وجدت علّاقة مفاتيح في الشارع فيها حرفا «م» و «أ» وتحمل مفتاحين. التقطتها وجلست في حانة قريبة عسى أن يمرّ صاحبها فتُحسب لي حسنة. في الأثناء، اخترعت أسماء وسيناريوات كثيرة وأنا أحدّق بها. استقررت أخيراً على متخيّلين، لدينا هنا ألبرتو وماريا، يحب أحدهما الآخر ويعيشان معاً. ماريا تحب النباتات الخضراء في المنزل، وألبرتو يعمل مدرب سباحة أو مهندساً، أو عاطلاً من العمل الآن، ثم يحدث شيء على الطريقة الهوليوودية المعروفة، كأن تصاب ماريا بالجنون حين تبدأ نباتاتها بالتحدث معها ولا يصدقها أحد، ويوقع ألبرتو مفاتيح وهو يهرع إليها في نوبتها، وقبل أن أضيف وأحذف في رأسي، وصل صاحب المفاتيح وهو يجول بعينيه في الأرض. كان فتى يافعاً بعينين رماديتين وقد شكرني كثيراً.
إدوارد هوبر ــ «مقهى» (زيت على كانفاس ــ 1927)

.. إلى اللقاء ألبرتو
لربما كان علي أن أدسّ ورقة في جيبه أخبره فيها أن النباتات حقاً تتحدث مع ماريا
■ ■ ■
ماذا تريدين أن تصبحي أيتها الحصاة حين تكبرين؟
أريد أن أصبح دمعة
لكنّ الدمعة لا تبني بيتاً وأمّك الصخرة ستغضب
أريد أن أصبح دمعة
لكن الغراب لن يتمكن من التقاطك ووضعك في الزجاجة ليشرب
أريد أن أصبح دمعة
لكنك لن تعلقي بين أصابع قدم امرأة تمشي على الشاطئ
أريد أن أصبح دمعة
لكنّ ولداً لن يقذفك في السماء لتطيري وتحدّثي إخوتك عن الغيمة التي تمنّتك بنتاً لها
أريد أن أصبح دمعة
لكنّ الدمعة تموت
أريد أن أصبح دمعة
أريد أن أصبح دمعة
أن أصبح دمعة

موسيقى
موسيقى

المثنى في الليل
الوحدة مثل الصخب، مشتقّان من الغبطة، والحب مثل اللاحب، كلاهما يتنافس على الماء في داخلك، والعين مثل الفم، بابان في غيبوبة، والسماء مثل الأرض، دماغان واجمان ومعطّلان، والرغبة مثل انطفائها، نحيبان متخيّلان، والحياة مثل الموت، قيامتان تحتشدان في الفراغ، والإيمان مثل الكفر، شهوتان مسمّرتان في الدم، والقبلة مثل الدمعة، عربتان يجرّهما تنيّن، والظلّ مثل الجلد، سُمّان حزينان معلّقان على شجرة، والكلام مثل الخَرَس، فهرسان مكهربان، والعمى مثل البصر، مجدان مخموران، والنجاة مثل الفخّ، طابعان يواسيان رسائل لم تصل، والمثنّى مثل المفرد، معنى غزال يخبّ بين الأنقاض، والغيمة مثل الطينة، مشيمتان تجلدان الغياب، والإبرة مثل الشجرة، ملكتان ترفلان في الوخز، والقبر مثل النجمة، صمتان منفيان وراء خاتم، والطعنة مثل الريشة، حانتان تائبتان، والطّلل مثل الحاضر، فاصلتان في قصائد عن الريح، والكتابة مثل العدم، عينان غارقتان في اللمعان، تركلان دموع بعضهما طوال الليل
■ ■ ■
عن رجل وحيد يمشي على الجسر
...
كان يقصّ سيرته على امرأة جميلة في بيته
قال
كنت أمشي كثيراً وحيداً على الجسر
أفكّر بطائر بارد
بريش بارد وعيون باردة
يموت أمام النافذة
كنت أبتسم مثل صدع في الهواء الذي يسوق الخريف إلى الأحياء
والصيف إلى الأموات
وأبكي مثل أحذية فارغة
فكّرت كثيراً بالرحم الذي عشت فيه حياة سعيدة
حيث لا ريح تخلع قبعتي
حيث لا أحد يدقّ الباب
ووددت لو أعود لأتكوّر هناك
أنا وقبعتي وكلبي وابريق الشاي الساخن
كنت أمشي وحدي دون شهوة ودون ذاكرة
دون أن أجفل حين يدهس القطار البحيرة
أو يسرقني أحد المحتاجين
أصل إلى نهاية الجسر ثم أعود أدراجي
وأفكر في طريق العودة
لماذا كلّ هذا الوخز في قلبي
أنا الذي لا أريد شيئاً
……
قصة واقعية:
في المقهى الذي كنت أجلس فيه، تحوّلت رؤوس الزبائن إلى بالونات وتحوّل النادل إلى دبوس، وفجأة لم يبق أحد.
أيضاً أنا ما إن طلبت قهوة حتى اختفيت
……
قال لحشود تنتظره خارجاً
لا أستطيع أن أغادر بيتي
ستأتي الوحدة ولن تجد أحداً
وقد تموت من الحزن
ولن ينفعني عزاؤكم بها باكين في شيء
اذهبوا أنتم إلى حفلة العالم الجديد
لكن أنا
لا أستطيع أن أغادر بيتي
ستأتي الوِحدة وتظنني هجرتها
حينها لن ينفعني أحد
لن ينفعني شيء
.....
قبل أن يموت، فرد الحطاب فؤوسه الكثيرة أمامه وقال لحطّاب العالم الشاب الجديد:
هذه هي الفأس الأقوى على الأرض، تستطيع أن تقطع بها أي شجرة تريد، حتى تلك التي من فرط وقوفها أصبحت صخرة.
وهذه هي الفأس الحاقدة، ردّد اسم عدوّك مرتين وستذهب وحدها لتضرب عنقه.
وهذه هي فأس الجميلات، أهدِها لكلّ جميلة تريدها، ستصبح مرآة في الصباح وتثمر الأشجار في حدائقهنّ سريعاً.
وهذه الفؤوس الصغيرة، اسمها فؤوس النسيان. كلّما أردت أن تنسى امرأة اضرب قلبك بإحداها.
أما تلك الفأس الجالسة وحدها هناك فاحترس منها
فهي لا تقطع شجرة
ولا تضرب عنقاً
ولا تصبح مرآة
ولا تُنسيك أحداً
ولا تفعل شيئاً
سوى أنك
حين تنام
ستلمع في حلمك إلى الأبد
……
فقد الخاتم عينه. فقدت إبرة الصنوبر جنينها. لم تعد الحياة مؤلمة مع كل هذا الشعر و هؤلاء القناصين
لا أحلام في غيبوبة الوخز الطويلة
علامات الساعة: حصان فوقه نقطة
وكان هناك ماسٌ يصيح: لا تذهبوا فيراني صاحب المنجم حدث هذا في زقاق ضيق تموء فيه امرأة وقطط جائعة
……
البحر قصر عظيم
النهر بيت صغير مع حديقة
البحر شعر وقصائد عظيمة
النهر نثر وسرد
البحر برج الجنود والنوارس
النهر برج الدودة والحجر
البحر يشتهي عاصفة عذبة
النهر يشتهي الملح
البحر لا ظل له
للنهر ثلاثة ظلال
البحر عين
النهر فم
البحر سماء
النهر تراب
…….
كل شيء يحدث بسرعة
القهوة تبرد سريعاً
الأيام مثل أسماك تنزلق من روح صياد
القصائد العظيمة صارت مملة
والذكريات أيضاً
نحن في قطار كهربائي
والأنفاس مثل أنفاس من يضرب بالسكين
……
كنا سبعين شيطاناً على الأرض
و معنا ألف شاعر لا ينام
و ألف ذئب يعوي حين تلمس امرأة رجلها
و أشجار غاضبة أيضاً كانت معنا
وكانوا ثلاثة ملائكة في السماء
ومعهم إله
وغيمتان غاضبتان
.. قتلونا جميعاً
……
أخبرت الجميع عن الأرنب الذي دست عليه مرة بالخطأ وأنا طفلة ومات أمامي. ما إن يبدأ أحدهم بالحديث عن الشعر حتى أباغته بـ: هل تعلم أني قتلت هدية عيد ميلادي؟ ثم أجلس لأسرد عليه تلك المأساة التي تنقذني دائماً من التحديق في وجه يحدق بي منتظراً أن ألقي قصيدة لأن أحداً أخبره أني شاعرة. لست متأكدة تماماً ماذا تعني هذه الكلمة الأخيرة، لكني أعرف جيداً ماذا يعني أن تدوس على أرنب. بإمكاني أن أتكلم عن ذلك طوال حياتي
……..
في السماء اليوم، عصفوران أسودان صغيران يحلقان في البعيد، ويلمعان.
لماذا لم تقل لي إن عينيك تطيران؟
* لبنان/ إسبانيا