«قولوا للقمر أنْ يطلع لا أريد أن أرى دمَ إغناثيو على الرمال،
لا أريد أن أرى دمه!»
(لوركا ـــ «مرثاة من أجل اغناثيو»)


تمر هذه الأيام ذكرى إعدام الشاعر الغرناطي الأشهر فيديريكو لوركا (1898 ــــ 1936)، من قبل الكتائب «الفالانخ» القومية الإسبانية في 19 آب (أغسطس) 1936. هذه الوقفة النثرية تحية متواضعة لذكراه مناضلاً بشعره من أجل الإنسان والجمال:
إذا كان الشاعر العربي القديم مالك بن الريب قد عُرف بأنه الشاعر الذي رثى نفسه بقصيدته التي مطلعها:
«ألا ليتَ شِعري هل أبيتنَّ ليلةً *** بوادي الغضَى أُزجي الِقلاصَ النواجيا»، فإنّ لوركا تجاوز التنبؤ بمقتله ورثاء نفسه إلى استشراف تفاصيل ما بعد موته، حين توقّع اختفاء جثمانه حتى يومنا هذا بقصيدة كتبها قبل إعدامه بأعوام قليلة:
«وعرفتُ أنني قُتلتُ
وبحثوا عن جثتي في المقاهي والمدافنِ والكنائس
فتحوا البراميلَ والخزائن
سرقوا ثلاثَ جثثٍ
ونزعوا أسنانَها الذهبية
ولكنهم لم يجدوني قط!
ألم يعثروا عليَّ؟
نعم، لم يعثـروا عليَّ!»
وفي قصيدة أخرى، قد تكون أحدث عهداً منها، يستبدل غرناطة بقرطبة وكأنه يلعب الغميضة مع موته:
«ليمهلني الموت حتى أصيرَ في قرطبة
قرطبة الوحيدة البعيدة
آه، إنه الموت ينتظرني فوق أبراج قرطبة».
إذا كانت عملية البحث عن جثمان لوركا، قد انتهت إلى الفشل سنة 2015، وظهرت نظرية جديدة للمؤرخ ميغيل كابيرو تفيد بأنّ جثمان الشاعر ألقي في بئر في المنطقة ذاتها، في ضواحي غرناطة، ولم يعثر على أثر لبقاياه هناك، فإنّ عائلته ومحبّيه اعتبروا المنطقة التي أعدم فيها، إلى جانب آلاف المفقودين في الحرب الأهلية، مكان دفنه، وأقاموا له فيها نصباً فنياً جميلاً ومتواضعاً. والعجيب، أن هذه المنطقة التي قُتل فيها الشاعر كانت وما زالت تحمل اسماً عربياً حزيناً هو «عين الدمعة» (Ainadamar) (1) وقد تكون تابعة لبلدة فيثنار.
في السنوات الأخيرة، ظهرت روايات ضعيفة، وأخرى مضلِّلة ومنحازة ضد الشاعر، تحيل أسباب مقتله إلى خلافات مالية بين عائلته وعائلة غرناطية أخرى، ككتاب «الحقيقة حول مصرع غارثيا لوركا» للكاتب إيبرساف وآخرين، وأخرى تجرد جريمة قتله من البعد السياسي وتبرئ نظام فرانكو منها بالتركيز على البعد السلوكي و«الأخلاقي»، كما في كتاب بيلا سان خوان المعنون «مصرع لوركا: كل الحقيقة» (2) . أما كتاب خيراردو روساليس التوثيقي «صمت عائلة روساليس»، فيمكن أن يكون مفيداً ويضيء لنا غموض الأيام الأخيرة للشاعر. فعائلة روساليس هي التي اختبأ عندها لوركا، لصداقته مع بعض أبنائها وكانوا من «الفالانخيين»، على أمل أن يحموه من جماعتهم.
يرتكز الكتاب إلى صور ورسائل والاستذكار الشخصي لكاتبها كأحد أحفاد الأسرة، وهمه الأول تبرير سكوت عائلته عن تلك الجريمة لسنوات طويلة. يؤكد روساليس أن عائلته حاولت فعلاً الشفاعة للوركا لدى الكتائب لإنقاذه، ولكنها فشلت، فقررت التزام الصمت. يكشف المؤلف للمرة الأولى «عن رسائل من عائلته موجهة لقائد الفالانخ في غرناطة تتشفع بها للوركا وتصفه بالشاعر الإسباني الأهم، وصديق العائلة المخلص. وفي رسالة شديدة اللهجة، وجهها لويس روساليس - وهو شاعر وصديق للوركا – إلى قائد الكتائب في غرناطة طالبه بالإفراج عن لوركا لأنه متهم بلا دليل، والاتهام الوحيد يأتي بسبب الوشاية والحقد لا غير، ولأن لوركا شاعر يمثل إسبانيا بأكملها، وكان مدافعاً عن حقوق الإسبان كلهم» (3) .
ومعلوم أن اسم الشاعر وتراثه الأدبي وإعدامه أمور ظلت ممنوعة من التداول في إسبانيا طوال فترة حكم فرانكو. وبعد زوال الكابوس، رُفع الحظر وأعيد إليه الاعتبار، وجرت محاولات كثيرة للتدقيق في التفاصيل، كان آخرها سنة 2015، حين نُشرت وثائق سرية أرشيفية تعود إلى عام 1965. اطلعت عليها صحيفتا Ser وEldiario.es، منها وثيقة صدرت من «المكتب الثالث لدائرة الاستعلامات الاجتماعية» في قيادة شرطة غرناطة، يمكن اعتبارها ملخصاً للاتهامات الموجهة للشاعر القتيل. و«هي تكشف اعتراف النظام الفرانكوي لأول مرة باغتيال الشاعر. والوثيقة عبارة عن رد رسمي على استفسار تقدمت به الصحافية الفرنسية مارسيل أوكلير للسفارة الإسبانية في باريس، حول وفاة الشاعر الغرناطي. فقامت السفارة بتحويل الاستفسار لوزير الخارجية فرناندو ماريه كاستيلا الذي طلب من وزير المحافظات كاميلو ألونزو فيغا بحث «إنْ كان بالإمكان فتح أرشيفنا المُتعلق بقضية لوركا» وتمت الموافقة: وُصِفَ لوركا في الوثائق بأنه «اشتراكي وماسوني ومثلي جنسياً»، وتعترف الوثيقة بخصوص تهمة المثلية بعدم وجود أي تفاصيل أو وقائع محددة، بل تستند إلى شائعة، رغم أنَّ الملف الخاص بلوركا يحتوي على ما يؤكد أنه كان مراقباً من قبل الشرطة لفترة طويلة، ولكن التقارير تخلو من أي تفاصيل حول ذلك، بينما اعتمد التقرير بخصوص ميول الشاعر الاشتراكية إلى عمله في ديوان الوزير دي لوس ريوس الذي اعتنق هو الآخر مبادئ الحركة الماسونية» (4) .
أصلي الغرناطي منحني شعوراً بالتآخي مع جميع المضطهدين غجراً وسوداً ويهوداً، ومع المورسكيين «المغاربة» الذين نحفظ ذكراهم في قلوبنا (لوركا)


قالت تلك الوثائق، إن لوركا «ماسوني ينتمي إلى محفل «الحمراء» الذي اتخذ فيه الاسم الرمزي «هوميروس»، وتُجهل المرتبة التي وصلها في هذا المحفل. وكان يُنسبُ إلى الاشتراكيين بسبب ميول مواقفه وعلاقته بفرناندو ديلوس ريوس، إضافة إلى علاقاته الوثيقة بزعماء من التيار السياسي نفسه». وتضيف الوثيقة أن «الحركة القومية المجيدة باغتته في هذه المدينة بعد أيام على وصوله إليها قادماً من مدريد، وتعرض منزله لحملتي تفتيش، ما دفعه للشعور بالخوف واللجوء إلى منزل صديقيه الأخوين روساليس، وهما فالانخيان سابقان». هذه الوثائق تتناقض تماماً مع تصريح صحافي شهير لفرانكو نفسه قال فيه سنة 1937، رداً على صحافي سأله حول سبب إعدام لوركا: «مات ذلك الكاتب بسبب الخلط بينه وبين أحد المنشقين، إنها من الحوادث الطبيعية في الحروب، واستغلت الدعاية الشيوعية تلك الحادثة لإثارة عالم الفكر والثقافة ضدنا» (5) !
واضح حتى للأبله، أن ما تقوله هذه الوثائق الرسمية الفاشية من اتهامات من قبيل «اشتراكي وماسوني ومثلي» لا تختلف في تهافتها وتفاهتها عن تبريرات فرانكو نفسه، فهي ليست إلا حشو كلام لتشويه سمعة الضحية من قبل شرطة محلية وميليشيات قومية حاقدة وجاهلة. فالمعروف أن لوركا لم يكن حزبياً، ولم ينتمِ في حياته إلى حزب اشتراكي أو شيوعي، بل كان شاعراً وكاتباً مسرحياً ورساماً وعازفاً موسيقياً معروفاً. وكان صديقاً للجميع وبشكل خاص لليساريين أيام مدِّهم وانخراط غالبيتهم في التيار الجمهوري التقدمي، وفي مقدمتهم روفائيل البرتي، الشاعر الشيوعي المعروف، والعضو المؤسس لتحالف «المثقفين لمناهضة الفاشية»، وصديقه الشاعر الشيوعي التشيلي نيرودا الذي ترشّح لرئاسة الدولة ممثلاً لحزبه، فما الذي يمنع لوركا من إعلان كونه اشتراكياً أو شيوعياً آنذاك؟
السبب، ببساطة، لأنه لم يكن منتمياً لهما، بل كان ينتمي إلى عالمه الأوسع، عالم الأدب والفن المنشغلين بالإنسان والجمال، أو كما قال هو في رسالته النيويوركية «أنا شاعر الفلاحين». هنا، نجد شبهاً قوياً، بين محاولات حشر لوركا في قناني الحزبية الضيقة، من قبل أصدقائه وأعدائه معاً، وبين محاولة حشر الروائي فرانز كافكا في الحركة الصهيونية من الكاتب الصهيوني ماكس برود، الذي وصفه الروائي التشيكي ميلان كونديرا بالكاتب الفاشل والنصّاب الكبير. وتؤكد ذلك صرخة كافكا في إحدى رسائله إن «أوضاعي لا تحتمل، وهي تتناقض مع ميولي ورغباتي الوحيدة وأعني بذلك الأدب. الأدب هو كل كياني ولا أريد ولا أستطيع أن أكون غير ذلك» (6) .
أما اتهامه بالمثلية الجنسية، فهو ليس إلا فرية سخيفة ألصقها به القتلة أنفسهم، وجمهورهم لاحقاً ومن باب تشويه سمعته، حين كانت هذه التهمة في الثلاثينات تؤدي بالمتهم إلى الإعدام في الدول المحافظة ومنها إسبانيا.
إن السائد في الساحة الأدبية والسياسية الإسبانية، هو أن هذه التهمة لم تُذكر أو توجه للوركا قط إلا بعد انتصار انقلاب فرانكو وهزيمة الجمهوريين في الحرب الأهلية بعقدين. أما قبل ذلك، فلم يرد ذكرها حتى في كتابات أشد اليمينيين عداءً للوركا ولليسار والجمهوريين. وربما كان للحوارات الفنتازية والفضائحية واللاأخلاقية للرسام سلفادور دالي التي أدلى بها للكاتب الفرنسي ألان بوسكي، ونشرها هذا الأخير في كتاب 1960، أي بعد ربع قرن على مقتل لوركا، أقول، ربما كان لها دور في الترويج لهذه الفرية المسمومة التي تبقى شيئاً صغيراً وشديد الخصوصية في سيرة شاعر وفنان عظيم وصديق شجاع للإنسان وقضاياه، ولا يترتب عليها أي حكم معياري بحقه كإنسان شديد النقاء والنبل.
إن سلفادور دالي الذي كان يرتبط بلوركا وبغيره من المبدعين الإسبان والفرنسيين بعلاقات صداقة قوية في سنواته الأولى، معروف بمبالغاته السلوكية المجنونة والفضائحية، وتصل إلى أدنى درجات الانحطاط والخروج على العقل والمعنى رغم عبقريته الفنية، الأمر الذي دفع الحركة السوريالية التي كان عضواً فيها الى طرده من صفوفها، بعد أن اتضحت معتقداته الرجعية الظلامية. ومن تلك المعتقدات تأييده لإبادة السكان الأصليين في أميركا، وإعجابه بهتلر ورسم لوحات له، وتأييده لفرانكو الذي لم يبخل عليه بالعديد من الأوسمة ومنها «وسام الصليب الأكبر لرهبانية إيزابيلا الكاثوليكية» ووسام «الصليب الأعظم لفرسان شارل الثالث»، إضافة إلى تصرفاته الجنونية المعروفة للجميع.
كان لوركا قد أحب آن ماريا، شقيقة سلفادور دالي، خلال إقامته في منزل العائلة في «قداقش» لفترة، ولكنها صدته ولم تتجاوب معه «وقد أثرت تلك العلاقة على حياته العاطفية. ورغم أن المعلومات عن هذه العلاقة غير واضحة، إلا أن كثيراً من مؤرخيه يرجعون أزمته العاطفية في عام 1929 إلى فشل هذا الحب وتحطمه، والتي لم يجد الشاعر دواء له إلا السفر من بلاده إلى نيويورك حيث قضى عاماً وبعض العام في الخارج» (7) . ولم ينسجم لوركا مع الحياة هناك، «إذ صدمته الحضارة الأميركية، حين اكتشف أنّ عدداً قليلاً من المصرفيين عديمي الضمير هم من يملكون العالم» (8) ، فعاد منها إلى وطنه بعد جولة في عدد من دول أميركا اللاتينية.
إنها خلطة ساذجة هذه الاتهامات (اشتراكي وماسوني ومثلي)، فندها الناقد الإيرلندي من أصل إسباني إيان جيبسون الذي عُرف «بأعمال متميزة حول الشاعر الإسباني لوركا، إذ أصدر سنة 1971 سيرة مهمة وموثقة عن الشاعر تُحقق، بصفة خاصة، في تفاصيل مقتل لوركا، لكن نظام الجنرال فرانكو منع توزيع الكتاب في إسبانيا». ويرى جيبسون أنّ سبب إعدام لوركا يوجد في مكان آخر. فلنتابع:
أصدر جيبسون كتابه «جريمة قتل غارثيا لوركا» عن «دار أغيلار» في مدريد عام 1979، بعد موت فرانكو بأربع سنوات، نفى وفند فيه «كل المزاعم السابقة، التي ما زالت رائجة حتى اللحظة حول مثليّة لوركا وعدم اهتمامه بالسياسة. وأثبت جيبسون ببعض الوثائق والمستندات التاريخية أن لوركا كان مسيّساً وصاحب مواقف مشهودة، بل إنه كان أقرب للاشتراكية و اليسار، وله غير بيان وغير خطبة تنمّان بجلاء عن التزام في الشعر وفي الحياة» (9) . ولكن جيبسون، وبصفته كاتب السيرة الأكثر اعتماداً للشاعر، لم يبالغ إلى درجة الجزم بأن لوركا كان اشتراكياً وحزبياً منظماً، بل وصفه بكل بساطة بأنه كان «أقرب إلى الاشتراكية واليسار».
من سيرة لوركا التي كتبها جيبسون التي ترجمت إلى العربية بعنوان «غرناطة لوركا»، أدرج هنا هذه الفقرة التي يصرح فيها بالسبب الأهم لاغتياله: «في بداية الحرب الأهلية الإسبانية، وقبل أسابيع قليلة من اغتيال لوركا في آب 1936، سُئِل الشاعرُ عن رأيه في سقوط غرناطة في أيدي الإسبان عام 1492، فأجاب: كانت نكبة - يوماً أسود-، رغم أنّهم يلقنوننا العكس في المدارس: حضارة رائعةٌ، وشعرٌ، وفلكٌ، وعمران، ورقةُ شعور فريدةٌ في العالم، ضاعت كلّها، لتقوم محلّها مدينة فقيرة هي «جنّة البخلاء» التي يلعب بمقدراتها الآن أراذل البرجوازيين في إسبانيا». ظهر هذا التصريح على صفحات أكبر جريدة في مدريد، فكان سبباً مباشراً في موت الشاعر وهو في الثامنة والثلاثين» (10) . ويضيف جيبسون: «وقبل خمس سنين من ذلك، قال لوركا: «أعتقد أنّ أصلي الغرناطي منحني شعوراً بالتآخي مع جميع المضطهدين غجراً وسوداً ويهوداً، ومع المورسكيين «المغاربة» الذين نحفظ ذكراهم نحن الغرناطيين في قلوبنا». لا شك في أنّ الشاعر كان على علاقة وثيقة بغرناطة التي ضاعت إلى الأبد عام 1492».
أختم بما رواه الشاعر التشيلي نيرودا عن لوركا الذي عايشه، وكان صديقه المقرب وكيف استشرف موته من حادثة وقعت له «حين عاد لوركا ذات مرة من جولة مسرحية قام بها، ناداني كي يقص عليّ حادثة غريبة جداً. كان قد وصل مع فناني فرقته «لا براكا» إلى قرية نائية جداً في قشتالة، فنزلوا في جوار القرية وهناك خيّموا. حين تفتّق الفجر قليلاً، نهض من فراشه وخرج كي يقوم بجولة وحده عبر الحقول المترامية هناك. كان ثمة برد لاذع كحدّ السكين. كان الضباب ينطلق سحائب بيضاء تحيل كل شيء إلى مداه الشجي الرهيب. توقف فيديركو عند باب عتيق كان مدخلاً إلى مزرعة فسيحة. كان الخلاء والخواء والوقت والبرد تجعل الوحشة أكثر رهبة. هناك جلس فيديريكو على تاج عمود ساقط. جاء خروف صغير ليقضم أطراف الأعشاب بين الأطلال والخرائب. كان ظهوره ظهور ملاك صغير من ضباب يؤنس الوحشة. فجأة وإذْ بقطيع خنازير يجتاح الحظيرة. اقتربت أربع أو خمس بهائم داكنة اللون، خنازير شبه متوحشة جائعة وذات أظلاف صلدة. انقضت الخنازير على الخروف تعمل فيه أنيابها، فقطعته إرباً إرباً والتقمته وفيديريكو يرتعد خوفاً. عندما عاد إلى فرقته المسرحية المتجولة، أمرها بمواصلة السير على الفور» (11) .
نيرودا، كان على موعد معه في اليوم التالي، لكنه لم يأتِ، بل ركب القطار ليلاً إلى غرناطة حيث سيذبح القمر. ودعه روفائيل إلبرتي ليلتها، ولاحقاً كتب نيرودا: «كل شيء بدأ بالنسبة لي ليلة 19 من تموز 1936. أقنعني بوبي ديلانغه أن أذهب الى السيرك وأن أصطحب لوركا معي هناك، لنتأكد من أصالة هذا الاستعراض الجميل. اقنعت لوركا واتفقنا على أن نلتقي هناك في ساعة محددة. تخلّف لوركا عن الموعد. كان قد راح ليلقى حتفه، لم أره بعد ذلك أبداً. كان موعده مع مردة وسفاحين آخرين. هذا بدأت حرب إسبانيا بالنسبة إليّ باختفاء شاعر... وأي شاعر! لم أرَ شاعراً مثله اجتمعت فيه اللطافة والعبقرية، القلب المجنح والشلال الشفاف. كان لوركا العبقري المُسرف في وحيه وإلهامه، بؤرة الفرح التي تشع كالكوكب بسعادة الحياة. كان نابغةً وفكهاً كونياً وريفياً، موسيقياً فذاً وممثلاً رائعاً، كان فزعاً ومعتقداً بالخرافات، لامعاً ونبيلاً، كان خلاصةَ أعمارِ إسبانيا وعهودها، صفوة ازدهار الشعبي، نتاجاً عربياً أندلسياً ينير ويفوح مثل أيكة ياسمين على مسرح إسبانيا، كل هذا، يا ويلتي لقد اختفى ...فأواهٍ وآه...إنَّ فيدريكو غارثيا لوركا لم يعدم رمياً بالرصاص بل اغتيل»!

1-ماهر البطوطي – لوركا شاعر الأندلس – ص 153- الهيئة المصرية للكتاب.
2 - باسم النبريص – جريدة العرب - عدد 22-كانون الأول 2013.
3- قراءة في الكتاب في البيان الإماراتية 27 آيار 2002
4- صحيفة المشاهد 24 عدد 23 نيسان 2015، وترجمة حرفية لبعض تلك الوثائق في مدونة مغربي إسبانية عربية على النت باسم «صلة الرحم بالأندلس» بتاريخ 23 نيسان/ أبريل 2015.
5- ماهر البطوطي – م.س – ص 157.
6- علاء اللامي - كافكا الآخر، ص 34 - مؤسسة الانتشار العربي بيروت 2012).
7- ماهر البطوطي لوركا شاعر الأندلس - ص60- الهيئة المصرية للكتاب
8- إيثار جمال- مقالة - ساسة 19 آب/ أغسطس 2016
9- باسم النبريص – دراسة - صحيفة العرب عدد 2013/12/22
10- قراءة في الكتاب – القدس العربي – عدد 16 كانون الأول/ ديسمبر 2017
11- بابلو نيرودا - أشهد أني عشت - ص181 –ترجمة محمد صبح – المؤسسة العربية للدراسات – بيروت – ط 2.

* كاتب عراقي

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا