القراء المتابعون يعرفون أنّ ثمة بحوراً من الحبر سكبت في الكتابة عن إعلان بلفور/ وعد بلفور، وأن المكتبات العالمية تحوي ملايين الكلمات عنه. لذلك، فمن الطبيعي أن يسأل سائل: هل ثمة من حاجة إلى مؤلف جديد عن ذلك الوعد/الإعلان؟ سؤال خطر لي عندما قرأت عن مؤلف الكاتبة والباحثة سحر هنيدي «التاريخ الخفي لوعد بلفور» (or books 2019). وإجابتي بعدما قرأته هي بالإيجاب، رغم ملاحظاتي بخصوص جوانب أعُدّها أساساً عن هذا العمل المهم.توضح الكاتبة أنه رغم وجود عشر مسوّدات للإعلان، إضافة إلى شكله النهائي، وقد أثرت عملها بصور تلك الصياغات ومصورات وثائق أخرى، فإنها لا تظهر في المؤلفات ذات الصلة. وما يثير الدهشة أن ذلك لم يجد له مكاناً في التاريخ الإمبراطوري البريطاني، مع أن تبعات شؤون 1917 وإصدار إعلان بلفور لا يزال يتردد صداهما في السياسة العالمية، ما يوضح أنّ ثمة فهماً ناقصاً لكيفية ظهور تلك الوثيقة التي صيغت لتعني ما نصِفه في العربية بأنه «حمّال أوجه».


احتوى إعلان بلفور على تعهدين قالت لجنة التحقيق الملكية (لجنة بيل) في عام 1937 إنهما «غير متوافقين. فالحكومة البريطانية ظهرت «مؤيدة» لإقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين، لكن بشرط حماية الحقوق المدنية والدينية لـ«المجتمعات غير اليهودية القائمة». توضح الكاتبة أنه تم تجنب الإشارة بالاسم إلى السكان العرب في فلسطين الذين كانوا يشكلون عندئذ 93% من السكان، وهو ما اتفق مع النظرة الصهيونية المتمثلة في تجنّب نشوء «المشكلة العربية».
تقتبس الكاتبة من بعض المؤلفات ذات الصلة، ومنها ذلك العائد إلى مراسل «ديلي ميل» خلال أوائل عشرينيات القرن الماضي (زار فلسطين في ذلك الوقت) واسمه جيه إم إن جيفريز الذي ذكّر القرّاء بأن «المسودات سافرت ذهاباً وإياباً، داخل إنكلترا أو عبر المحيط، ليتم فحصها. هناك نقطة واحدة لا شك فيها، وهي أن كل ما يمكن العثور عليه في إعلان بلفور وضع عمداً. ليس ثمة مصادفات، وإذا كان كان هناك أيّ غموض فيه، فهو مقصود.
تلفت الكاتبة إلى جانب آخر يضفي أهمية على عملها فتقول: «مع وجود كمّ هائل من المواد عن إعلان بلفور ووفرة التفسير القانوني والسياسي والتاريخي، لم ينظر أحد حتى الآن في ما قالته الحكومة البريطانية نفسها حول الأصول والدوافع وراء الإعلان. كما أنه تبين لها أنه على الرغم من أن «مكتب المستعمرات» اكتشف في عام 1923 أن وزارة الخارجية كانت تحتفظ بسجلات قليلة جداً، إن وجدت، عن أصل إعلان بلفور، إلا أن دراسة المحاضر الداخلية للمكتب الاستعماري من تلك الفترة لا تظهر فقط تاريخ المفاوضات التي قادت حتى هذا الإعلان، بل تقدّم أيضاً لمحة عن كيفية تأثر الأسئلة من هذا النوع بموظفي مكتب المستعمرات والمسؤولين الرفيعي المستوى. كما أنها تجادل في أن تفسيرات إعلان بلفور المنبثقة عن «إدارة الشرق الأوسط» في المكتب الاستعماري، بعد خمس سنوات من صدوره، هي التي ستؤثر على التطورات المستقبلية في المنطقة أكثر من الإعلان نفسه».
إضاءة على بريطانيين غير معروفين مارسوا أدواراً أساسية في إصدار الإعلان


يركز هذا العمل بالتالي على تصدّي الحكومة البريطانية لدوافعها الخاصة في ما يتعلق بالإعلان، بعد خمس سنوات من إصداره، نتيجة للجدل البرلماني في عام 1922 واكتشاف عدم وجود أي من الوثائق التي كانت معروفة في وزارة الخارجية، ما أعطى رئيس قسم الشرق الأوسط في مكتب المستعمرات (المسؤول عن فلسطين منذ عام 1921) جون إيفلين شَكبرج حرية البحث عمن يتذكر تلك الأحداث لتسجيل ذكرياتهم عن تلك الأحداث في الذاكرة، من أجل إنقاذ أي حساب رسمي على الأصول المبكرة والمفاوضات التي سبقت إعلان بلفور.
ينقسم هذا الكتاب إلى فصلين. توفر «الخلفية التاريخية العامة» سياقاً تاريخياً عاماً واسعاً للقراء الذين ليسوا على دراية بالتاريخ الدبلوماسي والإقليمي، وخاصة التاريخ الذي يؤثر في فلسطين. الفصل الثاني يشكل جوهر هذا العمل، ويستكشف التفسير البريطاني الرسمي للأحداث التي أدت إلى إعلان بلفور، بناءً على تفسير «مكتب المستعمرات»، ويلقي الضوء على جانب غير معروف في هذا الخصوص، وهو ندرة السجلات البريطانية الرسمية في ما يتعلق بالإعلان، رغم وجود مؤلفات واسعة عن الأشهر التي سبقته، أي منذ نيسان إلى تشرين الثاني.
يلقي الفصل الثاني أيضاً الضوء على وظائف مسؤولين بريطانيين غير معروفين من قبل مارسوا أدواراً أساسية في إصدار إعلان بلفور، ومنهم رجال الاستخبارات العسكرية، وغيرهم من الشخصيات الحكومية المؤثرة التي كانت مؤيدة للإعلان.

The Hidden History of the Balfour Declaration. or books 2019, 246 pp. sahar huneidi *