حين صدر كتاب «مغامرات ابن بطوطة: الرحالة المسلم في القرن الرابع عشر الميلادي» في عام 1986، سرعان ما حظي بحفاوة نقدية وجماهيرية. مؤلفه المؤرخ الأميركي روس إ. دان (1941)، لم يأتِ بجديد بالنسبة إلى الاختصاصيين، إلا أنّ ما اجترحه أنّه قدّم كتاباً بحثياً بنفس وأسلوب شعبي بسيط، ما جعله في متناول شريحة عريضة من القراء غير المهتمين ربما بالأعمال التي تنتمي إلى نطاق الدراسات الشرقية أو الأفريقية.
منمنمة فارسية مجهولة (نهاية القرن الخامس عشر) تصوّر زيارة ابن بطوطة إلى مدينة تبريز سنة 1327

أخيراً، صدر الكتاب بنسخته العربية عن «دار توبقال» المغربية (تعريب أحمد بوحسن) لنكون أمام أعظم رحّالة في التاريخ.
ابن بطوطة (1304 ــــ 1377) الطنجي الذي ينسب إلى قبيلة لواتة البربرية، كان سليل عائلة مرموقة نبغ في العلوم الشرعيّة، ليمضي حياته في الترحال. في عمر الـ 21، غادر موطنه للحج إلى مكة. كانت تلك الخطوة الأولى في سلسلة من رحلات مذهلة امتدت على حوالى ثلاثة عقود، وأخذته إلى الهند والصين، وبلاد فارس، والعراق، وبحر العرب، وأناطوليا، وصولاً إلى تانزانيا. لقد جال أصقاع العالم الإسلامي، قبل أن يعود ليدوّن مشاهداته وملاحظاته ومعايشاته في كتاب الرحلة، ليكون شاهداً حياً، مقدّماً وثيقة تاريخية على تلك الفترة الزمنية والرقعة الجغرافية. لعلّ أهم ما سيخرج به قارئ كتاب روس دان بحسب «دار توبقال» هو «كشفه لتوسع رقعة العالم الإسلامي في القرن الرابع عشر الميلادي، وأثر العلماء والمؤسسات العلمية والعلاقات التجارية والثقافية في خلق مناطق مترابطة في العالم الإسلامي. لقد كشف مسار رحلة ابن بطوطة الطويل عن تَشكُّل تلك الترابطات في حدود دار الإسلام التي لم يسع إلى تجاوزها إلا في القليل النادر من الحالات، حتى أصبح مواطناً كونياً مسلماً أينما حل وارتحل. ويؤكد هذا الكتاب أيضاً أن رحلة ابن بطوطة وثيقة تاريخية وتجربة إنسانية غنية لرحالة عالم مسلم، تدعو إلى خلق علاقات إنسانية مترابطة أكثر بين الشعوب والدول والمجموعات البشرية». ففي كتابه، يقتفي روس إ. دان مسيرة ابن بطوطة بالتفاصيل المملة، واضعاً إياها ضمن السياق الاجتماعي والثقافي السائد، ومانحاً القارئ سيرة رحّالة استثنائي، كما دراسةً حول التبادلات الإنسانية خلال العصور الوسطى.