود مصطلح «أرض أميرية». وبفعل الإصلاح العثماني، صارت هذه الأراضي أراضي ملكية وصار ينطبق عليها قانون الملكية بالمعنى الرأسمالي للكلمة. الدولة العثمانية طلبت من الفلاحين تسجيل أراضيهم في أماكن استثمارها، وهنا وقعت المشكلة. خاف الفلاحون من التسجيل لأنهم خافوا من الضرائب. وهكذا سُجلِت الأراضي بيد المتنفذين، وهكذا نشأ الإقطاع الكبير في أواخر القرن التاسع عشر. كان ذلك بسبب فشل الإصلاح العثماني، وهو فشل بسبب الفساد وليس بسبب قرار من الدولة. في أواخر العهد العثماني، كانت الملكيات الصغيرة آخذة في التقلص، بينما انتقلت الملكيات الأميرية الكبرى إلى الإقطاعيين. الدول الجديدة في المنطقة العربية ورثت هذه الصيغة: الإقطاع. بعض المؤرخين المتأثرين بالفكر الغربي اعتبروا أن هذا نوع من الفيودالية، لكنه مجرد تحول من «قطاع الاستثمار» العثماني. الثورات العربية التي واجهت هذا الواقع كانت ثورات الخمسينيات، وأنا أفضّل تسميتها برأسماليات الدولة، لا الاشتراكية.

في بحثٍ يعود إلى أيام الحرب الأهلية، تتبع في كثير من أعمالك نمو الدولة الطائفية، وتشير إلى أن هذه الدولة نمت في كنف مشروع غربي توسعي. هل ما زال الحديث عن الأثر الاستعماري كافياً لتفسير الاستبداد وأطواره الدموية؟ على الهامش، هل من «إخراجات» معاصرة ممكنة لنظام الملل في صيغ يمكن أن نسمّيها حداثية؟
_ بكل تأكيد لا يكفي تفسير الاستبداد بالاستعمار. في بدايات عملي على «الاتجاهات الاجتماعية والسياسية في جبل لبنان والمشرق العربي 1860-1920»، انطلقت من ثلاثة عوامل لتفسير الظواهر الاجتماعية والسياسية، ومنها الظاهرة الطائفية. هناك العامل الداخلي، ويمكننا أن نفترض أنه أنتروبولوجي. فتاريخنا تاريخ ملل. هذه الظواهر الاجتماعية والثقافية بالمعنى الأنتروبولوجي للكلمة موجودة منذ القدم. الدولة السلطانية العثمانية تعاملت مع هذا الموزاييك والطوائف والاثنيات بصيغة المجتمع الأهلي والهيئة الحاكمة التي تتدخل قليلاً في هذا المجتمع الأهلي، ولم تتدخل في البنى الاجتماعية.

لكنّ مؤرخي «القومية اللبنانية» لا يحبّون هذه النظرية، ولا يوافقونك عليها...
_ أعتقد أنهم بدأوا يقومون بمراجعات في هذا الشأن. كثير منهم يراجعون. يوجد بينهم من صار «مؤرخاً عثمانياً». عمر الأسر العثمانية 600 سنة، وهذا يعني أننا نتحدث عن أسرة «آل عثمان» التي حكمت لـ 600 عام. هذا رقم كبير، ولا أحد يمكنه أن يحكم بالنار والحديد لهذه المدة. ثمة مرونة عثمانية أفادت من التناقضات.
لبنان مجتمع متعدد، والأيديولوجيا هنا تلعب دوراً أكبر من دور العلم وتُستخدم كسلاح سياسي وتعبوي


هل تعتقد أن هذه المراجعات التي قام بها هؤلاء المؤرخون منهجية أم أيديولوجية؟
_ الأيديولوجيا لا تتغير بسهولة. لكن البحث العلمي يوصل إلى خلاصات أحياناً يستحيل التنصل منها. لكن الأيديولوجيا صلبة ومثلاً حتى الآن يمكن أن ترى أشخاصاً في مواقع مسؤولية، وزراء ونواباً، يتحدثون في فضاء عام، ويستعملون مصطلح «التخلف في العهد العثماني».

بما أننا نتحدث عن السائد في أدبياتنا، ماذا عن «تاريخنا الموّحد»؟ خاصةً أنك توافق على انتفاء الحاجة لاختراع تاريخ خاص للبنان قبل 1920، أي إن اللبنانيين وعبر عدة طرق وصلوا إلى ما يشبه الاتفاق على لبنانيتهم، ولا نقصد إضافة أي عامل سياسي هنا، فكذلك الحديث عن عروبة لبنان في ظل الوضع العربي الحالي لم يعد تخويفياً لدعاة الإفراط في الخصوصية اللبنانية. رغم كل شيء يبدو التاريخ مادة قابلة للاستخدام وعرضة لتلاعب كبير. لماذا لم تتزحزح السرديات الرئيسية في بنية التاريخ اللبناني المتداول بين الناس؟
_ ثمة تخلف في الوعي التاريخي، وهذا هو السبب الأول والرئيس. وهذا ينسحب على المؤرخين أنفسهم، فليس جميع المؤرخين على ذات الدرجة من الوعي التاريخي. إلى ذلك، هناك نهوض حقيقي اليوم لمدارس جديدة تعمل على تحديث علم التاريخ. فعلم التاريخ ليس فقط استعادة للأحداث والأخبار في الوثائق. هذا ما كانه التاريخ في القرن التاسع عشر. التاريخ اليوم هو تاريخ البشر وتاريخ الأفكار أيضاً، إنه تاريخ اجتماعي. الحقول المعرفية التي ظهرت، جعلت منه أشبه بعلم اجتماع تاريخي. وفي الواقع، لم يواكب جميع المؤرخين هذه القفزة الايبستيمولوجية، وهذا عالمي وليس فقط في عالمنا العربي. السبب الثاني هو سبب أيديولوجي. لبنان مجتمع متعدد، والأيديولوجيا هنا تلعب دوراً أكبر من دور العلم. تُستخدم كسلاح سياسي وتعبوي. وهكذا تلعب الطبقة السياسية دوراً رجعياً في تطور علم التاريخ وتطور العلوم عموماً، لكن التاريخ يستخدم كسلاح سياسي. الذاكرة التاريخية أحياناً تلعب دوراً أكبر من التاريخ.

تتحدث عن هذه النقطة بالذات في معرض قراءة إشكاليات الدولة والطائفة والمنهج في كتابات تاريخية لبنانية، وفي كتاب «من لبنان الملجأ إلى بيوت العناكب». في الكتاب، سجال مثير للاهتمام مع كمال الصليبي. رغم الاحترام الكبير الذي تكنّه للمؤرخ الكبير، تعاتبه بشدة على اختزال اشتغالات كثيرين ولا سيما اشتغالاتك تحت مسمى وحيد: «تلامذة دومينيك شوفالييه». بمعزل عن المعنى المقصود في إشارة الصليبي، هل تعتبر أنه يمكن الحديث عن منهجية معينة أرساها الباحث الفرنسي الكبير؟ ولا نقصد أن تكون صيغة السؤال إطلاقية. كذلك، هل يمكن أن نوضح للقارئ العلاقة بين الذاكرة والتاريخ؟
_ دار السجال مع كمال الصليبي، الذي هو مؤرخ عظيم، حول الذاكرة بالفعل. أعتقد أن الصليبي طلب من الطوائف أن تغيّر تاريخها. والحقيقة أنه يجب الطلب من الدولة أن تقوم بالتنمية لإنشاء وعي تاريخي جماهيري عند الناس لكي تتعامل مع الماضي كماضٍ وليس كما لو أنه حاضر. التاريخ لا يمكن أن يكون تاريخاً واحداً مقدساً. الفرنسيون مثلاً يختلفون في رؤيتهم لنابليون بونابرت، وليس جميعهم يتعاملون معه كقديس، ولكن لا يمكن استخدام نابليون في احتجاج السترات الصفر مثلاً. هناك نوعان من التوظيف للهوية، توظيف سلبي وتوظيف إيجابي. أما في مسألة كتابة التاريخ، فهناك مدارس فرنسية في كتابة التاريخ لا مدرسة واحدة. لكن هذا النقاش الذي قصدته مع الصليبي أساسه ليس فرنسياً، بل هو سجال محلي. هناك جو سائد في الجامعات الأميركية، متأثر بمناخ أنغلوفوني عام، مفاده أنّ الكتابات باللغة الإنكليزية هي الكتابات التي يعوّل عليها في التحكيم، واعتبارها مراجع علمية، بينما لا يتم النظر إلى الأبحاث المكتوبة بالعربية على ذات الدرجة من الأهمية، وليس ذلك بسبب نقدٍ للمنهجية أو أي شيء مشابه، إنما فقط بسبب اللغة. وهذا سببه الهيمنة الأميركية الإمبريالية، حيث لا يعتد إلا بالمنشورات اللغة الإنكليزية، حتى الفرنسيون والألمان يعانون بهذا المعنى الآن. الجامعة الأميركية واقعة في هذا الفخ، من دون أن يلغي ذلك وجود أساتذة وباحثين ومؤرخين جديين، من المنصفين للغة العربية كأداة معرفية. وبطبيعة الحال، الباحث الجدي العربي يفرض نفسه بلغته العربية، فالمستعرب بحاجة لمعرفة العربية ولفهم المصادر العربية في النهاية، وهذا يرد في دراسات أجنبية جدية.

أنا متشائم من المشرق على عكس المغرب العربي الذي يتميّز بشغف أكاديمي حقيقي


يتضح من متابعة أعمالك إشارتك الدائمة إلى مآزق المنهجية، مروراً بعدة عوامل كالمصادر وحياد الباحث والفرضيات والإشكاليات، إلخ. وخلال بحثك في إشكاليات المناهج اللبنانية، تشير إلى صناعة الأبطال في تواريخ الطوائف عن أنفسها، وهؤلاء الأبطال يخضعون لاستخدام متكرر، في موازاة أبطال الحاضر الطائفيين. إلى أي مدى يمكن الحديث عن صلة معنوية حقيقية بين شخصيات مارة ومؤسطرة في التاريخ مثل يوسف بك كرم أو أدهم خنجر وصادق حمزة لاحقاً وشخصيات الحاضر؟ ولا نقصد هنا العوامل الأنتروبولوجية، بل العوامل التاريخية. من هم هؤلاء «الأبطال»؟
_ البطل هو ابن السياق التاريخي الذي ينتمي إليه، أي ابن الظروف الاجتماعية والسياسية. في تلك المرحلة أي بدايات القرن العشرين، كان صعباً أن تؤسطر أشخاصاً بدور سياسي محدد. ملامح هذه الشخصية تحتاج إلى بناء طويل كي تكون أسطورة متماسكة، ذلك أنه لم يكن لدينا مشروع وطني كبير. عبد الكريم الخطابي المزامن لهذه المرحلة مثلاً، لا يقارن بشخصيات أخرى. الخطابي قاد مشروعاً كبيراً وترك أثراً واضحاً. بهذا المعنى يصير موقعه في التاريخ مفهوماً. عندما ذهب الفلسطينيون إلى ماو تسي تونغ في الستينيات للإفادة من تجربته في الحرب الشعبية، نصحهم ماو بالتعرف إلى عبد الكريم الخطابي. عمر المختار كذلك صار أسطورة وطنية في ليبيا. في بلادنا يمكن أن نتحدث عن سلطان باشا الأطرش، بسبب اجتماع قوى سياسية شاملة حوله في سوريا، بايعته ليصير جزءاً من الأسطورة الوطنية كبطل. أما خنجر وحمزة فكانا على هامش هذه الشخصيات. بهذا المعنى يصير اختراع هذه الشخصيات إلى حد ما على قياس اختراع الطوائف لأبطالها، مثل فخر الدين وبشير وما إلى ذلك. وهذا بسبب غياب سردية وطنية حقيقة. في المشرق العربي عموماً، هناك غياب للمشروع الوطني وحضور للطوائف والملل. أعمل اليوم على مشروع مقارنة بين ثورات عشرينيات القرن الفائت (الخطابي في المغرب، المختار في ليبيا، سعد زغلول والوفد في مصر، الانتفاضات السورية خلال الانتداب، العراق ثورة العشرين) وثورات القرن الحادي والعشرين. ثمة ما يجمع بين جميع تلك الثورات، هو رفض الاحتلالات والدعوات إلى الاستقلال، والأهم المطالبة بالدساتير. وهذا ما طمسته الانقلابات العسكرية.

هذه الفرضية في حال ثبات صوابيتها، فإن ذلك يعني مشروعية الثورات العربية الحالية المطالبة بالمواطنية والحرية. هل تعتقد أنها في هذا السياق تكتسب مشروعية تاريخية، وتصير راهنيتها أمراً مفهوماً؟
_ تماماً، هناك عودة إلى مسألة الدستور، ومسألة المواطنة والحريات. فكرة المواطن والدستور بدأت في مطلع القرن العشرين. أما الانقلابات العسكرية، وإن كان لها إيجابيات في التصدي للاستعمار، فإن أثرها السلبي كان كبيراً وتمثل في طمس الدساتير، وكانت معادية للحياة الدستورية. وإن كان بإمكاننا العودة إلى ما قبل الدولة الحديثة وقبل الثورات، قد نجد أن مشروع فيصل كان أكثر تقدماً ومدنياً من مشاريع تُنسج اليوم.

ماذا عن والده الشريف حسين؟
الجمعيات العربية تطورت خلال العهد العثماني، عندما أمعن الاتحاديون والترقيون في إبعاد غير العرب وتهميشهم، هكذا تجذرت العروبة وصارت أكثر راديكالية. وجاء هذا في سياق تدخل أجنبي أيضاً، ولدت فيه ظاهرة الشريف حسين، الذي هو مخترَع من الإنكليز للمناسبة. في الواقع مشروع فيصل في سوريا والعراق كان أكثر مدنية من مشروع الشريف الحسين، الذي لم يتبلور ليصير مشروعاً ناجزاً أصلاً. لكن هناك ما هو أهم من ذلك، ثمة سياق تاريخي لا يمكن تجاوزه. لم يكن متاحاً للعرب أن يقوموا بما قام به أتاتورك. فالسلطان العثماني وافق على سيفر، التي تشبه سايكس بيكو، لكن كمال أتاتورك رفض، وهذا القرار غيّر التاريخ. أتاتورك، عندما أطلق الثورة في الأناضول، دعا فيصل للالتحاق به في حلب والتنسيق، لكن الاستخبارات الإنكليزية منعت فيصل من الذهاب ولقاء أتاتورك. لم يكن ثمة قرار ثوري، وهذا يحتاج إلى إعادة تأريخ جدية وطويلة. نحن أمام مأزق للحركة العربية، وما زال هذا المأزق مستمراً. هل كان مأزق النخب؟ أم القيادة؟ أم الشعب؟ هذا يحتاج إلى عمل كبير.


أنت حريص دائماً على التمييز بين الذاكرة والتاريخ، فالأولى جزء من الأول، لكن الثاني لا يجب أن يكون متعلقاً بها ومكتفياً بها. سؤال أخير عن المنهجية والتزام الجيل الأكاديمي الجديد بها، ومتابعته لكل ما هو جديد. هل أنت متفائل؟
_ أشعر دائماً، ربما بسبب الحروب الأهلية وبسبب اليأس الواقع على النخب، أن ثمة تراجعاً كبيراً في الكتابة العلمية الإنسانية، في المشرق العربي تحديداً. جيل السبعينيات قدّم هنا أكثر بكثير مما قد يقدّمه جيل اليوم. الباحث الجيد اليوم يهاجر غالباً. يعيش في الخارج، ولا يمكن أن نشعر بوزنه وأثره. أنا متشائم من المشرق، على عكس المغرب العربي. في بلادٍ مثل المغرب، تونس والجزائر، يبدو أن ثمة شغفاً أكاديمياً حقيقياً.