في السنوات الأخيرة، خال بعضهم أنّ الروائي الجزائري رشيد بوجدرة (1941) استحال ظاهرةً صوتيةً ترمي إلى إشعال المفرقعات والحرائق والسجالات على المنابر وفي الإعلام. إذ اقترن اسمه بسلسلة من المعارك الكلامية التي كان يشنّها على بعض الكتّاب «المحابين الباحثين عن اعتراف الغرب بهم»، أو في انتقاد ظواهر معينة في المجتمع. في عام 2017، أطلّ صاحب «الحلزون العنيد» على إحدى قنوات التلفزة، مطالباً بالحقّ في الإلحاد. سرعان ما هبّت حملة تكفيرية على الماركسي العتيق، قبل أن يخرج ليعلن بأنّه ينتمي إلى الإسلام بصفته وعاء حضارياً وفكرياً شكّل وعيه، فـ «الفلسفة والعلوم الإسلامية شكلت روافد وحضارة عظيمة في الثقافة الإنسانية... وأنا أكثر إسلاماً من هؤلاء الإسلاميين الذين يتخذون من الدين مطيّة لخداع الناس والتلاعب بعقولهم لأغراض سياسية. أما مسألة الإيمان والمعتقد الديني، فتلك قضايا فلسفية قابلة للنقاش. ومعتقداتي الشخصية في هذا الشأن لا تخصّ أحداً غيري» وفق ما قال لنا يومها.
(جان فرنسوا باغا)

لكنّ الحرية، جزائر المقاومة، حقبة ما بعد الاستعمار وفشل مشروع التحرر الاجتماعي، التصفيات في صفوف الثورة، التزمّت، الاستقطاب الإسلاموي للمجتمع، عشرية الدم، حرية الفكر والمعتقد والإلحاد... كلها قضايا شكّلت صلب أعمال هذا الروائي الغزير، أكانت بالعربية أم الفرنسية، منذ باكورته «التطليق» (1969) التي حملت نبرة مغايرةً وجرأةً في مقارعة المحرّم الجنسي والسياسي وتناقضات الثورة التحررية وصولاً إلى روايته الجديدة «حرمان» («دار الساقي» ـ 2020)، التي تعود إلى الجزائر الساعية إلى التحرر من نير الاستعمار بالعنف والدم، ثم تقف عندها راهناً لتصوّرها تائهة في طريقها نحو المستقبل. بين الروايتين، أعمال كثيرة، غاص بعضها في حقائق تاريخية وجراح لما تلتئم بعد من بينها التصفيات التي تعرّض لها عشرات المناضلين الشيوعيين الذين التحقوا بالثورة الجزائرية، وذُبحوا على أيدي رفاقهم في السلاح بسبب آرائهم الماركسية (روايات «السلب»، و«التفكك» و«شجر الصبّار»). رشيد بوجدرة ينتمي إلى جيل احتلّ المشهد الروائي والفكري في جزائر خارجة من نير الاستعمار، بلغة تسعى إلى تحطيم المحرمات والتابوهات والانحياز إلى أسلوب تجريبي حلزوني في الكتابة لا يلتزم بحبكة خطية. على مشارف الثمانين، ما تعب صاحب «شجرة الصبار» الذي يتمتع بشعبية في بلده (لا في الخارج) في الانتماء إلى مجتمعه، من دون التخلّي عن نبرته النقدية التي صنعت خصوصيته في مقاربة قضايا ومسائل تتعلّق بالحق في الحرية في المقام الأول ومقارعة الاستعمار أكان في الداخل أو الخارج. هو الذي لطالما اعتبر عداء فرنسا له عداءً سياسياً لا أدبياً، بسبب عدم مداهنته الغرب على ارتكاباته الكثيرة في أراضينا، بدءاً من فلسطين وصولاً إلى بلاد ما سمّي بـ «الربيع العربي».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا