تقديم وترجمة: عبد النور زياني
كلّ قصيدة لروبرتو خوارّوث هي تبلور لفظيّ مفاجئ. لقد حوّل خوارّوث، اللّغة إلى نقطة ضوء. إنّه شاعر اللّحظات المطلقة العظيم. (أكتاڤيو باث) روبرتو خوارّوث Roberto Juarroz شاعر وكاتب مقالات وناقد أرجنتيني. ولد في كورونيل دوريكو في مقاطعة بوينس آيرس عام ١٩٢٥ وتوفي في ١٣ آذار (مارس) ١٩٩٥.

تخرج من قسم الفلسفة والآداب في جامعة السوربون الباريسية. عمل أستاذاً لمدة ثلاثين عاماً في كلية الآداب في بوينس آيرس. أسّس مع ماريو موراليس المجلة الأدبية «شعر=شعر» Poesía = Poesía التي استمر إصدارها من عام ١٩٥٨ حتى عام ١٩٦٥. في عام ١٩٥٨، نشر عمله الشعري تحت عنوان: «شعر شاقولي». ظهر المجلد الثالث عشر في فرنسا، في طبعة ثنائية اللغة. وفي عام ١٩٩٣، في إسبانيا بعد عام. نشر شعره الكامل في مجلّدَين غطيا الكتب الثلاثة عشر. في عام ١٩٩٧، ظهرت المتوالية الرابعة عشرة بعد وفاته. حصل على العديد من الجوائز منها: جائزة Esteban Echeverría عام ١٩٩٤، و«جائزة جان مالريو» في مرسيليا، وجائزة «بينالي الشعر الدولي» في لييج في بلجيكا عام ١٩٩٢. باستثناء مجموعته «ست قصائد فضفاضة» (١٩٦٠)، تم تجميع أعماله الشعرية في مجلد تحت عنوان «شعر شاقولي» Vertical Poetry، بالإضافة إلى كتب أخرى كـ «الشعر والإبداع» (حوارات مع كيّيرمو بويدو)، «الشعر والواقع»، «الشعر والأدب والتأويل» (حوارات مع تيريسيتا ساكي). لخوارّوث لغة شعرية مقتضبة، تميل إلى الإيجاز. شعره مفاهيمي بامتياز، يقارب مفاهيم شائكة، كالحياة والموت والعزلة والوجود والشعر. عند سؤاله عن شعره، استشهد روبرتو خوارّوث بإجابة باشو عن أسئلة مماثلة حول كتاباته: «كيف يمكنك أن تشرح شيئاً لا تفهمه؟ وصف الشّعر، مثل وصف الحياة أو الحبّ، هو أمر مستحيل».


1.
أعتقد في هذه اللّحظة
أنّ لا أحد في الكون يفكّر بي،
أنا الوحيد الّذي يفكّر بي،
وإذا متّ الآن،
فلا أحد، ولا حتّى أنا، سيفكّر بي.
وهنا تبدأ الهاوية،
كما لو كنت أنام.
أنا سندي الخاص وأستمدّه منّي.
أساهم في إخفاء كلّ شيء بالغياب.
ربّما هذا ما يجعل
من التفكير في شخص ما
شبيهاً بإنقاذه.

2.
يؤلمني التفكير اليوم،
تؤلمني الكتابة باليد،
آلمتني الكلمة الّتي قلتها بالأمس
وتلك الّتي لم أقلها،
يؤلمني العالم.

ثمّة أيّام مثل أماكن معدّة
لجعل كلّ شيء يتألّم.

الله وحده لا يؤلمني اليوم.
هل لأنّ لا وجود له اليوم؟

3.
لا يتطابق مركز الحبّ
دائماً مع مركز الحياة.
يبحث كلا المركزين عن بعضهما البعض
كحيوانين مضطربين.
ولكن نادراً ما يلتقيان،
لأنّ للتّطابق مفتاحاً آخر:
هو أن يولدا معاً.
أن يولدا معاً،
كما يجب أن يولد ويموت
كلّ العشّاق.

4.
(إلى إلكين رستربّو)

العالم اسم آخر
لاستعارة غير مكتملة،
تشبيه فقد عنصره الأوّل.
أين يمكن إيجاد ما كان عليه العالم؟
هل اختفى من العبارة أم محوناه؟
أم أنّ الاستعارة
كانت دائماً مبتورة؟

5.
ثمّة بدل تدوم أكثر من الحبّ.
ثمّة بدل تبدأ بالموت
وتسافر حول العالم
والعالمين.
ثمّة بدل لا تبلى
وإنّما تصير أجد.
ثمّة بدل للتعرّي.
ثمّة بدل شاقوليّة
يسقط الإنسان
وتبقى هي منتصبة.

6.
دائماً ما يؤدّي البحث عن شيء ما
إلى العثور على شيء آخر.
لذا، للعثور على شيء ما،
عليك البحث عمّا ليس كذلك.
ابحث عن الطّائر للعثور على الوردة،
ابحث عن الحبّ للعثور على المنفى،
ابحث عن العدم لاكتشاف الإنسان،
عد إلى الوراء للمضيّ قدماً.
يكمن مفتاح الطّريق
في السّخريّة اللّاذعة
لمعناه المزدوج
أكثر ممّا يكمن في مفترقاته،
بدايته المشبوهة،
أو في نهايته المشكوك فيها.
دائماً ما نصل،
ولكن إلى مكان آخر.
كلّ شيء يحدث.
لكن بطريقة عكسيّة.
الثّمرة خلاصة الشّجرة،
الطّائر خلاصة الهواء،
الدّم خلاصة الإنسان،
الوجود خلاصة العدم.
يتمّ إخطار ميتافيزيقا الرّياح
بكلّ الملخّصات
وبالنّفق الّذي تحفره الكلمات
أسفلها.
ليست الكلمة صرخة،
بل ترحيباً أو وداعاً.
الكلمة خلاصة الصّمت،
الصّمت خلاصة كلّ شيء.

(*)Roberto Juarroz: Vertical Poetry, Recent Poems, Translated by Mary Crow, White Pine Press, 2011.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا