حَرصَ الباحث الفلسطيني إبراهيم معمّر على أن يبيّن أن استخدامه مصطلح «الأقلية الفلسطينية» ليس «وصفاً تاريخياً»، بل هو «استخدام إجرائي في إطار دراسة تصنيف الأقليات وحقوقها القانونية بموجب اتّفاقيات وإعلانات منظّمة الأمم المتّحدة وأجهزتها». جاء ذلك في مقدمة كتابه «دور الأمم المتحدة تجاه الأقليات – الفلسطينيون داخل الخط الأخضر» (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)، الذي كان قد أعدّه كبحثٍ لنيله أطروحة شهادة الدكتوراه.تساؤل فطري بدايةً من ملايين مقهورة من شعوب العالم تستدعيها ماهية أدوار الأمم المتحدة ومنذ نشوئها، إذ تراكمت قرارتها بالأطنان، في حين أنها عجزت عن «الاحتفال» بترجمة بنود هذه القرارات، لا سيما المتعلق منها بمصائر شعوب عانت الظلم حتى ثمالته، وما مأساة شعب فلسطين إلّا التجلّي الأسطع لهذا الظلم وذينك العجز «الأممي».


لكن ثمة ما هو أخطر في مسيرة هذه المنظّمة «الأممية» يتعلّق بوقوعها تحت نفوذ وسطوة الولايات المتّحدة الأميركية، تُدَل عليها وقائع توازي بحجمها أطنان تلك القرارات الصادرة عنها، وصولاً إلى تجاوُز دورها، وليست قرارات الرئيس الأميركي ترامب تجاه القدس وشرعنته المستوطنات إلا تجاوزاً لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين، ومثلها في الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 أو الضغط لإضعاف وكالة الأنروا لغوث اللاجئين الفلسطينيين.
في تقويمه لسياسة الأمم المتّحدة تجاه حماية حقوق الأقلية الفلسطينية في «إسرائيل»، يقول معمّر: «إن إسرائيل استمرت في سياساتها التمييزية تجاه الأقلية الفلسطينية، بل تمادت لتصل إلى مرحلة تحدّي الأمم المتحدة، حيث قاطعت إسرائيل جلسة حقوق الإنسان المخصصة لمراجعة سجلها في العرض الدوري الشامل الذي كان مقرراً في 29 كانون الثاني (يناير) 2013، احتجاجاً على إعلان المجلس عزمه التحقيق في المستوطنات الإسرائيلية ومدى انتهاكها حقوق الفلسطينيين» (ص223)، مستعرضاً بعض انتهاكاتها لتلك القرارات ومنها منعها «المقرّر الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلّة جون دو غارد من دخول إسرائيل في إطار مهمّات تخصّ الأمم المتحدة بسبب انتقاده الهيئة الدولية عدم معاقبة إسرائيل في استمرارها ببناء جدار الفصل العنصري»، إضافة إلى منعها الممثّل «الأممي» في الأراضي الفلسطينية المحتلة ريتشارد فولك! وليس في الأمر ما يستدعي الدهشة. إذ أن فولك تعرّض ليس للمنع فقط وإنما للتشهير به كمعترض على سياسات إسرائيل ومؤيّداً لحقوق الشعب الفلسطيني في آن، ومُدافعاً عن مضامين تقارير القاضي ريتشارد غولدستون كرئيس للجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بانتهاكات الجيش الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة عام 2009. لكن خيبة فولك كانت مزدوجة يومها، إذ أن السلطة الفلسطينية تواطأت على تأجيل مناقشة تقرير غولدستون، فانتقدها فولك! في هذا المجال، نشير أيضاً إلى المسؤولية المزدوجة في بناء جدار الفصل العنصري الذي شيّدته إسرائيل، إذ أن لبعض رموز السلطة الفلسطينية حصة وافرة في تأمين الإسمنت لبناء هذا الجدار (انظر رواية رئيس لجنة الرقابة في المجلس التشريعي الفلسطيني بشأن هذه القضية في مجلة «دراسات فلسطينية»/ المجلد 15/ العدد 59/ صيف 2004).
لكن هل اقتصر عجز الأمم المتحدة على الصمت عن إهدار هيبتها على الساحة الدولية بتبعيتها أو صمتها عن «تنمُّر» الولايات المتحدة الأميركية على دورها؟ بالتأكيد كلا! فمن منا ينسى 106 أشخاص ضحايا مجزرة قانا في جنوب لبنان يوم 16 نيسان (أبريل) 1996 بالقصف الإسرائيلي وكانوا التجأوا إلى مركز تابع للأمم المتّحدة للحماية التي لم توفّرها لهم، إضافة إلى سكوتها عن رفض أميركا إدانة إسرائيل بارتكاب المجزرة.
يقول معمّر حول تجاهل إسرائيل لتوصيات الأمم المتّحدة بإلغاء جميع القوانين التمييزية في «إسرائيل»، والتي تستهدف الأقلية العربية هناك، بأنه لا يزال في «إسرائيل» أكثر من 55 قانوناً عنصرياً يميّز ضد أفراد الأقلية الفلسطينية.
وعن أسباب تحدّي إسرائيل الأمم المتحدة، يفنّد الكاتب عدداً منها، فيشير إلى التحوّل في النظام الدولي «ومنها ظهور ما يسمى بالنظام العالمي الجديد الذي يتّسم بالقطبية الأحادية». إذ انفردت «الولايات المتّحدة الأميركية بقيادة النظام الدولي سياسياً وعسكرياً»، و«الأمم المتحدة تَحَولّت في إطار مجلس الأمن إلى وسيلة لمعاقبة الدول التي تعارض السياسة الأميركية، خصوصاً تلك التي تهدّد أمن إسرائيل بحسب مفهوم الولايات المتّحدة بذريعة أن هذه الدول تُشكِّل خطراً على العالم» (ص226)، ما جعلها شاهد زور، بخاصة في سياسة العقوبات على إيران والمقاومة في لبنان، ناهيك بفلسطين المنسية في أدراجها.
لماذا استخدام عبارة داخل الخط الأخضر وليس أراضي الـ 48 الفلسطينية المحتلة؟


وفي حديثه عن الخلل في الأمم المتحدة، يقول معمّر إنه «لم يحدث في تاريخ الأمم المتّحدة أن طبّقت المواد (5) و(6) و(9) ولو مرّة واحدة على إسرائيل التي لا تزال تنتهك الميثاق منذ ستة عقود من حياة المنظمة الدولية» (اللائحة طويلة، لكن نشير هنا إلى القرار الذي صدر في 10/10/1975 رقم 3379 عن الأمم المتّحدة والقاضي «بأن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري»، لكنّها ما لبثت أن ألغته بقرار يوم 16/12/1991 كشرط لمشاركة إسرائيل في مؤتمر مدريد للسلام! وهو ما يُعدّ سابقة قانونية وسياسية خطيرة في تاريخ الأمم المتّحدة).
يتضمّن الكتاب ثلاثة أقسام وعناوين فرعية تناولت تباعاً: الأقليات في العالم: مقدمات نظرية واتفاقيات دولية، إسرائيل والأقلية الفلسطينية، والأمم المتحدة والأقلية الفلسطينية، وخاتمة وتوصيات. لكنها توصيات تَشَابَهت مع قرارات الأمم المتحدة حيث لا مطرح للغة الدبلوماسية في إجبار عدو استيطاني إحلالي كإسرائيل على أن يَأبَه لتنفيذ القرارات والتوصيات والتمنيات لإحلال السلام! سؤال برسم المؤلف: لماذا استخدام عبارة داخل الخط الأخضر وليس أراضي الـ 48 الفلسطينية المحتلة، مع ما للمصطلحات من دلالات سيميائية تدخل في وظيفة كيّ الوعي، ومحو الذاكرة؟

* صحافية لبنانية