ترجمة: كريم عبد الخالق
1943:
افتتح مكتب التجنيد الحربي.
أصبح أيزنهاور القائد الأعلى لقوات التحالف.
يستقيل موسوليني.
يُسقِط أبي القنابل على إيطاليا.
أُولد أنا
من دون دليل.

1943:
هناك فندق رخيص في ضواحي ماونتن هوم في أيداهو. وبواسطة نظام سرّي من الشيفرات، تواصل أبي مع أمي عن طريق الرسائل، واستطاعت هي أن تفك نفس الشيفرة لرقم الغرفة وللوقت المناسب لكي تقابله. (لا يسمح لطيار مختص بالقنابل أن يكشف عن مسار رحلته حتى لأقرب الأقربين). يتخذ الفندق الرخيص شكل حدوة حصان، مع غرف صغيرة متطابقة تُحيط ببركة سمك إسمنتية صغيرة، متوهجة بضوء أخضر باهت من مصباح في منتصف الساحة. هناك مقعدان حديديان يواجهان البركة، أسفل شجرتي صنوبر. تجلس أمي على إحداهما بفستان منقش بزهور هاواي كانت قد أحضرته من الفيليبين حين مكثنا هناك. في شعرها الأسود الفاحم وردة كركديه زهرية، بينما تميل أمي قليلاً إلى الأمام، متكئة على ركبتيها وهي تبتسم للأسماك. لديها ابتسامة مغناج ومراهقة، ألاحظها رغم أني لا أعرف التحدث بأي لغة، ولا أستطيع التحكم بأمعائي بعد. يجلس أبي على المقعد الآخر بردائه الكاكي وقبعة الطيار الجلدية. أنا على ركبته، أنظر إلى الضوء الأخضر المتلألئ في البركة. الجو هادئ ومليء برائحة الصنوبر، والنجوم كثيفة في السماء.

1943:
«ستكون لطيفاً إن عدت إلى البيت»
«لا تأتي إلى هنا مجدّداً»
«هذا السحر الأسود القديم أوقعني في شباكه»
«أجيء إلى هنا على جناح وصلاة» (1)

1943:
تُشير أمي إلى سمكة صفراء وتتتبعها بإصبعها، محاولةً أن تجعلني ألحظ تحديداً هذه السمكة وذيلها الطويل المرسل. «مثل عصفور!» قالت بصوت عذب، مليء بالدهشة. «إنها تشبه كثيراً العصفور! أترى؟ ها هي!» مال أبي للأمام، وشعرت بالمقعد الحديدي يتحرك مع حركته. خده الخشن يُلامس خدي بينما يتأمل المياه الخضراء، جناحه الفضي وميدالياته تنغرس في ظهري. نسمة هواء باردة قادمة من الجبال تخطف أنفاسي.

1943:
تقنين الأحذية.
تقنين اللحوم.
تقنين الجبن.
لا زبدة.
روزفلت يُقر 48 ساعة عمل أسبوعياً.
يستسلم الجيش الألماني أمام الروس.

1943:
تزداد أمي انبهاراً بالسمكة أكثر فأكثر. تجلس على ركبتيها الآن على الحشائش، وتميل أكثر ناحية البركة، تُشير وتضحك، تُبعد شعرها من أمام عينيها، تطير زهرة الكركديه من شعرها وتمر أمام عيني. يندفع أبي ليمسكها بينما أسقط من بين يديه. الآن يحملني الهواء، أطير ناحية البركة المتوهجة وزهرة الكركديه الساقطة. أنا مُعلَق، أتأمل الزهرة تلمس سطح البركة من دون أن تغرق، تدور مثل راقصة الباليه، قبل أن أسقط في الضوء الأخضر المتموج. تطفو بطانيتي بجواري.

1943:
اضطرابات عرقية في ديترويت، لوس أنجلوس، موبيل، هارلم وبومونت، تكساس.
يفوز الحصان كونت فليت بالتاج الثلاثي.
جيمس كاغني أصبح «يانكي دودل داندي» (2).

1943:
يرى أبي كابوساً وهو نائم على أحد الأسرة ذات الطابقين في غرفة صغيرة في أوتيل رخيص في ماونتن هوم في أيداهو. أنام أنا في درج صغير تم سحبه على السجادة. أمي تستحمّ بهدوء. بطانيتي معلقة بجوار النافذة لتجف. يمكنني أن أسمع قطرات الماء تسقط منها. يرى أبي القنابل تُمطر على إيطاليا. يرى هذه القنابل تختفي تحته. بينما يسقط هو من حذائه المتعرق إلى حذاء إيطاليا. يرى الوجوه الكارتونية المرسومة على هذه القنابل: وجوه لشياطين، وأبالسة. تسقط. يرى يده البيضاء تفتح نافذة مقصورة الطيار، تحاول أن تمسك القنابل الملونة، قبل أن تدمر وجه إيطاليا.

1943:
يموت رخمانينوف.
يتم حظر الستربتومايسين.
يُقيم جاكسون بولوك معرضه الأول.
كتاب «الرب مساعد الطيار الخاص بي» في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً.
أُولد أنا
من دون دليل.

هوامش:
(1) بالترتيب: أغنية لكول بورتر، أغنية لدوك إلينغتون، أغنية لهارولد أرلين، وأغنية لهارولد أدامسون كُتبت كلّها أثناء الحرب العالمية الثانية.
(2) فيلم Yankee Doodle Dandy (1942)

* كان سام شيبارد (1943 ــ 2017) واحداً ممّن واجهوا الحلم الأميركي مثل المسرحيين آرثر ميلر، وتينيسي ويليامز، وإدوارد ألبي. لم يستطع التغاضي عن تاريخ بلده المثقل بالحرب العالمية الثانية، التي قاتل فيها والده، وحرب الفييتنام. في حياته كتب أكثر من 40 مسرحية، وقصائد وثلاث مجموعات قصصية. قصّة «أيام العتمة» مأخوذة من مجموعته Cruising Paradise Tales الصادرة عام 1996. مثل معظم أعماله، تحوي القصّة عناصر من الثقافة الشعبية الأميركية السياسية والفنية على السواء. وهي تأتي هنا كأدوات أصيلة للتخريب والعبث بالمثل الأميركية العليا، ومؤسسات العائلة والدين والوطن.