زعموا أنّ شيطاناً من نسل نبيل، بقِيَ عبر الزمن مَزْهُواً بجمال خَلْقه وخُلُقِهِ.. التقى فجأة وبلا سابق توقّع أو موعد أو تخطيط، بملاكَين أُنثيي الهوية في أصل الروح الأولى لنشأتهما التي تمَلّكَتها دائماً نزعة مثالية سوريالية متأصّلة في جينات روحيهما الخالدتين بقوة الجمال! لم يكن متوقّعاً أبداً ولم يخطر على بال أحد من معارفهما يوماً أن يقع ذلك الشيطان النبيل مذهولاً في حبهما منذ النظرة الأولى لرؤيته لهما. هام في سرّ جمالهما هياماً حقيقياً نقياً صافياً لا تفسير له أبداً! لم يحدث له من قبل أن رأى كائناً أو مخلوقاً ينعم بجمالهما وكمالهما، مما غيّر له ذلك في تلك اللحظة المباركة كل طبيعة حياته وأهدافه. فلم يكن قد رأى من قبل، مخلوقاً آخر يتفوّق عليهما بصلابة وتكامل تلك الملامح والعطايا الجمالية الخارقة التي يتمتعان بها لجهة تناسق وانسجام تكويناتهما الفيزيائية والروحية وبكينونة ثنائية متماسكة الأبعاد، بما لا تُحاكى ولا تُقارب في وحدتها تلك التي تجسدت في كمال وانسجام مفهوم الجمال الذي طوره وهذّبه ذلك الشيطان النبيل خلال كل رحلة حياته وتنقّله بين كل العوالم التي زارها عبر هذا الكون المترامي الفسيح، ولا كان قد رأى مثلها عبر وخلال تعدد وتنوع المخلوقات والكائنات التي زارها وعرفها. فما كان من شدة وعظمة دهشته وانبهاره بروعة جمال وبهاء الملاكَين إلا أن شعر للمرة الأولى في حياته وبشكل غريزي تلقائي لا تفسير له، بأشياء متنوعة ليس أولها الحب والعشق والهيام ولا ثانيها الحاجة الماسه لوصف وتعميم كمال محاسنهما الجمالية المتفوّقة بين العباد. ولم يكن ثالث ما شعر به تجاههما محدداً بمقاييس جمالية ثابتة يمكن محاكاتها لا بالوصف ولا بالولادة ولا بالتقليد ولا بأي نوع من أنواع الاستنساخ. كأن الخالق أراد بخلقهما لمرة واحدة فقط أن يقول عبرهما لبقية الخلق أنهما سيبقيان نموذجاً لعظمته وبهائه. فخلقهما وكسر القالب كما قال يوماً أهل الساحل الفينيقي، وما زالوا يقولون حتى اليوم! لما كانت اللغة الأولى والوحيدة التي يعرفها ذلك الشيطان النبيل الهائم بالحب والوله لا تسمح له بالتبحّر في وصف وتأويل ذلك الجمال وتلك المفاتن، بما يوازيها من لغة وعبارات وتعابير ضاقت وامتنعت عليه لإنجاز مهمته الوجودية الجديدة التي نذر لها نفسه. لذلك، فقد اسْتَعَرَت وتأجّجت لديه الحاجة والرغبة إلى امتلاك كل مداخل ومخارج ومعارج لغات الكائنات والمخلوقات الناطقة في الكون عبر الأدب والشعر والوصف والنثر والتبجيل بكل تنوّع مذاهبها وتياراتها ومدارسها. عندها ولمّا شعر الملاكان بجمال قدسية واستثنائية ما أحدثاه ويحدثانه لذلك الشيطان النبيل من تغييرات طالت طبيعته وجوهر وجوده لتأخذانه من نبل شيطنته إلى طبيعة أخرى مختلفة ذات ميول وتوجهات روحية ملائكية الهوى والهوية والتحسّد. عندها استعرت لديهما وبالمقابل رغبة متأججة لإغوائه وإثارة المزيد من ديمومة الإعجاب لتثبيت تلك التغييرات الملائكية الجديدة في جيناته إلى الأبد. فتعمدتا أن تواجهانه سافرتين بإحدى مفاتنهما الكثيرة التي خلقهما الرب بها وأخفاها عن بقية العباد والمخلوقات لألف سبب وسبب! تعمدتا إذن أن تواجهانه بإحْداها فقط، دون أي حاجة لمداراة أو رأفة به وبخبرته ومعارفه وقدراته المحدودة على التحمل والاستيعاب، لتكون منذ يومها صدمته الجمالية المستمرة إلى الأبد! فاتفقتا سوياً على أن تخلعا عن صدرهما قطعة سرية سوتيانية الهوى كانت تستر إحدى أجمل مفاتنهما الأنثوية، فتكشفان له عمداً بذلك عن مكمن الروح الجمالية وسرها في توقه الأول لانشراح الصدر الأبدي عندها! بانت عليه الدهشة لتبلغ أعلى درجات الانبهار والسماحة والتسليم... تماماً عند أصل ومنبع الجمال الأنثوي كما اختبره في تلك اللحظة الجمالية المباركة، وكان عندها أن شعر ولأول مرة بولادة غريزته الذكورية الأولى، فيما ظنّ وقتها أنه مشروع الرغبة الأولى المتأججة بشرارة مشروع الخلق الإلهي الذي شرّع له ولهما أولاً ولنا أخيراً الرغبة الأولى والقبلة الأولى والحب الأول الذي لا يراه العاشق ويمارسه إلا عند أعلى درجات قوته وتفاعله، وهو يغلق عينيه عن المتوفر والمحسوس إلى المرغوب في السر القديم والمتخيل اللامعروف واللامُحدد واللامُختبر في لحظة الخلق الجمالية الأولى.. ليفضي بنا ذلك إلى مشروع البحث عن سر البدايات الأولى للحب الأول الذي لا ولن تنطفئ جذوته وشعلته أبداً، لا في القلب ولا في الذاكرة ولا في الغريزة ولا حتى في قدرة الخيال البشري على تصوره محدداً بقانون أو جذب أو عِلّة، بل ولذلك استمرت وتستمر وتتأجج ظاهرتنا الجديدة المجهولة والمكتسبة هذه مع توارثنا لها في الجينات البشرية لاحقاً. عندها تحديداً، ذُهِل ذلك الشيطان بإمكانيات نُبْلِه الخلّاق أولاً، كما صُعِق بقدرة غريزته الجمالية اللامحدودة ثانياً لناحية توازيها بروعة وجمال ما رأى واختبر لأول مرة في حياته من حب لامحدود وهو يتبادله مع هاتين الملاكين اللتين كشفتا له عن أحد أسرار الخلق، رافعتين له كما ذكرنا تلك القطعة السوتيانية الهوى والهوية، والوظيفة لتظهرا له إحدى أجمل مفاتنهما السرية لناحية الصدر الذي ما زال يخفي القلب والفؤاد وتفاصيل وأسراراً أخرى، بقيت مخبأة عليه عبر الخلق منذ تلك الحادثة حتى الآن. وما كاد صديقنا يهيم بنبله على وجهه حتى عاد إلى رشده وتاب عن شيطنته من هول وتأثير جمال ما رأى وهو يعتقد عبرنا أنه قد رأى كل شيء! ومنذ ذلك اليوم، أدركته كما أدركتنا بالوراثة والجينات حرفة الأدب كهدية من الرب ليسعى مُبشّـراً بها بين أقرانه الملائكة (المتشيطنين بالنُبْل) كرسالة مقدسة لنثر وتعميم الجمال مجتهداً بها وفخوراً بأهمية الخلاص عبر عبادته الجديدة لديانة الجمال وهو يسعى لنشرها بحب وبلا كلل وفي جعل رسالته الجديدة السامية تلك أحد أهم أهداف وجوده عبر رحلة حيواته الماضية والآتية في هذا الكون الفسيح المترع جمالياً بما يشبه الكمال. تاب صديقنا ناثراً بالشعر، وشاعراً بالنثر ومبدعاً بالأدب. نحتاً وصوتاً وموسيقى وشعراً وتلحيناً ورسماً وعزفاً... هكذا ومنذ ذلك الوقت تغيّرت أهداف المشروع الإلهي الخاص برسالة الإنسان وقلّ الاهتمام بالدين المؤسسة ليزداد بالدين - الجمال. وقلّت منذ ذلك الزمن الحروب الطائفية والمذهبية حتى اختفت لتفيض كل اللغات بامتداداتها المشتركة في أَلْسُن الممالك والأمم بتنوع الغنى في اللغة والخيال والبلاغة، لتزداد جمالياتها في انفتاح على مفاتيح التأويل لديها لفك أسرارها الجمالية القديمة وهي تسير في الكينونة لتجلو وتنتفض بروحية الانفتاح والتجدد والمعاصرة ومداراة الصدق والإخلاص ... كلها تسارعت بتقدمها وأعلنت رايات أنوارها وعناوين وحدود ممالكها ولغاتها وآدابها وهي تشرق تحت راية الفكر والشعر والرسم والنحت والموسيقى بخصب الإبداع والمودة والرحمة والوله وأنوار الروح القدس الحقيقي حتى قيل في الكتب الأولى لمخطوطات الحكمة، بأن سرّ الخلق والجمال لم يعرف له من قبل بذخاً بالحب والفكر والأدب والإبداع في متونها بهذا المستوى والرقي والمناعة! كأن ما حصل للشيطان النبيل لحظة تلك الواقعة السوتيانية الهوى المباركة لم يكن مقدّراً له ليكون بهذا الوقع، كما لم يكن ما قبل وقوعه ليشبه ما بعده، أو ما سيكون عليه حالنا به بعد عقود وقرون بأي شكل ولون ومضمون!
* لبنان