خلال لقاء جمع تشي غيفارا بثوريين غربيين، من بينهم أميركيون، أعرب هؤلاء عن رغبتهم في الانتقال الى كوبا للمشاركة في بناء الاشتراكية، فأجابهم غيفارا بأن وجودهم في المراكز الامبريالية ــــ «قلب الوحش» على حد تعبيره ــــ يضعهم في موقع استراتيجي متقدم في النضال ضدها. نعوم تشومسكي، الذي يطفئ اليوم شمعته الـ 91، ما زال يقوم بمهمته كثوري يقاوم الامبريالية في قلبها على هدى ارشادات غيفارا. نذر عالِم الألسنية حياته للمعركة الايديولوجية والسياسية معها، شارحاً آليات عملها كنظام، ومحدداً طبيعة القوى المسيطرة في داخلها، بخاصة تلك المعنية بالسياسة الخارجية، والدور الطاغي للمجمع الصناعي- العسكري وكارتيلات النفط في صياغتها.
خصص تشومسكي جزءاً هاماً من مساهماته للتصدي لما أسماه «صناعة الاجماع» وهي الوظيفة الأولى لوسائل الاعلام المهيمنة، أو ما أسماه المجمع الاعلامي- العسكري، أي تأمين الدعم لسياسات الطبقات المسيطرة، وخاصة لحروبها العدوانية، في أوساط الأغلبية الشعبية داخل الولايات المتحدة عبر ترويج سرديات عن انسجامها مع القيم الأميركية ودفاعها عن المصلحة الوطنية في مواجهة أعداء يمثلون الشر المطلق «الشمولي والظلامي» مهما تنوعت هوياتهم الوطنية أو الايديولوجية. لقد تحول تشومسكي بفضل عمق تحليلاته وثبات مواقفه المبدئية الى مرجع فكري لا غنى عنه للعديد من الثوريين عبر العالم منذ ستينيات القرن الماضي الى اليوم. أحد أبرز هؤلاء، الرئيس الفنزويلي السابق هوغو تشافيز، لم يتردد، من على منبر الأمم المتحدة، في تقديم نصيحة للأميركيين بقراءة كتاب تشومسكي «السيطرة على العالم أم انقاذ الكوكب؟ سعي أميركا للهيمنة الشاملة» بدلاً من مشاهدة «سوبرمان».