هجاء الذات:كل هذا العدد من الموتى
وما زلت قادراً على تناول
ثلاث وجبات في اليوم
بدم بارد
وبأعصاب تتطاير منها النيران.
■ ■ ■
لي أصدقاء
ماتوا في ساحة الحرب
لي أصدقاء
ماتوا في غرف التعذيب
ولي أصدقاء ماتوا
ولا أحد يعرف كيف.
■ ■ ■
دوماً
يأتي القطار في موعده
حتّى الانتظار
لم يعد ممكناً في هذه البلاد.
■ ■ ■
رغم أن القافلة
قد توقّفت عن المسير
منذ فترة طويلة
لكن الكلاب
ما زالت تنبح بحماس منقطع النظير
حتى في أوقات فراغها.
■ ■ ■
هكذا كانت المعادلات منذ الأزل:
1 . من لا يغضب من الرجال
لا يعرف المتعة
ومن لا تعرف المتعة من النساء
لا تعرف الخجل.
2 . من لا خصوم له
مثل الذي لا أصدقاء لديّه
الأول ينام مثل خروف
والثاني مثل ذئب
لا حاجة للاثنين إلى أقراص منوّمة.
3. من فرط اللدغ
كي يبقى الواحد منهم مؤمناً
هو في أمسّ الحاجة
إلى أكثر من جحرين.
4 . لا فرق بين امرأة وامرأة
ولا بين رجل ورجل
ولا بين رجل وامرأة
إلّا في القدرة على الطاعة
والاستعداد للعصيان.

الرّسمة ليحيى الشّيخ (العراق ـ زيت على ورق)

5 . نحن واحد من اثنين
إمّا رجلٌ
فشل في أن يكون أباً ناجحاً
أو رجلٌ
نجحَ في أن يكون ابناً فاشلاً.
6 . خلقنا الله
أو صنعتنا الطبيعة
كي ننجب أطفالاً
ليكونوا أسياداً علينا
وعبيداً لمن يحبّون.
7 . الحلم الوحيد 
الذي يستطيع الواحد منّا تحقيقه
هو أن يكون عاطلاً عن الأمل.
■ ■ ■
من أجل بنتٍ واحدة
أنسى جميع البنات
وأول ما أنساه
بنات أفكاري.
■ ■ ■
الموتُ عادة شائعة
أموتُ من الحب
أموتُ من الملل
أموتُ من الانتظار
وعندما أكفّ عن الموت
سأقدّم إلى مجلس الشعراء
نسخةً من استقالتي.
■ ■ ■
يا أبا فرات!
«أتعلم أنتَ أم لا تعلم»
أننا نستورد الكرّاث
والمعدنوس 
واللهانة
والقرنبيط
وشحّت الدماء في عروق أطفالنا
فقرّر أصحاب الشأن
أن يستوردوا دماءً تكون أفواهاً
لضحايا السنوات المقبلة
كي يجبروا بخاطرك
من جهة
ومن جهة أخرى
سنضمن لكلّ ضحيّة
ما يكفي من الدماء.
■ ■ ■
قالت لي الأيام
لا تبكِ في حياتك إلّا مرّتين
مرّة 
عندما تكون
ومرّة
عندما تكاد أن تكون. قال لي النهر
جميع الأصدقاء من الغرقى
ينتظرون قدومك
بقلوب حافية القدمين.
قالت لي المرآة
لا تحدّق كثيراً بوجهي
فتنسى وجهَك فيّ.
قال لي الماضي
انظر إلى الوراء
كلّ ما تريده 
في الخلف.
■ ■ ■
وحيد 
مثل قطرة نبيذ
في كأس فارغة
ما هذه الصورة الباهتة
قل 
وحيد مثلي.
■ ■ ■
كلّ ما أخشاه
أن يأتي يومٌ
لن أكتب فيه حرفاً واحداً
مخافة أنّ لا يحبّه ممن أحبّهم
ويريده من لا أريد.
■ ■ ■
كلّهم يقولون
«يا ليتنا كنّا معكم
فنفوز فوزاً عظيماً»
الكلّ يحلم بالجنّة
والكل يرفض أن يموت.
■ ■ ■
لو كان الموتُ رجلاً
لما قتلته
وكنتُ سأعلّمه التدخين بشراهة
والشرب في أقرب بار
وحبّ امرأة تُجيد القراءة والكتابة
عندها
سيلقى حتفه
وفي نفسه شيء منّي.
■ ■ ■
لم أرَ كيف فعل ربّك
بأصحاب الفيل
لكنّي رأيتُ بأمّ عينيّ
كيف فعل بأصحابي
■ ■ ■
أنا صانع المعجزات
لم أمش أبداً على ماء
لكن
من فرط هزائمي
سقطت على الأرض 
مزهرية البيت من تلقاء نفسها
ومن فرط ما يتّسع القلب 
صرتُ أحفظ على ظهره
جميع ما لم أكتب 
من قصائدي
وآخر معجزاتي
ذهبتُ هذا الصباح
إلى مقبرة الأصدقاء
ولم أتعثّر في مشيتي
إلّا مرّة واحدة.
■ ■ ■
ترستان تزارا
صديقي العزيز!
سبقَ لكَ أن علّمتنا
كيف نكتب قصيدة دادائية
وها أنا الآن بدوري
سأعلّمك كيف تحنّطَ شاعراً
بسهولة بالغة
خذ قليلاً من المجاز والكثير من الصفات
وكلّ ما يروق لكَ من الاستعارات
وبنفس المقادير من المضاف والمضاف إليه
مثل
بريد البرق
منزل الدم
أيادي الريح 
بئر القلب
سفينة النوم
باخرة الليل.. الخ الخ
اخلط الجميع حسب الاتفاق
أطلق رصاصة الرحمة على المعنى
بعد أكثر من مجلد أو مجلدين
من الأعمال الكاملة
ها أنتَ أمام مومياء ناطقة 
حاضرة في جميع المناسبات.
■ ■ ■
سابقاً كان البكاءُ نادراً
حينئذ
دخلت كلمة دمعة
كلّ القواميس الشعرية
واليوم 
الكلّ يبكي لسبب أو 
بدون سبب
فخرجت الدموع من الشعر
وخرج هو الآخر عليها.

* باريس/ العراق