أونو دو بوفور وينهولدز، مؤلف كتاب «سادة المال: تقدم المصارف المركزية وسلطتها» (منشورات «بالغريف ماكميلان» ـ 2020) هو مدير تنفيذي سابق في صندوق النقد الدولي. يقول إنه كتب مؤلفه هذا لتوفير فهم أفضل لكيفية تقدم البنوك المركزية مع مرور الوقت لتصبح لاعبة أساسية في الاقتصاد العالمي، إذ ثمة حاجة لتثقيف جمهور أوسع حول سبب وجود البنوك المركزية وأنشطتها، إضافة إلى ضرورة مواجهة حجج السياسيين الحريصين على تقويض استقلالها لمصلحة سلطتهم على السياسة النقدية. كتاب تم بحثه بدقة ولكنه سهل القراءة مع استخدام أقل قدر ممكن من التفاصيل الفنية بقلم مجموعة من أهل الاختصاص.

خصّص المؤلف الفصول الثلاثة الأولى لتاريخ المصارف المركزية وتوضيح كيفية استحالتها، منذ بداياتها المبكرة والمتواضعة، لاعباً رئيساً في تشكيل السياسات الاقتصادية، ذلك أن أعمالها الداخلية بقيت غير معروفة إلى حد كبير. بعد المقدمة التي تستعرض محتوى الكتاب، يتناول الفصل الثاني (من ممولي الحروب إلى بنك أصحاب البنوك) كيف كانت البنوك المركزية في أيامها الأولى كيانات ذات مهام أو تفويضات بسيطة لم تتطور إلا تدريجاً. موضوع الفصل الثالث هو البنوك المركزية تحت سلطة معيار الذهب، حيث تم تغيير مهامها جذرياً مع التبني الواسع لمعيار الذهب الكلاسيكي بين أواخر القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى. ويشرح الفصل الرابع (الاحتياطي الاتحادي) كيف أدى وصول نظام الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة إلى ضخّ أفكار جديدة وممارسات مصرفية مركزية.
بعد انتهاء العمل بمعيار الذهب في ثلاثينيات القرن الماضي، انفصلت السياسة النقدية عن هدف الحفاظ على أسعار الصرف الثابتة. في حين كانت فترة الازدهار في البداية، تميزت فترة ما بين الحربين بالكساد العظيم، الناجم عن السياسات المضلّلة، وهذا هو موضوع الفصل الخامس «من حرب إلى حرب 1914-1939».
كيف استعادت البنوك المركزية مكانتها في سنوات ما بعد الحرب مع إدخال نظام بريتون وودز لأسعار الصرف الثابتة لكن القابلة للتعديل، هذا هو موضوع الفصل السادس «تقدم ما بعد الحرب: 1964-1960».
الفصل السابع «النمو والاستقرار: 1961-1971» يقول: أثبت النجاح الأولي للنظام النقدي الدولي الجديد أنه طلقة في ذراع البنك المركزي وهيبته. لكن الأحداث الدراماتيكية الناتجة عن انهيار نظام بريتون وودز والارتفاع الكبير في التضخم في السبعينيات عقّدت حياة محافظي البنوك المركزية، وخاصة في الولايات المتحدة حيث تعرّض استقلال الاحتياطي الفيدرالي للحصار.
المصارف المركزية استحالت لاعباً رئيساً في تشكيل السياسات الاقتصادية


سمحت أسعار الصرف المرنة الآن للبنوك المركزية بتركيز السياسة النقدية في المقام الأول على الظروف الاقتصادية المحلية واستعادة قوتها ومكانتها، وهو موضوع الفصل الثامن «التغلب على التضخم الكبير 1970-1983». ويشرح الفصل التاسع (البنوك المركزية والاعتدال العظيم) أسباب تمتّع محافظي البنوك المركزية بحياة سهلة نسبياً بين أوائل الثمانينيات وعام 2007، حيث كان التضخم في الاقتصادات الكبرى منخفضاً، والنمو الاقتصادي مرضياً، والتحرك على مستوى العالم نحو استقلال أكبر للبنك المركزي.
الفصل العاشر (البنك الأوربي المركزي: سلطة جديدة) مخصص للعملة الأوروبية المستحدثة. ويتناول الفصل الحادي عشر (الأزمة المالية العالمية) الصدمة المالية العالمية غير المتوقّعة في النصف الثاني من العقد الأول من القرن الحالي، فيما يشرح الفصل الثاني عشر (السياسة النقدية الحديثة) كيف أدى استمرار التضخم المنخفض للغاية، الذي يقترب من الانكماش، بسرعة إلى إعادة تركيز السياسة النقدية.
أدى الاندفاع المالي الذي تسبّب في شبه انهيار النظام المالي، إلى وضع تدابير للحفاظ على الاستقرار المالي في المستقبل على جدول الأعمال بشكل مباشر، وهذا هو موضوع الفصل الثالث عشر (الحفاظ على الاستقرار المالي). ويبين المؤلف أن مجموعة الإجراءات التي تم اتخاذها لإدارة الأزمة والمخاطر المالية، عزّزت على نحو كبير صورة البنوك المركزية على أنها تتمتع بقوة هائلة، ثناءً ونقداً.
المحرّر كتب الفصل الأخير (مستقبل ملتبس) الذي حاول فيه التطلع إلى مستقبل البنوك المركزية وتفحص التحديات المتعددة التي تنتظر سادة المال بشيء من التفصيل، بدءاً من الأساليب الجديدة في السياسة النقدية إلى آثار تغير المناخ. الاستنتاج الرئيس هو أن محاولات تقويض استقلال البنوك المركزية قد تستمر وربما تتصاعد في المستقبل. لذلك، فإنه يقر بأن التهديد الأكبر لمستقبل البنوك المركزية واستقلاليتها يأتي من خطر الوعد بالكثير وأن عليها التركيز على مهامها الأساس وتجنب الدخول في مجالات السياسة المالية درءاً لخطر تسييس السياسات النقدية.

The Money Masters: The Progress And Power Of Central Banks. Palgrave Macmillan (2020). Editor: Onno De Beaufort Wijnholds

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا