«إنه طائر ....
بل طائرة ....
إنّه يهودي!»
على مستوى ما، قد يكون «سوبرمان» الشخصيّة الأكثر شهرة في العالم. يعتبره كثيرون رمزاً ثقافياً أميركياً خالصاً يجسّد نظرة الإمبراطوريّة لنفسها: بيضاء، تنحدر من أمّة مهاجرة، نبيلة، وجبّارة، ومهيمنة، ونصيرة للعدالة وحامية للكوكب عند الشدائد، تقود تحالفاً دوليّاً من الأبطال الجبابرة لمحاربة الخارجين عن القانون (الأميركي دائماً).

مع ذلك، فإن لتلك الشخصيّة ملامح يهوديّة وتشابهاً بدا أكثر من مصادفة محضة مع ترميزات من التراث العبراني والقصص التوراتيّة وحكايا التلمود، عزاها بعضهم إلى حقيقة أن جيري سيغل وجو شوستر، مبتدعي الشخصية، يهوديّان مهاجران من أوروبا. لكنّ كتاباً جديداً لروي شوارتز، وهو نفسه مهاجر يهودي إلى الولايات المتّحدة متخصّص في تحليل الأساطير والرموز الثقافية، يقول بأنّ «سوبرمان» شخصية يهودية بالكليّة تغرف من قصص النبي موسى، وتستوحي الجبروت من شخصية شمشون، وإحساسه بالمهمة من نموذج الغوليم، وهويته السرية الغامضة تعبير عن حالة الاغتراب التي يعيشها المراهقون والشبان اليهود المهاجرون إلى الولايات المتحدّة.

لقد أُطلقت الشخصيّة في 1938 بطلاً لاجئاً فاراً من الكارثة في موطنه إلى أرض أخرى، تماماً كما يهود أوروبا الشرقيّة عشية الحرب العالمية الثانية. أُرسل لتحطيم الدبابات النازية قبل عامين تقريباً من انضمام الولايات المتحدة رسميّاً إلى الحرب. وبحسب «هل كان سوبرمان مختوناً؟: التاريخ اليهوديّ الكامل لأعظم بطل في العالم» (منشورات McFarland ــ 2021)، فقد استمر كتّاب «سوبرمان» وفنانوه ومحرّروه اليهود في استعارة معالم عبرانية لقصصهم في العقود المتعاقبة التالية: ماضي كوكب كريبتون من سفر التكوين والخروج، و«الكريبتونايت» يرمز إلى بقايا الحضارة اليهودية التي دمّرت في الهولوكوست، وضعف «سوبرمان» عند ندمه على انعدام القدرة على إنقاذ الشعب، ومجتمعه على قياس الثقافة العرقية اليهودية، ومحاكمة ليكس لوثر على نسق محاكمة أدولف أيخمان، فيما عطلة مستقبلية للاحتفال بـ «سوبرمان» تتطابق تماماً مع عيد الفصح كـ «ليلة من السنة تختلف عن جميع الليالي الأخرى»، و«نحتفل اليوم لأنه منذ آلاف السنين، سوبرمان علمنا أن نعيش كشعب حر!». كما يضع كل فرد من أفراد الأسرة رمزياً جزءاً من طعامه على طبق فارغ مخصص لسوبرمان عند عودته، «على نسق قصّة كأس النبيذ لإيليا». كما هي الحال في أغلب الأساطير، فإن كل الحكاية تبدأ من الاسم. ويذكرنا شوارتز بأن اسم سوبرمان لحظة الولادة هو «كال-إل»، واللاحقة «إل» أو El تعني «الله»، وتحظى باستعمال واسع في أسماء الأنبياء التوراتيين، مثل «إسراء- إل»، «سامو-ال»، في حين أن «كال» هو جذر كلمات عبرية عدة تعني «بخفة» و«سرعة» وأكثر من ذلك.
يسحب شوارتز تفكيكه الممنهج للرموز الثقافية التي تحملها شخصية الرجل الخارق على تاريخ أبطال أميركا الخارقين الآخرين. لمعظمهم ملامح يهودية بشكل متفاوت، لكن الأكثر يهودية بينها ربّما بعد سوبرمان، هو الرجل العنكبوت، مشيراً إلى أنّ المفهوم المعاصر للبطل الجبّار، شكّلته ثلّة من المبدعين كانت أغلبيتهم الساحقة يهوداً. وقد جعل هؤلاء من سوبرمان «إسقاطاً لأشواقهم الأعمق، وحاملاً لشعلة التقاليد اليهودية، وقناة عبرانيّة لمخاطبة العالم الأوسع بلهجة توراتيّة». ويرى أنّه «فقط من خلال الاعتراف بسوبرمان شخصية يهودية تامّة لا مجرد نتاج أدبيّ لمبدعين يهود، يمكن إدراك المغازي الكامنة فيها في ضوء جديد بعيداً عن الافتراضات، وتصبح قصصه المصورة الأصلية جزءاً من مكتبة الأدب اليهودي الأميركي، وتكتسب مكانها الصحيح على الرف بجوار أعمال فيليب روث وسول بيلو».
ويفسّر شوارتز حقيقة تقبّل جمهور عريض لشخصيّة «سوبرمان» بكون الثقافات الغربية والإسلامية مُتخمة بالرموز من الفولكلور اليهودي. وهو يقترح كذلك أن شخصيّة كلارك كينيث – سوبرمان، عندما يمضي إلى حياته العادية، هي انعكاس لشخصيّة الشاب اليهودي المهاجر: «ذلك المُشرق الوسيم ولكن الخجول، المنحني الظهر، المُحيّر، المتلعثم، كأنّه قائمة مرجعية للقوالب النمطية اليهودية وعقد النقص المرتبطة بها». وعلى عكس الأقليات المضطهدة الأخرى في ذلك الوقت، يمكن لليهود (الإشكناز البيض على الأقل) تخيّل أنهم مع استضعافهم، يمكنهم تغيير ملابسهم عند الحاجة وإعلان يهوديتهم، والتحليق لأعلى وفرض الإعجاب على العالم.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا