برزت آمال قرامي (1962) كرائدة في مجال الدراسات الجندرية، واصلت جهود الباحثة المغربية الراحلة فاطمة المرنيسي بعدما لفتت الاهتمام إليها بكتابها «الردة في الفكر الإسلامي الحديث». الأخير مُنع في تونس قبل 14 كانون الثاني (يناير) 2011، فصدر في المغرب. منذ بروز هذا الكتاب، لم تغِب الأكاديمية التونسية عن واجهة المشهد الثقافي ليس في تونس فحسب، بل أيضاً في الوطن العربي وأوروبا. رغم الهدوء الذي يطبع شخصيتها وملامحها الهادئة، إلا أن قرامي تخفي وراء ذلك الهدوء شخصيةً «شرسةً» في الدفاع عن حقوق المرأة ومختلف قضايا الحريات والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. فهي ليست من الأكاديميين المنضوين داخل الفضاء الجامعي، بل تشارك في كل معارك الحريات سواء عبر مقالاتها في الصحف التونسية والعربية أو عبر الندوات والملتقيات التي تنظّمها أو تسهم فيها. وقد نالت من الإسلاميين الكثير من الأذى عبر وسائل التواصل الاجتماعي في حملات منظمة ترمي إلى تشويه صورتها وتكفيرها. وهي في ذلك لم تكن استثناء، إذ يعاني معظم المثقفين التونسيين، بخاصة المثقفات، من حملات التشويه والتكفير من «ميليشيات الفايسبوك» كما تسمى في تونس. آمال قرامي أستاذة الحضارة المتخصصة في دراسات الجندر من الجامعيين المنخرطين بجدية في الشأن العام. لذلك، فإن مواقفها وظهورها الإعلامي يلفت الانتباه دائماً، بخاصة أنها معروفة باستقلاليتها عن الأحزاب السياسية. وهو ما يمنح مواقفها المصداقية التي يفتقر إليها الكثير من المثقفين سواء الذين احترفوا السياسة وانتموا إلى أحزاب أو المنطوين على أنفسهم... كأن الشأن العام لا يعنيهم
تشرفين على فريق في مجال الدراسات الجندرية، لماذا هذا الاختيار؟
- يأتي هذا الاختيار تلبية لطلب عدد من الباحثات والباحثين الراغبين في الانضمام إلى هيكل غير رسمي يوفّر لهم إطاراً للبحث والتدرّب على تطبيق عدد من المقاربات وممارسة النقد البنّاء. وقد حفّزني هذا المقترح على الخروج من إطار العمل الكلاسيكي إلى فضاء أرحب يسمح بالتفاعل مع الأصوات الجديدة، وفي الوقت عينه، مواكبة أعمال زملائي وزميلاتي الذين قبلوا الانخراط في هذا المشروع كالأستاذة سلوى بلحاج صالح، والأستاذة سلوى السعداوي، بالإضافة إلى أنّ هذه التجربة مكّنتني من اكتساب خبرة في مجال إدارة هذه الفرق والاطلاع على طاقات شبابيّة خلاقة تبشّر بمستقبل علميّ مشرّف.
وعلى خلاف فرق البحث الرسميّة التي تتمتّع بالدعم المالي وتنشط داخل الجامعات، فإنّ هذه الفرق التي أشرف عليها تتفاعل عبر صفحات فايسبوكيّة مخصّصة لكلّ موضوع، وتضمّ حوالى عشرة باحثين في كلّ فريق. لعلّ ميزة هذه الفرق أنّها متعدّدة الاختصاصات (الفلسفة، الأنثربولوجيا، الأدب، التاريخ، الحضارة...) وقد استطاعت أن تجمع البحّاثة في مستوى الماجستير والأساتذة الحاصلين على الدكتوراه أو في صدد إعدادها مع عدد من الأساتذة المساعدين أو المحاضرين، فتجاوزنا بذلك معيار الرتب العلمية والتقوقع حول الأنوات والنرجسيّة التي تجعل عدداً من الجامعيين يرفضون العمل الجماعيّ ويؤثرون الإنتاج الخاصّ. أضف إلى ذلك أنّ العمل من خلال ما توفرّه وسائل التواصل الحديثة من إمكانات، يتيح لعدد من الباحثين (في الجنوب أو خارج البلاد كعمان، والسعودية..) المشاركة في المشاريع من دون تكلّف عناء السفر ويجعلهم يكوّنون صداقات على هامش العمل داخل الفرق «الافتراضية».

ما هي المحاور المقررة في مجال بحوثكن؟
لنا فريق أوّل خصّصناه لدراسة علاقة النساء بالمعرفة والسلطة، وكان مشاركة نسائية صرفة وقد صدرت أعماله ضمن سلسلة «عدسات جندرية» التي أشرف عليها بالتنسيق مع «دار مسكيلياني»، وتنشر بالشراكة مع «دار الرافدين» في العراق. وهي سلسلة تُعنى برصد مساهمات النساء في التاريخ والثقافة والمجتمع، وتبيّن أشكال حضورهنّ وتعبيرهنّ عن ذواتهنّ. لكنّ التركيز على النساء لا يعني إغفال دراسة حضور الرجال وأنماط علاقاتهم بالنساء وتحليل خطاباتهم المختلفة وغير ذلك من المسائل المندرجة في إطار الدراسات الجندريّة، التي تختلف بالضرورة عن الدراسات النسائية أو الدراسات النسويّة وإن تقاطعت معها.
لاحظنا السقوط الأخلاقي للإسلاميين لكن أيضاً لأحزاب أخرى فتيّة مع وصولها إلى السلطة

وأزعم أنّ هذه السلسلة تعتبر الأولى من نوعها في تونس، إن لم نقل مغاربيّاً. وقد صدر العدد الأوّل من هذه السلسلة «النساء والمعرفة والسلطة» في «معرض تونس الدوليّ للكتاب» لسنة 2019 وهو مؤلف جماعي تناول مواضيع مختلفة كدور الكاهنات والداعيات في إنتاج المعرفة، وتصوّر المتصوّفات للتجربة الدينيّة، وإمامة المرأة للصلاة وغيرها من المواضيع التي تقدّم إضافةً من حيث المنهج أو المقاربة أو من حيث طريقة التحليل. وقد سعت كلّ باحثة إلى إبراز صوت المرأة المهمّش ورصد علاقاتها وأدوارها ومساهمتها في بناء المعارف وإبراز خصوصية تجربتها. أمّا العدد الثاني، فقد خصّصناه لدراسة المواريث، ولنا عدد آخر يدرس مواقع النساء داخل الأحزاب، وآخر يحلّل علاقة الجندر بالسنّ.... ولئن كانت هذه المواضيع من اختياري، فإنّ العمل التشاركيّ يبقى منفتحاً على مقترحات يقدّمها البحاثة ويرون أنّها جديرة بالتمحيص والتفكيك. والجدير بالذكر أنّ هذه الفرق تضمّ عناصر متعدّدة من الجنسين وشرائح عمريّة مختلفة من تونس وخارجها. وغاية ما نطمح إليه هو إحداث ديناميكيّة جديدة في المجال الأكاديمي والفكريّ عموماً وتغيير موازين علاقات السلطة المعرفية بين الجنسين حتى تتسم بالتكافؤ.

بعد موجة ما عرف بـ «الربيع العربي»، برزت مجدداً دعوات التكفير والاغتيال بشكل جعل كثيرين يعتبرون أن الإرهاب هو النتاج الطبيعي للربيع العربي، كيف تقرئين هذه الظاهرة؟
ـ ليس التطرّف أو الإرهاب، في تقديري، وليد ما يسمّى بالربيع العربي. فالظاهرة موجودة منذ القدم. يكفي أن نتأمّل في كتب التاريخ وغيرها من المؤلفات، لنفهم أنّ التعصّب والتطرّف والتكفير وغيرها من أنماط السلوك العنيف لازمت المجتمعات القديمة وكذلك المعاصرة. لكن التحوّلات الأخيرة في المنطقة جاءت لتوفّر مناخاً ملائماً لبروز هذه الجماعات المتطرّفة علناً بعدما كان جلّها ينشط بطريقة سريّة وغير رسميّة وفي مناطق جغرافية محدّدة، وهي في الغالب مرتبطة بالجبال والأدغال. على سبيل المثال، عرفت تونس في فترة ما بعد «الثورة» وفي إطار التأسيس لاحترام الحقوق والحريات، بروز جمعيات خيريّة جديدة تمارس الدعوة وتهتم باستقطاب الشباب للأيديولوجيا الجهادية. وعاينّا تنظيم القافلات الدعوية، والخيمات الدعوية وغيرهما من الأنشطة التي أسهمت في «تمكين» هذه الجماعات وحضورها في الفضاء العمومي، لا باعتبارها فئة تبحث عن الاعتراف، بل فئة مهيمنة تريد فرض قوانينها على الجميع. وقد استمتعت بالإفلات من العقاب نظراً إلى أنّ أجهزة الدولة كانت آنذاك تأتمر بتوجيهات قيادات ترى أنّ الأسلمة لا بدّ من أن تكون وفق نسق سريع ما دام الظرف ملائماً لتحقيق الأحلام. وعموماً، يجب الإقرار بأنّ التكفير أو التطرّف ممارسة تثبت أنّ صاحبها ذو شخصيّة معطوبة، وهو غير قادر على فهم الآخرين واحترام حقهم في الاختيار، وهو أيضاً لا يعترف بالقانون وينشط خارج أطر الدولة المدنية في سبيل تحقيق حلم «دولة الخلافة» التي تبقى أوتوبيا.

بعد صعودهم إلى الحكم، تراجع نفوذ الإسلاميين وشعبيتهم في الشارع العربي، هل كان لا بد من وصولهم إلى الحكم لنصل إلى هذه النتيجة؟
ـــ أعتقد أنّ فسح المجال لفاعلين جدد ليضطلعوا بمسؤولية سياسية تخصّ إدارة البلاد في مرحلة عصيبة كان لا بدّ من أن يحدث حتى تختبر قدرة الأحزاب الإسلاموية مثلاً على تجسيد مقولة الحكم «العادل» على أرض الواقع، وحتى نتبيّن مدى التزامهم بالقيم الإسلامية ودفاعهم عن القضايا العادلة (فلسطين...) فلطالما سوّقت الأحزاب الإسلاموية سردية المظلومية لتكسب تعاطف الجميع، ودافعت عن برامجها البديلة ورؤيتها للانتظام البشري، وأعلنت عن مشروعها الاجتماعي الأخلاقي الذي سيحقّق الرفاه والاستقرار... لكن بعدما اختُبرت، سقطت الأقنعة وبرزت مواطن الضعف ولاحت فتنة السلطة والرغبة في الهيمنة، وبرز الانفصام بين المعلن والمضمر والمكتوب في الصحف والممارس على أرض الواقع، والمصرّح به لوسائل الإعلام الغربية والمصرح به لوسائل الإعلام المحليّة... وأعتقد أنّ هذا الحجاب الذي رفع عن الأعين، جعل الناس يدركون التباين بين تمثّلهم للأحزاب الإسلاموية قبل تجربة نيلها السلطة وبعدها.
لكن ينبغي الإقرار بأنّ فسح المجال لمن كانوا في الهامش حتى يكونوا في المركز، قد فضح عيوب النخب السياسية بأجمعها، فلم يقتصر الأمر على الإسلاميين وحدهم، إذ لاحظنا السقوط الأخلاقي لأحزاب أخرى فتيّة وشهدنا الصراع من أجل خدمة المصالح الخاصّة وغيرها من الآفات التي جعلت مسار الانتقال الديمقراطي متعثراً.

الحريات الفردية وفصل المسجد عن الحياة العامة مطلب ملح في الحياة العربية منذ بداية ما يعرف بعصر النهضة في القرن 19. هل هناك أمل في الوصول يوماً ما في العالم العربي لإلى تحصين الحريات والحياة الخاصة ضد تغوّل الكهنوت الديني؟
ـ أعتقد أنّ برامج الإصلاح الفعليّ لا بدّ من أن تنطلق من التنشئة الاجتماعية. المسؤولية تُلقى على الأسرة، إذ يجب تغيير العقليات وتعويد الناشئة على احترام خصوصيات الآخر وقبول الاختلاف باعتباره ثراء. ثمّ يأتي بعد ذلك دور المؤسسات التعليمية في مراحلها المتعدّدة لتكون فضاء لاختبار العيش معاً والاطلاع المعمّق على الديانات المختلفة والثقافات المتنوّعة ومن ثمّ تعديل البوصلة. وتأتي بقية المؤسسات الثقافية والدينيّة لتعضد هذا المجهود التربوي والمعرفيّ، ولتسهم من موقعها في تكوين شخصية الفرد بطريقة تضمن له التفاعل مع الآخر تفاعلاً يولي الأنسنة القدر الأكبر من الاهتمام. وطالما أنّنا نتلكأ في تنفيذ برامج الإصلاح وفي مدّ الأفراد بأجهزة مناعة تمكّنهم من العيش معاً، فإنّ هيمنة الساهرين على بعض المساجد على العقول مستمرّة، ونزعة المحافظة المسيطرة على وزارة الشؤون الدينية متواصلة.

التعصّب والتطرّف والتكفير وغيرها من أنماط السلوك العنيف لازمت المجتمعات القديمة وكذلك المعاصرة

يضاف إلى ذلك استشراء العنف في كلّ تمظهراته. يجب الإشارة إلى أنّ ثقافة المواطنة باتت تفرض على الأفراد تحمّل مسؤولياتهم في الفضاء العام، فمن واجب المؤمن أن يراقب أداء الإمام وأن يحاسبه متى أخلّ بواجبه. ليست مهمّة الدولة مراقبة المساجد بقدر ما هي مسؤولية المواطنين الذين يجب أن يحرصوا على أن يكون المسجد فضاء للعبادة والروحنة لا مكاناً للتناحر وبثّ الفتنة والتكفير وبثّ خطاب الكراهية. وأعتقد أنّ ترسيخ الحريات الفردية عمل طويل المدى يتطلب شرحاً ومناظرات وحواراً ونقاشاً معمّقاً ومقاومة لكلّ محاولات قمع الحريات باسم الدفاع عن المقدّس أو بدعوى الحفاظ على النظام العامّ، فهذا النسق من التبرير ما عاد مقبولاً.

هناك اهتمام كبير بقراءة التراث العربي الإسلامي، بخاصة في كل ما يتعلّق بقراءة النص الديني. ما هي العوائق التي تحدّ من جهد الباحثين؟ هل هم الدعاة الجدد؟
ـ لاحظنا في العقدين الأخيرين شغفاً بالدراسات القرآنية والدراسات الإسلامية عموماً وحماساً لدى البحاثة يدفعهم إلى كسر جدران الصمت، وتناول قضايا عُدّت في ما مضى من المسكوت عنها. هذا بالإضافة إلى صدور أعمال مهمّة في مستوى الدراسات القرآنية والدراسات الإسلامية عموماً، وقد كان حضور الدارسات في هذا المجال مثيراً للانتباه أكان عربياً أو إسلامياً أو غربياً. نشير في هذا الصدد إلى القراءات التي تهدف إلى أنسنة دراسة النصوص الدينية مثل أعمال أمينة ودود، وأسماء برلاس، وهالة أفشار، وعزيزة الهبري، وكاسيا علي، وميريام كوك، وأميمة أبو بكر، وأسماء المرابط، وزهراء عليّ...
لكن سرعان ما خفت هذا الاهتمام لدى الأجيال الجديدة، على الأقلّ في تونس، وهو أمر متوقّع، فليس سهلاً على الأجيال التي عاشت التحوّلات الأخيرة بعد بروز «داعش» أن تميل إلى دراسة الأديان، بخاصة الدراسات القرآنية. ولعلّ ما يحدث في العراق على وجه الخصوص من عزوف الشبّان عن حضور حلقات النقاش في الحوزات ولامبالاتهم بالمؤلفات الجديدة الصادرة في حقل الدراسات الدينيّة، خير دليل على تحوّل على مستوى أشكال المعرفة وطرق الخطابات المتعدّدة حول الشأن الديني. فليس غريباً إذن أن تصبح الرواية في صدارة الاهتمام وأن تتحوّل إلى المركز.
أمّا إذا نظرنا في تأثير هذه الكتابات في تغيير العقليات وتشكيل فهم مختلف للنصوص، فإنّه يبقى محدوداً ومرتبطاً بالنخب التي تتابع هذا الإنتاج في المجال الديني، وهو أحياناً تأثير لا يتعدّى الأكاديميا بعدما تضاعفت الفضائيات وصار الدعاة نجوماً ينشرون فتاوى وآراء تأسر المتابعين وتجعلهم مسلوبي الإرادة واقعين تحت هيمنة جيل من الدعاة، أسهم في التلاعب بالعقول وترسيخ الاستلاب. ولكن لا يتوقّف الأمر عند هذا العائق، فثمّة مسائل تتعلق بالرصيد المادي المسند للبحوث، فعادة ما تنظر وزارة التعليم العالي إلى الإنسانيات على أنّها معارف ثانوية ومن ثمّ لا تخصّص ميزانية لإجراء البحوث أو منح بحثية في هذه النوعيّة من الدراسات التي تتطلّب اطلاعاً معمّقاً وجهداً مضنياً وشجاعة وجرأة.

إلى أيّ حد يمكن اعتبار مناهج التعليم المتعلقة بالتربية الإسلامية التي يتلقاها الأطفال والشبان مسؤولة عن التشدّد الديني؟
ـ أعتقد أنّنا بحاجة ماسّة إلى تقييم تجربة تدريس التربية الدينية والتفكير الإسلاميّ والأديان لنقف عند الهنات أوّلاً ونحاول طرح مشاريع إصلاح حقيقية ثانياً. بعض النصوص بحاجة إلى إعادة النظر في مدى ملاءمتها للسياق الحاضر، وبعض المواد تقدّم بطريقة تلقينية تكرّس الفكر الوثوقي، ولا تساعد على ممارسة الفكر النقديّ. يضاف إلى ذلك أن طرق تعليم هذه المواد لم تواكب الثورة الرقمية ولم تعد تستهوي التلاميذ، ممّا جعل العزوف عن حضور الحصص المخصصة للتربية الدينية ظاهرةً مستشريةً في كل المعاهد، ولا يمكن أن لا نتحدث عن دور المربّي. بعضهم أضحى يفرض قناعاته على المتقبلين ويعاقبهم متى طرحوا أسئلة تبدو له من المسكوت عنها، والبعض الآخر صار يمتحن التلاميذ على مسائل خلافية مرتبطة بالأيديولوجيات، وغير ذلك من الممارسات التي تثبت أنّ الإطار التربوي بحاجة إلى إعادة تأهيل حتى يتحمّل مسؤوليته الفعلية وهي تحصين الناشئة من خطر التقوقع على الهوية والانغلاق والتعصب وإلغاء ملكة التفكير والإقبال على التكفير باعتباره ممارسة يسيرة لا تتطلب جهداً كبيراً.

عدد كبير من الباحثات التونسيات في مجال الإسلام المبكر وقراءة النص الديني، هل نحن إزاء مدرسة تونسية في «الفقه» الحديث؟
ـ بالفعل أطلق عدد من المفكرين العرب والمستشرقين تسمية «المدرسة التونسية للدراسات الدينية»، وقد أقرّ معظمهم بفرادة هذا الجيل الذي كرّس جهده لمقاربة النصوص الدينية (التفاسير، الحديث، الفقه...) بمناهج جديدة ومقاربات متعددة (الفيلولوجيا، الانتروبولوجيا، السوسيولوجيا، النقد النسوي...). لعلّ ميزة هذه المدرسة بروز أسماء باحثات تونسيات كناجية الوريمي بوعجيلة وألفة يوسف وزهيّة جويرو وفرضنّ احترام المتقبّل العربي والغربيّ. حتى إنّ رسائل بحث أُنجزت حول أعمال ألفة يوسف وأعمالي واطلعت عليها في جامعات مختلفة: فلسطين، العراق، ألمانيا، إيطاليا... وهو أمر مشرّف يؤكّد المنزلة التي بلغها عدد من الأساتذة وإن لم ينتزعوا الاعتراف في بلدهم.