محمد القاسمي ــ بدون عنوان (زيت على قماش، 2001)
1. بهاليل وفوانيس
تأتي الريح إلى فراغنا،
تحلّ المراكب
محملةً
بالحكم،
ونوايا العابرين،
مثخنةً بالصلصال
وأزهار الرماد،
لتقدم النصح لصانعي الأطاييب
وتلاوين الفصول.
ها هم البهاليل
يلوّحون على سطحها
بفوانيس
لصيقة بالأرض،
المنائر
كالأقداح،
يدوّرها الصفير
على أعناقهم.
البرية بعيدة،
ورياح الهمج
مذعورةً
تولول على جباههم
بنذور
البازلت والصبار.

2. النساء هنّ النساء
كأسي على الطاولة،
والنساء
هنّ النساء،
يطوّعن القلق والرياحين
في قلبي،
ويغرزن
شوكة الضعف والقوة
في أيامي ولياليّ،
كثمرات يفضن باللذائذ النادرة.
في هذا المشهد الشبحيّ،
كانت المغارات فاتنة في خيالي،
في عز الانتظار،
فوق أراضٍ خربة،
والنهار يكفّر عن طفولة شمس واهنة...
منذ تلك الآثام
ونجمة مولدي تشعّ
في شيخوخة سعيدة،
تتواضع خلفها
الزلّاتُ..
لا جمالَ
يغري أحزاني.
سألهمها صمتاً ضارياً
قابلاً للخسران...
في الغرفة الخلفية
تظل الجوكندا وحيدة،
بينما يذرف الكركدنّ
دموعه
أسفل السلم.

3. تفاح وصولجان
ليت لي شباكاً
من ذهب،
لأصيد بيوض الحيتان،
أعلقها على الجدران
لاستقبال العائدين من حروب الأمس...
من فرط ما أحببتك
ظلّت المجرات تبكي
تحت وسادتي
كل ليلة،
بينما الأشباح ترقص
في سحابة،
بين التفاح
والصولجان.

4. هضبة فوق كرسي
من نافذة بعيدة على الأطلسي، يجيئني صوتك
محمّلاً بالعصافير ونواح الشجر... ثمة ما يشبه اختلاجات الشمس
في العروق الصاعدة في المرآة، ثمة ما ينبئ بعثرات
النجوم وهي تسبح في يدي. هذه الكأس تموج بما تحتبسه
الأنفاس الباردة من سحاب نقي وزهر يابس
لهضبة فوق كرسي...

5. نيزك أعمى
فكرتُ:
أأستطيع أن أحمل قلبي
كما يحمل الطير
قطرة المطر؟
أو كما تلاعب النوارس
خصلات الصيادين
أمام صمت بكائهم.
يا للألم القادر
على أن يخيط أصابعي
بشظايا البخور
ولون النبيذ.
يا للعربات التي تجري
مولولةً بين الفزاعات:
هذه يدي لا يبرحها
النيزك الأعمى،
حين يقود
صفا من القوارب
نحو أمجادها المحطمة.

6. عيون في الجرار
بجناحين مشتعلين في سمائي، سأحنو قليلاً على الطريق إلى مشاتل العنقاء. على مقربة من معصرة النبيذ ثمة عيون في الجرار. لن أكتفي بمصائد الكناية. العائدون من دروبها لم يفيقوا من الصحو. عما قليل سترتخي سواعدهم من النسيان. أمام نظرتي الخرساء يكبر السحاب، وتسرج الخيول عائدة إلى دارتها في الضباب.

7. بخار مهجور
رائحة القرنفل في الصدى. وأنت تعبرين بين غياب وغياب. في الغرفة سحب فوق صوري، معادن تتكسّر في البخار المهجور عند الهزيع الأخير من عمر هذه المياه اللألاءة على الإفريز. الخصر متناغم. والموشح يهدي. لماذا هذه الشرفة مطفأة وخلفها تدمدم الشفاه بأغنية عن الرماد وأعراس الزجاج؟

8. رعاة منسيون
ليتني جدلت الماء في أنساغ الشجر، أحرقت بذوري بين الحلي المنثورة على باب حانة مهجورة. في الصيف، كما في الخريف، تكون الحكمة أحلى، لأن العصافير تفيق من أخطائها خلف الستائر، ولأن أقماراً خضراء تطرق باب الحرير في انتظار هواء نحيف. في هذا المنعطف تحت شجرة بلا أكمام، يجلس الرعاة، شفاههم على الكؤوس الذهبية، ليستريحوا قليلاً من وعثاء الخيبات في الحقول. ها هم يشعلون لليل آخر القناديل. لا وقت للخسران، فالذئاب تشحذ في الهضاب القريبة مُداها، وتنتظر مرور القوافل والأمطار.

9. مهالك
الشتاء كله
موجع.
بدون غفوتك،
تسرقني المهالك
من الضوء الفاتن
لنعومة الفجر،
حتى أكاليل الرمل
في المنحدرات.

10. شمس... أو كآبة
كان محاطاً
بكل شيء،
خيمته في الريح،
أسمال روحه
منثورةً
فوق قباب
المدينة،
سنابله الطويلة
الأعناق
بأنياب بيضاء،
أسراره
في مخادع النساء المسنّات،
سترته بالمنديل الأزرق
في الجيب،
هذا الرجل
الذي يقف الآن
أمام الجدار،
ينثر الحَب
خلفه للطيور...
ليس أنا،
هذا الرجل
الذي يقرأ «كتاب الضحك»
موقن بأن الأمل
بوجهين،
يتسكّع
بين الكثبان:
شمس،
أو
كآبة.
* الرباط/المغرب