اكتشف ناووس الملك أحيرام، ملك جبيل، عام 1923 على يد بيار مونتي. وعلى الناموس نقش يتألف من قسمين: قسم على الناووس، وقسم آخر على غطائه. القسم الأول، وهو الأقصر، يخبرنا أن إتوبعل ملك جبيل صنع هذا الناووس لأبيه أحيرام. أما القسم الثاني، وهو الأطول، فيستدعي اللعنة على من يفتح الناووس ويزيل غطاءه. وتعتقد الغالبية أن نقش أحيرام أقدم نقش بين أيدينا بالأبجدية الفينيقية. وقد وُقّت النقش في البداية بالقرن الثالث عشر قبل الميلاد لوجود قطع تحمل اسم الفرعون تحتمس الثاني في المدفن. لكن في ما بعد، صار الاتجاه المركزي يوقته بالقرن العاشر قبل الميلاد. وهذا التوقيت على علاقة مباشرة ما بماء جاء في التوراة عن حيرام ملك صور وعلاقته التجارية والسياسية مع الملك سليمان. أي أن نصوص التوراة عن سليمان الأسطوري هي التي وقتت النقش في الحقيقة.
ولست أنوي في هذا المادة التورّط في نقاش القضايا المعقّدة المتعلّقة بتوقيت النقش ولغته، وما إلى ذلك من قضايا. بل أنوي أن أحصر كلامي هنا بالكلمتين الأخيرتين في نقش غطاء الناووس اللتين توافق الغالبية على قراءة دوساد لهما: «لفف. شرل». فهما لغز القش كله: «ربما كان اللغز الرئيسي لنقش التابوت كله هو الكلمات الأخيرة على غطاء الناووس «لفف.شرل». وفي الحقيقة، فإن دوساد الذي قدم هذه القراءة في المنشور الرسمي عام 1924 أقرّ بعدم قدرته على ترجمة هذه الكلمات» (1).
وها قد اقتربت الذكرى المائة لاكتشاف النقش من دون تحقيق تقدّم في فك لغز هاتين الكلمتين.

اقتراح جديد ومختلف
هذه المادة تودّ أن تتقدم باقتراح محدّد لحل هذا اللغز، يقوم على ما يلي:
أولاً: أن الكلمتين ليستا جزءاً من نقش غطاء الناووس، بل هما بقية نقش قديم جرى محوه لكتابة نقش اللعنة. بالتالي، يمكن الحكم بأن الغطاء قد أعيد استعماله، وأنه كان في الأصل غطاء لتابوت آخر.
الثاني: أن النقش الذي محي، وتبقت منه كلمتان، لم يكن نقشاً فينيقياً، بل هو نقش ينتمي إلى علم شمال الجزيرة العربية. خطه هو واحد من الخطوط القديمة لشمال الجزيرة، ولغته من شمال الجزيرة العربية. وهذا يعني أننا مع نقش قريب جداً في لغته من اللغة العربية. بل لا يُستبعد أن تكون لغة النقش لغة عربية قديمة.
ثالثاً: أن الحروف الستة للكلمتين المفترضتين يجب أن تُقرأ عكس نقش أحيرام، أي من اليسار اليمين، لا من اليمين لليسار.
على أي حال، فقد كان م. مارتن قد اقترح وجود نقش تحت نقش أحيرام: «يُظهر الفحص المتمعن آثار أحرف هيروغليفية زائفة Pseudo-hieroglyphic ليس فقط على طول الهامش العمودي الأيسر... ولكن أيضاً تحت الخطوط الأفقية لخطي الكتابة، وفي أماكن أخرى مختلفة على السطح» (2). وهو ما يدعم أن الناووس، أو غطاءه على الأقل، قد أعيد استعماله بالفعل. ورغم أن ليهمان الذي اختبر الناووس عام 2003 أنكر وجود آثار كتابة سابقة، فإن ثبات فرضيتي حول الكلمتين يدعم ما قاله مارتن. فوق ذلك، فإن ليهمان ذاته يقترح أن غطاء الناووس قد أعيد استخدامه أكثر من مرة. وهو ما يجعل من فرضية وجود نقش سابق احتمالاً كبيراً:
«مع ذلك، فهناك احتمال لأن يكون الغطاء ثانوياً أيضاً ... فهو ليس مناسباً لجسم التابوت على الإطلاق... وهذا يعني أنه كانت هناك ثلاث مراحل على الأقل لإعادة الاستخدام: أولاً، تم صنع التابوت، على الأرجح مع زخرفة لها. بعد ذلك، في وقت لاحق إلى حد بعيد، جرى استبدال الغطاء المفقود أو المكسور بالغطاء الجديد، وعندما تعرض هذا الغطاء الثاني للتلف أيضاً، جرى تنفيذ النقش في المرحلة الثالثة» (3).
وهكذا، فنحن مع إعادة استعمال متكرر. بالتالي، يمكن افتراض وجود نقوش على الغطاء في مراحله السابقة.

الحروف الستة
سوف أستند هنا في معالجتي للكلمتين إلى الصورة التي نشرها ليهمان للكلمتين بحروفهما الستة.

صورة الحروف في الأدنى، ورسم ليهمان فوقها


الحرف رقم 1 من اليسار
قرئ هذا الحرف على أنه حرف اللام. وقد جرى جعله لاماً عن طريق تجاهل جزئه الأيمن. وهو مع جزئه الأيمن يعطي شكلاً بيضوياً واضحاً كما في الصورة أدناه. الحرف باللون الأحمر من رسمي دوماً، والأسود من رسم ليهمان دوماً.


وبناء على رسمي، فمن الواضح أن هذا الحرف هو حرف العين، الذي يمثل عادة دائرة أو شكلاً بيضوياً ما في أغلب الأبجديات السامية.

الحرف رقم 2 (الحرفان 2 و3 في الواقع)
قرئ هذا الحرف على أنه حرف الراء. لكن هذه الراء لفّقت في الوقع تلفيقاً من حرفين اثنين هما حرف الراء والدال في أبجديات شمال الجزيرة العربية. فقد أخذ حرف الباء الشمالي ثم أضيف إليه جزء من حرف الدال، فصرنا مع حرف الراء الفينيقي كما يظهر في الصورة أدناه.


حرفا الباء والدال في أبجديات الواحات في شمال الجزيرة العربية، ماكدونالد 2008

وإذا صح ما أقول، يكون قد صار لدينا كلمة من ثلاثة تقرأ هكذا: «عبد»، كما في الصورة أدناه.


الحرف رقم 4
قرئ هذا الحرف على أنه حرف الشين. وحرف الشين في عدد من أبجديات الجزيرة العربية يشابه حرف الشين الفينيقي. لكن هذا الحرف قلب رأساً على عقب. والسبب أنه جرى أخذ جزء من حرف الدال السابق وأضيف إلى هذا الحرف. لكن هذا جعل حرف السين مكوناً من خمسة خطوط لا أربعة. ومن أجل ذلك جرى الاستغناء عن الخط الأيمن وجُعل كعلامة فصل بين الكلمات. إذن، فالحرف لفق تلفيقاً. أضيف إليه جزء من حرف الدال، ثم سرق منه جزء وجعل علامة فصل بين الكلمات.


الحرف رقم 5
قرئ هذا الحرف على أنه حرفا فاء بائية متشابهين pp. والحقيقة أي نظرة متفحصة ستبين أننا مع حرف واحد لا حرفين، كما نرى في الصورة أدناه.
صورة الحرف بالإيجاب والسلب


الصورة توضح أننا مع حرف واحد مغلق من الأعلى والأسفل. وهذا الحرف هو حرف الميم في أغلب أبجديات شمال الجزيرة العربية.

حرف الميم في عدد من أبجديات شمال الجزيرة العربية، ماكدونالد 2008


الحرف رقم 6
الحرف السادس والأخير قسم حسب القراءة السائدة إلى قسمين. فقد أخذ جزء منه على أنه حرف اللام الفينيقي، في حين اعتبر ما تبقى علامة فصل بين الكلمات.


وهذا الحرف هو حرف الصاد في عدد من أبجديات شمال الجزيرة العربية كما في الصورة أدناه.
الحرف السادس مقارنة بحرف الصاد في الأبجدية الثمودية ج

حرف الصاد في عدد من أبجديات شمال الجزيرة العربية، ماكدونالد 2008


لكنني أودّ أن أقترح هنا أن هذا الحرف كان في الماضي البعيد يمثل حرف السين لا الصاد، وأنه في الأصل صورة سمكة. ويمكن مقارنة هذا الحرف بالحرف- السمكة من نقش على فأس من فلسطين نشرها لاميير (4).
من اليسار لليمين: عبد شمس


بناء عليه، أفترض أن الحرف السادس هو حرف السين. وإذا صح هذا، فإن الأحرف الثلاثة الأخيرة تقرأ هكذا: (شمس). وعند قراءة الحروف الستة معاً يكون لدينا الكلمة التالية: (عبد شمس).
صورة السمكة التي تمثل حرف السين على نصل فأس من فلسطين. والنقش يقرأ هكذا من اليسار لليمين: فأس


و«عبد شمس» اسم شهير في الجاهلية. وهو جد بني أمية في مكة في نهاية العصر الجاهلي. إنه وهو يدل على وجود معبود يدعى «شمس» في شمال الجزيرة العربية.
إذن، يبدو أن غطاء ناووس أحيرام كان غطاء لناووس رجل آخر، جاء من شمال الجزيرة العربية، وأقام في جبيل فترة ما، ثم توفي ودفن فيها.
ولمن يريد أن يقارن فأدناه ثلاثة رسوم للحروف الستة: أعلاه رسمي لها، ثم رسم ليهمان، ثم رسم جافير.
أخيراً، وبناء على ما توصلت إليه يمكن وضع الأسئلة والملاحظات التالية:
1- كيف وصل نقش عربي شمالي إلى جبيل في هذه الفترة البعيدة، وكيف نوقته؟
3- ما تأثير اكتشاف نقش تحت نقش أحيرام على توقيت نقش أحيرام؟
3- من الواضح أن نقش غطاء ناووس أحيرام الذي تبقت منه كلمتان فقط لا بد أن يكون أقدم من نقش أحيرام الذي كتب فوقه.
4- وهذا يعني أن الأبجدية الفينيقية التي كتب بها نقش أحيرام ليست أقدم من النقش العربي الشمالي الذي محي. بالتالي، فأبجدية شمال الجزيرة العربية ليست أحدث في الزمن من الفينيقية. على العكس، فمن المحتمل أن تكون هذه الأبجدية أقدم من الأبجدية الفينيقية إذا أخذنا بعين الاعتبار أن غطاء الناووس قد أعيد استخدامه. وليس مستبعداً أن هذا الغطاء قد صنع قبل قرن أو قرنين من عصر أحيرام. بالتالي، قد يكون النقش الممحو كتب قبل قرن أو قرنين من نقش أحيرام. وهذا الاحتمال بحد ذاته يمثل زلزالاً تاريخياً.

المراجع
1- Reinhard G. Lehmann, ‹Calligraphy and Craftsmanship in the Aìîrôm Inscription: Considerations on Skilled Linear Flat Writing in Early First Millennium Byblos›, MAARAV 15.2 (2008): 119–164
https://www.academia.edu/4306363/Calligraphy_and_Craftsmanship_in_the_Ahirom_inscription._Considerations_on_skilled_linear_flat_writing_in_early_first_millennium_Byblos
2- A Preliminary Report after Re-Examination of the Byblian Inscriptions
Author(s): M. Martin, Orientalia, NOVA SERIES, Vol. 30, No. 1 (1961), pp. 46-78, Published by: GBPress- Gregorian Biblical Press, Stable URL: https://www.jstor.org/stable/43073578,
3- ليهمان، مصدر سابق
4- Lemaire, André (2012). From the Origin of the Alphabet to the Tenth Century B.C.E.: New Documents and New Directions. In: Lubetski, Meir, ed., New Inscriptions and Seals Relating to the Biblical World, , Atlanta, Georgia, Society of Biblical Literature, pp 1- 20.

* شاعر فلسطيني