تونس | صدر أخيراً كتاب الشيخ عبد العزيز الثعالبي (1876ــــــ 1944) «الروح التحررية في القرآن» (دار الاتّحاد للنشر والتوزيع) في ترجمة عربية بعد حوالى قرن كامل على صدوره باللغة الفرنسية في فرنسا. وكان الثعالبي خرّيج الجامع الأعظم (جامع الزيتونة في تونس)، قد أصدر كتابه ردّاً على حملة التكفير التي تعرّض لها من قِبل الشيوخ المحافظين بعدما أدلى بمواقف تتعلّق بمقاصد الشريعة الإسلامية، أقرب إلى عقلانية ابن رشد وابن خلدون. أمر اعتبرته النخبة التونسية في مطلع القرن العشرين آنذاك كفراً وإلحاداً. هذا الكتاب النادر والمجهول لقرّاء العربية ترجمه زهير الذوادي، الباحث في تاريخ الحركة الوطنية والفكر الإصلاحي والمحامي والديبلوماسي السابق ونشره «اتحاد الكتاب التونسيين».
كمال بلاطة ــــ «يقيني بالله يقيني» (طباعة حريرية ـــــ 37 × 26 سنتم ــــ 1984)

زهير الذوادي قدّم للكتاب بدراسة حول حياة الشيخ الثعالبي مؤسّس «الحزب الحر الدستوري» (سنة 1920) الذي انشق عنه في ما بعد الزعيم الحبيب بورقيبة سنة 1934 وأسس الحزب الدستوري الجديد الذي قاد معركة الاستقلال وتحرير المرأة وبناء الدولة. وأشار في تقديمه إلى الظروف السياسية والمعطيات الفكرية والثقافية التي صدر فيها الكتاب. وفي هذا السياق، يقول الذوادي: «قرر الثعالبي تحرير مؤلفه في سياق النقاشات الفكرية والسياسية التي عرفتها النخبة التونسية خلال مطلع القرن العشرين، معتبراً أن مشروع حياته الفكرية يختزل في تجديد التأويل ـــ العقلاني ــــ للقرآن والقطع مع التحجر الذهني والعقائدي الذي هيمن طويلاً على العقل الإسلامي».
ويؤكّد الذوادي أن هدف الثعالبي من كتابه هو الدعوة إلى تيار إصلاحي يشبه ما عرفه في المشرق العربي في رحلته مثل مجلة «العروة الوثقى» ومجلة «المنار». وقد تعرّض بسبب هذه الدعوة إلى حملة تشويه، إذ اعتبرت صحيفة «القلم» أن الثعالبي هو «زعيم الشرذمة الجهلة المارقين عن الدين». أمّا جريدة «الرشيدية»، فقد اعتبرته «مستهتراً بالنبي والصحابة والأولياء الصالحين»، وحكم عليه آنذاك (1904) بشهرين من السجن. ويقول الشيخ الثعالبي في مستهل كتابه عن القرآن: «لقد وقع تأويل القرآن بالشكل الأكثر تحرّرية؛ منذ وفاة الرسول وتحت نفوذ الخلفاء الأولين وأثناء القرون الأولى للإسلام».