عثرتُ على صورة هذا العقرب منشورة في موقع من المواقع التي تعرض اللقى الأثرية المحفورة حفراً غير شرعي والتي تعرض كذلك رسومات الصخور باعتبارها إشارات ما لكنوز مخبوءة مفترضة. ولم يعطِنا ناشروها أيّ معلومات حول المكان الذي عُثر عليها فيه. لكن يبدو لي أنّه في مكان ما بين الجزيرة العربية والشام. العقرب محفور بشكل لطيف على صخرة أرضية في ما يبدو، ومزيّن بالخطوط، وقربه مجموعة من الأشكال والرموز. لكن الأهم أن هناك إلى يساره نقشاً مقروءاً بأبجدية من الأبجديات القديمة في شمال الجزيرة العربية. والنقش هو دفعني إلى أن أكتب هذه المادة القصيرة عن عقرب الصخرة هذا.
وليس هناك توقيع لمن حفر العقرب، كما جرت العادة. لقد فضل من حفره أن لا يكتب اسمه. أمّا الصليب إلى اليمين، فمن صنع من نشرَ صورة العقرب لكي يشير إلى الاتجاهات، على فرض أن العقرب رمز يشير إلى كنز مخبوء في جهة ما من مكان قريب.


ونقش العقرب منتشرٌ على صخور المنطقة، وفي مناطق أخرى من العالم. ويبدو أنه كان يملك قيمة دينية كبيرة حتى نجده بهذه الكثافة. ونحن نعرف أنّ هناك برجاً في الأبراج السماوية يُدعى «برج العقرب»، لكنني لا أظن أن للنقش علاقة بهذا البرج. أمّا عند الباحثين عن الكنوز فالعقرب إشارة تكنيزية لا غير. إنه إشارة إلى ذهب مخبوء ينبغي البحث عنه. فليس هناك أديان ولا آلهة عندهم. عندهم ذهب مخبوء يجب الكشف عنه فقط.

النقش
يتكون النقش قرب العقرب من أربعة أحرف تُقرأ من الأعلى إلى الأسفل حسب الصورة المنشورة. لكن إذا دورنا الصورة بمقدار 90 درجة باتّجاه عقارب الساعة فيمكننا قراءته من اليمين إلى اليسار. لكن الحرف الرابع يكون خارج من الصف. إذ أنه وضع نفسه فوق الحرف الثالث. يقول النقش حسب قراءتي: «ز شبه».


أما حرف «ز» فهو اسم إشارة قديم في شمال الجزيرة العربية بمعنى «هذا». الحرف الثاني مميز بشكل خاص، ويتكوّن من مثلثين فوق بعضهما. وليس هناك مثله تماماً في أبجديات شمال الجزيرة العربية. لدينا حرف الزاي الذي قد يكون أحياناً مكوناً من مثلثين متعاكسين. لكن الحرف ليس زاياً. فالزاي موجودة في بداية النقش. وإذا أردنا أن نعثر على قريب لهذا الحرف، فسنجده ربما في حرف الصاد في عدد من الأبجديات الشمالية. لكنه ليس مثلها تماماً.
أما أنا فقد قرأت هذا الحرف على أنه شين كما رأينا أعلاه. ومبرّري لذلك هو افتراضي أن النقش يشير إلى العقرب. والعقرب في العربية هو «شباه» أو «شبوة»، وجمعه شبوات: «الشَّباة: العقرب حين تلدها أمّها، وقيل: هي العقرب الصفراء، وجمعها شَبَوات... وقيل: شَبْوَة هي العَقْرَبُ ما كانت... وشَباةُ العَقْرب إبرتها» (لسان العرب). يضيف ابن فارس: «والشَّبْوَة اسم للعقرب، وإِنّما سمِّيت بذلك لِشَبَاةِ إِبرتها» (ابن فارس، مقاييس اللغة). يزيد أبو العلاء: «والشبوات، جمع شبوة، وهي العقرب الصغيرة» (أبو العلاء المعري، الفصول والغايات).
أما ابن دريد، فيعطينا رجزاً فيه ذكر للعقرب الشبوة: «الشَّبْوَة: العقرب الصغيرة، والجميع شَبَوات. قال الراجز قد بَكَرَتْ شَبْوَةُ تزبئرُّ: تكسو اسْتَها لحْماً وتقمطِرُّ» (ابن دريد، جمهرة اللغة).
بناء على هذا، فالنقش يقول: هذا شباه، أو شبوه، أي: هذا عقرب. الكلمة بالطبع كُتبت «شبه» لأن حروف العلة لم تكن تُكتب في العادة. بذا يمكن للكلمة أن تقرأ على وجهين: «شباه» أو
«شبوه».

الرموز
وكما نرى في الصورة أدناه، فهناك ثلاثة مواقع فيها رموز وخطوط لونتها بالأحمر. في الأعلى لدينا سبعة خطوط أفقية فوق بعضها، يحيط بها خطان من اليمين واليسار. أي أننا مع تسعة خطوط مقسومة إلى قسمين: 7+2. ويبدو أن لهذه الخطوط معنى دينياً ما. كما أن فقرات ذيل العقرب تسع أيضاً. وهو ما يعني أن الرقم 9 مركزي في نقش العقرب هذا. أمّا الخطوط المتموجة على جسد العقرب فهي ثمانية. والخطوط المتموجة رمز للماء الجاري عادة


إلى اليسار هناك صليبان مترابطان، وإلى اليمين هناك مثلثات لها قاعدة بين فكّي العقرب. ولست أدري ماذا تعني في الحقيقة.
وباختصار، لدينا سلسلة رموز معقدة وغامضة من الأشكال والرموز، توحي بأن الرسام لم يكن يرسم عقرباً فقط، بل كان يرسم أفكاراً دينية على شكل عقرب. ونحن لا نعرف بالضبط ما هي هذه الفكرة الدينية. كما أننا لا ندري إن كان العقرب مجرّد وسيلة لرسم هذه الأفكار، أم أن له قيمة دينية. فقد يكون إلهاً - عقرباً أو شيئاً من هذا القبيل مثلاً. لكن إذا كان العقرب يمثل إلهاً، فإن اسم هذا الإله هو «شباه» أو «شبوه». وليس هناك آلهة بهذا الاسم حسب معرفتي. لكن لعلنا مع موقتة، روزنامة، ذات طابع ديني؟ فمن خبرتي الخاصة مع العقارب المنقوشة على الصخور، فإن هناك ما يشير إلى أنها كانت تُستخدم كرمز توقيتي. لكن ليس لديّ تأكيد ملموس على هذا. لديّ فقط سلسلة أرقام صاعدة أو نازلة: 9، 8، 7. وهي أرقام ذات طابع ديني مقدس تاريخياً.
على كل حال، يمكن القول إن لدينا أيضاً خمس كتل في الرسم إذا أضفنا كتلة النقش المكتوب. وهذا يعني أن لدينا رقماً آخر هو الرقم: 5.

العقرب الثاني
على كل حال، فقد عثرت على عقرب ثانٍ يرافقه نقش مكوّن من خمسة أحرف كبيرة الحجم. العقرب غريب إلى حدّ ما. فليس له سوى رجلين على يساره فقط. أما على يمينه، فليس هناك أرجل. وهذا يعني أن من رسمه كان يرسم فكرة وليس عقرباً حقيقياً. إذ ليس معقولاً أنه لم يكن يعرف أن للعقرب أرجل على الناحيتين.


أما الأحرف من اليمين لليسار فهي كما يلي: د ، ع ، ع ، ج (؟) ، د.
والحرف الوحيد غير المؤكد القراءة هو الحرف الرابع. وقد افترضت أنه حرف الجيم. وإذا صحت قراءتي فالنقش يقول: «دعع جد».
أما الجذر «دعع»، فيعطي معنى الإبعاد والدفع: «في حديث الشعبي: أَنهم كانوا لا يُدَعُّون عنه ولا يُكْرَهُون؛ الدَّعُّ: الطرد والدَّفْعُ» (لسان العرب). وجاء في سورة الماعون في القرآن «فذلك الذي يدع اليتيم». بذا فدعع في النقش تعني: طرد، أبعد، دفع. وقد فك الكاتب تضعيف العين فكتب «دعع» لا «دعّ». وهذا شائع في الكتابة القديمة.
أما «جد»، فيبدو أنه اسم إله. ونحن نعرف من نقوش شمال الجزيرة العربية أنه كان هناك آلهة بهذا الاسم. فلدينا آلهة باسم «نعر جد» أو «جد عوذ»، أو ما إلى ذلك: «حفظت النصوص الثمودية أسماء جملة آلهة، تعبدوا لها وتقربوا إليها بالقرابين والنذور. منها الإله: «ود» و«جد هدد» و«شمس» و«عزيز» و«نعرجد» (جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام). كما أن لدينا أسماء مركبة تشير إلى وجود إله باسم جد كما يخبرنا جواد علي أيضاً: «ورد في الأسماء العربية «عبد جد» و«عبد الجد»» (جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام).
بناء عليه، فالنقش يقول: «أبعد جد»، أي أبعد العقرب ودعّه بعيداً عنا يا جد. بذا فالنقش منطوقة سحرية لإبعاد العقرب الحقيقي. لكن العقرب المنقوش الذي نقشه ينوس بين الحقيقي والرمزي. فهو منقوش جيداً، لكن أرجله الناقصة تشير إلى الجانب الرمزي فيه.
إذن، هل قلت شيئاً مهماً بشأن هذه المنقوشات؟ لست أدري. لكنني قصدت أن أريكم كيف استخدم الناس في الماضي العقارب كلغة، لغة العقارب.

* شاعر فلسطيني