ترجمة محمّد الشركيحين ترْتمي الذبابة في شعْلة الشّمْعة، تكون التّضْحيّة صاخبة، إذْ يطقْطق جناحاها، وترْتجف الشّعلة. وعنْدئذ يبْدو أنّ الحياة تتقصّف في قلب الحالم. غيْر أنّ نهاية العثّة أكثر نعومة وأقلّ صخباً. إنّها تطير دون ضجيج، وما إن تلامس الشّعْلة بالْكاد حتّى تكون قد احْترقت. وبالنّسْبة لحالم من العيار الْكبير، كلّما تناهى الْحادث في البساطة، ابتعدت مسافة تعليقاته عنه. هكذا كتب يونْغْ فصلاً لعرْض هذه المأساة تحت عنوان: «نشيد الْعثّة». ويستشهد يونْغْ بقصيدة للْآنسة ميلر، وهي مريضة بالفصام. كان تحليله لحالتها منطلق الطبعة الأولى من كتاب: «تحوّلات الروح».
جوزف سُومَالَا ـــ «فَرَاشَةُ النَّار» (رسمة أنفوغرافية، 2017).

هنا يمنح الشّعر مرّة أخرى لواقعة تافهة دلالة مصيريّة. فالقصيدة ترى كلّ شيء كبيراً. والْكائن الصّغير جداً، المنطوي داخل نغفته، يروم التّضحية العظمى والمجيدة باتّجاه الشّمس، شعلة الشّعل. هكذا تغنّي العثّة، هكذا تغنّي المريضة بالفصام:
«إليْك كنت أهفو، منذ انبثاق وعيي كدويدة. وبك وحدك كنْت أحلم حين كنْت شرنقة. غالباً ما يهلك عدد لا يحْصى من أشباهي عند طيرانهم نحو شرارة واهية منبعثة منك. بعْد ساعة فقط، سينتهي وجودي الواهن. وكما شهوتي الأوْلى، لن يتغيّا جهدي سوى الاقتراب من مجدك. عندئذ، بعدما أكون قد لمحتك في لحظة انخطاف، سأموت سعيدة، بما أنّني سأكون قد تملّيْت مرّة واحدة بمشاهدة ينبوع الجمال والدّفء والحياة في بهائه المطلق».
هذا هو نشيد الْعثّة، رمْز حالمة تبتغي الموت في الشّمس. ولا يتردّد يونغ في مقارنة قصيدة مريضته بالفصام بالأبيات الّتي يحلم فيها فاوست بالاندثار في نور الشّمس:
«آه: ليْت لي أجنحة لأحلّق فوْق الأرض
وأتْبعها في مسيرتها دون توقّف
ولكنّ انْدفاعة جديدة تستيْقظ بداخلي
فأنطلق دائما أبعد فأبعد لأشرب من نورها الأبديّ».
كما لا نتردّد في الاقتداء بيونْغْ في مقارنته لقصيدة مفصومته بقصيدة غوته، لأنّنا نشهد هذا التكبير للصور الذي هو أحد المحرّكات الرّاسخة للحلم الأدبيّ. ففي مجموعته الشّعريّة: «الديوان»، يقف غوته عند تضحية الفراشة في الشّعلة كثيمة للحنين السّعيد:
«أريد أن أمتدح الكائن الحيّ
الذي يهفو إلى الموت في اللّهيب
داخل نداوة ليالي الحبّ
وأن يتملّكك إحساس غريب
حين يلمع المشعل الصّامت
فلا تعود منزوياً
في الظّلمة القاتمة
وتستحثّك شهوة جديدة
نحو زفاف عال».
إنّ مصيراً كهذا يحظى من غوته بشعار كبير: «مت والتحق بالصّيْرورة»، حين يكتب:
«مت والتحق بالصيرورة
ستبقى مجرّد ضيْف مبهم
على الأرض المعتمة».

[منْ كتاب غاستون باشلار: «شعلة شمعة»]
(*) العنوان من وضع المترجِم.