صدر «الحروب التجارية حروب طبقية تُفاقِم عدم المساواة وتُشوِّه الاقتصاد الكوني وتُهدد التجارة العالمية» (منشورات جامعة يال ــ 2020) في الوقت المناسب، كما يقال، إذ إن الخلافات التجارية الأميركية الصينية، والأميركية الألمانية قد بلغت ذروتها بما ينذر بحروب تجارية تؤذي الأطراف كافة. لغاية الآن، لم أعثر على مؤلف يشرح أسباب هذه الخلافات من منظور الصين وألمانيا، إذ إن هذا الكتاب يتناول بالتحليل المسألة من منظور أميركي غالب، ولا أدّعي أنه يمثل الحقيقة كاملة غير القابلة للنقاش. وعندما تصدر مؤلفات تعكس وجهات نظر الطرفين الصيني والألماني، فسأبادر طبعاً إلى عرضهما في هذا المنبر.

رسالة المؤلف الرئيسة: تُفهم النزاعات التجارية عادةً على أنها صراعات بين البلدان ذات المصالح الوطنية المتنافسة، لكن الحقيقة أنها صراع أساس بين المصرفيين وأصحاب الأصول المالية من جانب والأسر العادية من ناحية أخرى، أي بين الأغنياء جداً والآخرين. هذا يفضي إلى أنّ الحروب التجارية حروبٌ طبقية. المعلّق الاقتصادي ماثيو سي كلاين وبروفسور الشؤون المالية في «جامعة بكين» مايكل بيتيس يوضحان أنها غالباً ما تكون نتيجة غير متوقّعة لخيارات سياسية محلية في خدمة مصالح الأثرياء على حساب العمال والمتقاعدين العاديين.
يتتبع الكاتبان جذور الحروب التجارية الحالية إلى القرارات التي اتخذها السياسيون وكبار رجال الأعمال في الصين وأوروبا والولايات المتحدة على مدى الأعوام الثلاثين الماضية ويقولان: «لقد ازدهر الأثرياء في أنحاء العالم كله، بينما لم يعد بإمكان العمال شراء ما ينتجون أو فقدوا وظائفهم أو اضطروا إلى مضاعفة استدانتهم. في هذا التحدي المثير للتفكير لوجهات النظر السائدة، يقدم المؤلف سرداً يوضح كيف أن الحروب الطبقية التي تؤدي إلى زيادة عدم المساواة تشكل تهديداً للاقتصاد والسلام العالميين».
يجادل الكاتبان بأن ما كان يحدث للتجارة والتمويل لا يمكن فهمه إلا في سياق الأمراض المحلية في الاقتصادات الرائدة. وكانت النتيجة اختلالات عالمية حادّة، وديوناً لا يمكن تحملها، وأزمات مالية مروعة. هذه القصة مهمة للجميع. أساس هذا المؤلف نظرية «نقص الاستهلاك» التي اقترحها المحلل البريطاني جون هوبسون عام 1902.
المشاكل الدولية تتعلق «بالتحويلات الهائلة للدخل إلى الأثرياء»


انطلاقاً من نظرة الكاتبَين، فإنّ المشاكل الدولية في العقود الأخيرة لا تتعلق بالجغرافيا السياسية بقدر ما تتعلق «بالتحويلات الهائلة للدخل إلى الأثرياء والشركات التي يسيطرون عليها. فالناس العاديون في كل مكان يُحرمون من القوة الشرائية - ويخدعهم الشوفينيون والانتهازيون بالقول إن مصالحهم متعارضة في الأساس ... الخلاف التجاري المتصاعد بين حكومتي الصين والولايات المتحدة هو أوضح دليل على تلك المخاطر»، ويضيفان إن «الحزب الشيوعي الصيني وأتباعه ترأسوا آلة أموال تتمحور حول التصدير خلقت نخبة ثرية مقاومة للتغيير وأن على الحزب أن يولي مزيداً من الاهتمام لعمّاله ومستهلكيه الذين يستنشقون الهواء الملوث ويشربون المياه الملوثة لأن العديد من المسؤولين الحكوميين المحليين يضعون المصالح المالية لأصحاب الأعمال المرتبطين سياسياً فوق رفاه الجمهور».
إن انفتاح أميركا على التجارة والتمويل الدوليين يعني أن الأغنياء في أوروبا والصين والاقتصادات ذات الفوائض الكبرى الأخرى، يمكنهم الضغط على عمّالهم والمتقاعدين مرتاحين إلى مقدرتهم الدائمة على بيع بضاعتهم وكسب أرباحهم وتخزين مدخّراتهم في أصول آمنة.
إن سياسات الصين لا تؤذي الأميركيين فحسب، بل إنها تضرّ أيضاً بالناس العاديين، العمال والمتقاعدين الصينيين. العمال الصينيون يتقاضون رواتب منخفضة على قيمة ما ينتجون، ويتم فرض ضرائب كبيرة عليهم. إنهم غير قادرين على الوصول إلى السلع والخدمات التي يجب أن يكونوا قادرين على الحصول عليها.

Trade Wars are Class Wars: How Rising Inequality Distorts the Global Economy and Threatens International Peace. Yale university press 2020. XIV, 288 pages. MATTHEW C. KLEIN, MICHAEL PETTIS

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا