موضوع كتاب «وجوه محمد: نبي الإسلام في الإدراك الغربي من العصور الوسطى إلى يومنا هذا» (منشورات جامعة برينستون ـ 2019) ليس محمد، نبي الإسلام، وإنما «ماهوميت» mahomet وهو نعت للشخص الذي تخيله وأنشأه مؤلفون أوروبيون غير مسلمين بين القرنين الثاني عشر والحادي والعشرين. لذلك، يؤكد الكاتب جون ف. تولان أنه يميز «محمد»، أي الشخص التاريخي والشخصية الموروثة في التقاليد الإسلامية، عن مختلف نعوت اسمه في اللغات الأوروبية أو تشويهاته مثل «ماخوميت» و«ماثومي» و«مافوميتوس» و«مواميد» و«ماهوما»، و«ماهوميت». كما يدرس الوجوه المتغيرة لماهوميت هذا في التصورات الغربية لنبي الإسلام.

لقد كان محمد في منظور الأوروبيين والأميركيين غير المسلمين هدفاً لكل شيء: من اللامبالاة أو الخوف أو العداء إلى الفضول والإعجاب. بالتالي، فإن الكاتب وهو مؤرخ أديان متخصص في العلاقات بين المسلمين والعالم اللاتيني في العصور الأوروبية الوسطى، يقول إنّ هدف مؤلفه تقديم نظرة عامة على هذه الآراء «الغربية» لمحمد.
لقد ألهمت شخصية محمد الأوروبيين الذين انتقدوا سلطة الكنيسة في مجتمعاتهم أو الذين لم يقبلوا بعض عقائدها. فعلى سبيل المثال، استخدم التوحيدي ميغيل سيرفي القرآن لانتقاد مبدأ التثليث لينتهي الأمر به للحرق حياً في جنيف الكالفينية. وفي خضم الحروب الطائفية الدامية التي كانت تمزق أوروبا، تطلّع البعض لتسامح التنوع الديني القائم في القرآن وقد مارسه العثمانيون أنموذجاً على أتباعهم الأوروبيين.
صوّر العديد من كتّاب إنكلترا وفرنسا في القرنين السابع عشر والثامن عشر محمد على أنه مصلح ألغى امتيازات رجال دين فاسدين أسرى الخرافات، وشددوا على تسامحه مع اليهود والمسيحيين، وأنه أعاد تأسيس روح التوحيد الحقيقية.
في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، صوِّر محمد على نحو متزايد على أنه «رجل عظيم»، وبطل قومي عربي جلب القانون والدين والمجد لشعبه.
لقد كان محمد في قلب الخطاب الأوروبي عن الإسلام على نحو دائم. في منظور المؤرخين الصليبيين في العصور الوسطى، كان إما معبوداً ذهبياً يعبده المسلمون، أو هرطقة داهية صنعت معجزات كاذبة لإغواء العرب بعيداً عن المسيحية. الهدف هو تسويغ الحملة الصليبية لانتزاع الأراضي المقدسة من سيطرة المسلمين. وفي القرنين التاسع عشر والعشرين، كانت صورة محمد في «الغرب» بصفته دجالاً لتبرير الاستعمار الأوروبي للأراضي الإسلامية وتشجيع عمل المبشرين المسيحيين.
هذا العداء تجاه الإسلام ونبيّه هو جزء مهم من القصة التي يتم سردها في هذا المؤلف. فمحمد يحتلّ مكاناً مهماً ومتناقضاً في الخيال الأوروبي؛ من الخوف والكراهية إلى الانبهار والإعجاب، لكن نادراً اللامبالاة.
يذكر الكاتب حادثة مهمة ذات مغزى للعمل جرت في 2 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1808 عندما التقى غوته ونابليون بونابرت في مدينة إرفورت الألمانية وتناقشا في السياسة وتحدثا في الأدب. وعندما علم نابليون أن غوته ترجم إلى الألمانية مسرحية فولتير Mahomet الوغد الوهمي الذي مثَّل التعصب (بهدف توجيه نقد للكنيسة الكاثوليكية)، قال إنها لم تكن مسرحية جيدة ورسمت صورة غير صحيحة عن شخصية كاريزماتية وقائد عسكري عبقري كأنموذج يحتذى به، ورجل عظيم غيّر مجرى التاريخ. في وقت لاحق، تغيرت صورة محمد في كتابات غوته، إذ استحال النبي الأنموذجي وشخصية سمحت له باستكشاف الفواصل بين النبي والشاعر. هذه الحادثة تظهر أنّ Mahomet هذا لم يكن في ظنّ هؤلاء الرجال الثلاثة وفي منظور العديد من الأوروبيين الآخرين مجرّد شخصية تاريخية بعيدة ونبي لدين أجنبي، بل شخصية تمثل قصتها وتراثها الحي مصدراً دائماً للفضول والقلق والدهشة والإعجاب.
صوّره كتّاب القرنين السابع عشر والثامن عشر مصلحاً ألغى امتيازات رجال الدين الفاسدين


قسم الكاتب مؤلفه إلى تسع فصول متتالية كرونولوجياً. في الفصل الأول، نرى أن بعض الأوروبيين ــ ابتداءً من القرن الثاني عشر إلى السابع عشر وما بعده ــــ صوّروا الإسلام على أنه عبادة أوثان وتوهموا أنّ «ماهوميت» هذا هو أحد كبار آلهتهم. في الفصل الثاني، يصوّر العديد من مؤلفي العصور الوسطى «ماهوميت» مؤسساً إنسانياً بالكامل لنسخة جديدة منحرفة عن المسيحية، أي بدعة أو هرطقة.
قد يتوقع المرء نهجاً أكثر دقة من المسيحيين في إسبانيا حيث كان الإسلام حاضراً منذ وصول قوات طارق بن زياد في عام 711 إلى طرد الموريسكوس في القرن السابع عشر. في الواقع، درس علماء مثل أسقف توليدو رودريغو خيمينيز دي رادا المصادر الإسلامية في حياة محمد في القرن الثالث عشر بهدف تعزيز الصورة المثيرة للجدل عنه باعتباره نبياً كاذباً ومتمرداً ضد السلطة السياسية الشرعية وهو موضوع الفصل الثالث.
المشهد المذهبي في أوروبا كان يمرّ باضطرابات هائلة أثارها كل من الإصلاح البروتستانتي والغزو العثماني لكثير من جنوب شرقي أوروبا ووسطها. لفهم هذه التغييرات، حاول العديد من المؤلفين المسيحيين تحديد الاختلافات والتشابهات بين الكاثوليكية والبروتستانتية والإسلام وهو موضوع الفصل الرابع.
شهدت إنكلترا أيضاً اضطرابات سياسية ودينية في القرن السابع عشر وجذب نبي الإسلام إلى المناقشات الإنكليزية، وهو ما سنقرأ عنه في الفصل الخامس. وفي عام 1649، نُشرت أول ترجمة باللغة الإنكليزية للقرآن وهو نفس العام الذي شهد قطع رأس الملك تشارلز الأول وتأسيس الكومنولث. تتعلق مقدمة هذه الترجمة بحياة ماهوميت، ما يجعله متمرداً على السلطة الشرعية وماكراً وساخراً من التسلسلات الهرمية الاجتماعية القائمة منذ زمن طويل وساخراً منها، ما يوحي بالتماهي مع أوليفر كرومويل الذي كان في نظر الملكيين ماهوميت جديداً.
في فرنسا في القرن الثامن عشر، استُخدم ماهوميت بطريقة مماثلة لمهاجمة صلاحيات الكنيسة الكاثوليكية، كما سنرى في الفصل السادس. ورسمه بعضهم على أنه دجّال من أجل ربط تعصّبه بالمسيحيين.
لقد رأينا من رواية لقاء غوته بنابليون أن الأخير كان معجباً بمحمد. وفي الفصل السابع، سنرى أنه كان أيضاً أنموذجاً يحتذى به: خطيب مثير وجنرال لامع ورجل دولة حكيم. الرومانسيون في القرن التاسع عشر، من غوته إلى كارلايل ولامارتين وضعوا كلاً من محمد وبونابرت في بانثيون الرجال العظماء الذين غيّروا مجرى التاريخ. ولأن الرجل العظيم لا يمكن أن يكون دجالاً، فهو بالضرورة صادق، وهو ما يؤكده كارليل والعديد من رومانسيي القرن التاسع عشر. إذ يتفقون على أن صدق محمد وقيمه الروحية العميقة تنعكس في أسلوب حياته المتواضع والكرم الذي أكسبه حب شعبه وإعجابه. في نظر هؤلاء المؤلفين، آمن محمد بالأصول الإلهية لإلهامه؛ ولامارتين يقدم صورة نفسية عن عبقري وصوفي مقتنع بأن رؤاه تأتي من الله. إن روح محمد تشرق أكثر عندما تُرى من أوروبا المادية المتشككة بشكل متزايد.
تختلف الأمور بعض الشيء عند الأشكناز في القرن التاسع عشر حيث كان بعض أهم علماء القرآن الكريم والأحاديث من اليهود الألمان والمجريين. وكان أبرزهم أبراهام غايغر الذي كان أحد قادة الحركة الإصلاحية التي سعت إلى تحديث اليهودية من خلال تبسيط طقوسها وجعلها أكثر قابلية للتكيف مع المجتمع الأوروبي وهو موضوع الفصل الثامن.
جادل عدد من المؤلفين الأوروبيين في القرن العشرين في سياق إنهاء الاستعمار وتزايد الدعوات للحوار بين الأديان والثقافات بأن على المسيحيين أن يعترفوا بمحمد على أنه نبي، وهو موضوع الفصل التاسع والأخير.
يلخص الكاتب القول بأن استطلاع مؤلفه يبيّن أن محمد والإسلام عنصران لا يتجزآن من الثقافة الأوروبية، سواء تم استخدامه كرقاقة لتعريف الذات أو ما هو غير مسيحي أو غير أوروبي أو غربي، أو ما إذا كان قد دخل في مناقشات أوروبية حول مفهوم الثالوث والطهارة والتسامح الديني والروحانية. أما الذين يظنون أن الإسلام ومحمد كانا مهمشين إلى حد ما في الثقافة الغربية، فهم مخطئون لأن الأوروبيين كانوا يتحدثون عنهما ويتجادلون فيهما طوال قرون.

Faces of Muhammad: Western Perceptions of the Prophet of Islam from the Middle Ages to Today. Princeton University Press, 2019. 328 pp., 17 b/w illustrations. john v. tolan