في بالي كلُّ الذين غَرِقوا، لأن البحر لم ينشَقّ، لأن العصا ما عادت سحرية، لم يستصعبوا الصعود، لم يتباطؤوا ولا تَراخَوا، لكنّ أحداً لم يَهُشَّ على الفرحِ ليدخلَ إلى أوردتهم، أنا أكتب من داخل شرايينِك، وعظامُكِ البيضاءُ المالحة، بعد ألف عام، هي من ستتلو هذا النشيدَ فوق التلال المُشرفَةِ على المدنِ المنكوبة، في البراري النائية، وجوارَ سِكك الحديد المهجورة. هل هذا النّبض هبة، أم داء، هل هو سَكَاكِر العيد، أم قذيفةُ حَرب، جائزةٌ أم قَصَاص، غرامٌ أم غرامة، شعر أم مغصٌ في اللسان وفي اللغة، هل هو سمّ، أم ابتسامُ الماعز فوق المرتفعات البعيدة الهادئة؟ كان هناك صَمتٌ في الصّحارى، وصُراخٌ في القلوب، وكانت عيونٌ تُلقي سحرَها على الخلائق، سأسميكِ مسيحاً أيتها الرموش، كي ترشِدِينا إلى حتفنا المُشتهى.
«تذكّر» للباكستاني رشيد رنا (224×272 سنتم ــ 2017)

سيعود الأرباب من ولائمهم، الجنود من الثكنات، ومن الحانات، المُحَرِّضات من الأذى والهوادج، ستعود الصلوات من القلوب، والأرامل يعدن من الولولات، والأسباط من الأنسال، الأنبياءُ من الرؤى، ولا أحدَ سيُخَلّص هذه القصيدَةَ من فكرة المَاس. لقد أحببتُ كلّ ألبسَتِكِ الغريبة، ومن تحتها أحببت عظامَكِ، وتلك الموسيقى الخافتة التي يبثها دمك في العَالَمِينَ وهو يجول فيكِ ويتفسّح، ولا يسمعها أحدٌ سواي. هو شعر لا يولد ليُطبع في الكتب، بل ليُنقشَ على مَخَانِقِك ومَفَارِقك، في مغابنك وباطن تَرقُوَتَيك، داخل نومك واستيقاظك. ضعيه في شراب الليمون، في علب البندق والكستناء، ضعيه في غيرتك منْ صُورك، في حَجرِك الصحّي، ضعيه في القهوة، في الاشتياق، على نمارقك حين تغفو عينك عند الظهيرة، ضعيه في الحرائق التي تهب الآن على العالم لتغسل فائضَ حُمقه، ضعيه عليكِ، لتريْ كلَّ ما يَنْجُم من ضوء عند التحام الدروب والمصائر، ومن وهج عند تصادم الأفلاك.

* المغرب