حرف التاء، الذي هو آخر حرف في الأبجديات السامية المكونة من 22 حرفاً، ويتمثّل بصليب في شكليه الشائعين.
حرف التاء في الأبجديات السامية


لكن النقاش يدور حول اسم هذا الحرف في هذه الأبجديات. فاسمه بالعبرية تاو taw وبالسريانية تاو taw أيضاً. وهو باليونانية تاو tau. وبالحبشية تاوي tawi-tawe. وكلمة تاوي لا تعني شيئاً باللغة الحبشية، حسب ما يقوله الباحثون. لذا افترض أنه مستورد إليها من لغة سامية أخرى. أما بالعبرية، فإن تاو تعني: إشارة، علامة: «معنى هذا الحرف «علامة» أو «إشارة» كما يظهر من كلمة taw في العبرية. ولئن عدمنا في اللغات السامية كلمات مقابلة لهذه الكلمة العبرية، فقد يعوّض هذا شكل الحرف في الكتابات المختلفة، وهو أقرب إلى أن يكون علامة أكثر من أي شيء آخر. فرمز الحرف t في السينائية + ، وفي السامية الشمالية + [مع ساق طويلة] أو × ، وفي العربية الجنوبية + أو ×. وفي التقابل بين الاسم والمعنى، دليل على أن هذا الاسم هو كلمة لا مجرد صوت t ملحوقاً بالصائت المركب –aw (منير بعلبكي، الكتابة العربية والسامية، ص 248-249، دار العلم للملايين، 1981).
يُضيف بعلبكي: «ومثل ذلك اسم الحرف taw، إذ ليس مشتقّاً من كلمة taw العبرية، وتعني «علامة» أو «إشارة»، بل على العكس من ذلك، يجب تفسير الكلمة العبرية هذه بأنها مأخوذة من اسم الحرف t لأن شكل هذا الحرف (+ أو ×) يوحي بهذا المعنى» (منير بعلبكي، الكتابة العربية والسامية، ص 252). ويمكن للمرء أن يوافق على كلام بعلبكي حول أنّ اسم الحرف في العبرية مأخوذ من كلمة محدّدة، وأنه ليس مجرد نطق لصوت التاء. لكن ما معنى أن هذه الكلمة تعني إشارة. فكل حروف الأبجدية يمكن أن توصف بأنها إشارات لا التاء وحدها. بذا فالمعنى في العبرية «علامة» لا يقدّم ولا يؤخّر في فهم أصل حرف التاء. يجب أن نعرف عن أي علامة يجري الحديث.

هناك بيت شعري للبحتري قد يدعم احتمال أنّ اليد كانت تدعى «يمن» بالعربية

أما القول بأننا «عدمنا في اللغات السامية كلمات مقابلة لهذه الكلمة العبرية»، فهذا كلام غير صحيح مطلقاً. فلدينا مقابل بالعربية للكلمة العبرية. وهو مقابل أدق من الكلمة العبرية، ويمكن له أن يوضح لنا المعنى الأصلي للكلمة العبرية ذاتها. كما أنه يستطيع أن يوضح لنا أصل الصيغة الحبشية لأنها صيغة مأخوذة من العربية القديمة في ما يبدو. أما الكلمة العربية المقابلة لكلمة «تاو»، فهي «التّواء». وهي لا تعني «علامة» هكذا بالعموم، بل تعني علامة محددة هي وسم للإبل على شكل صليب:
«التِّواء من سمات الإبل: وسم كهيئة الصليب، طويل يأخذ الخد كله، عن ابن حبيب من تذكرة أبي علي. النضر: التِّواء: سمة في الفخذ والعنق. فأما في العنق فأنه يبدأ به من اللهزمة، ويحدر حذاء العنق، خطا من هذا الجانب وخطا من هذا الجانب، ثم يجمع بين طرفيهما من أسفل لا من فوق. وإذا كان في الفخذ فهو خط في عرضها. يقال منه بعير متوي، وقد تويته تيا، وإبل متواة، وبعير به تواء وتواءان وثلاثة أتوية. قال ابن الأعرابي التواء يكون في موضع اللحاظ إلا أنه منخفض يُعطف إلى ناحية الخد قليلاً، ويكون في باطن الخد كالتؤثور. قال: والأثرة والتؤثور في باطن الخد، والله أعلم» (لسان العرب).
يضيف الفيروزآبادي: «والتِّواءُ، بالكسرِ: سمَةٌ في الفَخِذِ والعُنُقِ كهَيْئَةِ الصَّلِيبِ» (الفيروزآبادي، القاموس المحيط). أما الأزهري، فيقول: «وقال النضر: التواء سمة في الفخذ والعنق... يُقال منه: بعير متوي، وقد تويته تيا، وإبل متواة» (الأزهري، تهذيب اللغة). ويزيد المعجم الوسيط: «التِّوَى: سِمَة في الفخذ أَو العنق كهيئة الصليب».
إذن، فهناك سمة من سمات الإبل، أي علامة من علامات ملكيتها، على شكل صليب تسمى: التِّواء والتَّوِيّ. هذا هو القول الفصل. وهاتان الصيغتان، والثانية منهما على وجه الخصوص، قريبتان جداً من الصيغة الحبشية: توي tawi-tawe. وبما أنه ليس لهذه الكلمة معنى بالحبشية، فإنه يمكن افتراض أن الصيغة الحبشية مستوردة من العربية. عليه، فاسم حرف التاء يعني، وانطلاقاً من العربية: سمة (علامة) الصليب، وليس أي علامة بالعموم. بالتالي، فالأصل التصويري للحرف سمة محددة من سمات الإبل تأخذ شكل صليب. ولست أستبعد أن «التوي» كان اسم الصليب ذاته في الزمن القديم. وإذا صح هذا يكون اسم الحرف قد أُخذ من الصليب مباشرة.
وكنت قد أوضحت في مادتين سابقتين في «كلمات» أنه يمكن استعادة الأصل التصويري لحرفي اللام والطاء استناداً إلى العربية (الحية اللاوية، أي المتطوية، وزهرة القطن). ومع حرف التاء، نصبح مع ثلاثة أحرف. وهذا أمر يجب أن يؤخذ بالاعتبار عند الحديث عن أصل الأبجدية وأصل أسماء حروفها. فإذا كانت العربية قادرة على تفسير أسماء عدد من الحروف في الأبجديات السامية، فإن هذا يعني أنها كانت، وبشكل ما، على صلة بمولد هذه الأسماء، وأن الأبجديات السامية الشمالية ربما تكون قد استعارت جزءاً من هذه الأسماء من العربية. وهذا يعني أن هذه الأسماء كانت مستخدمة في العربية القديمة قبل أن تتحول أسماء الأبجدية فيها لاحقاً إلى: ألف، باء، تاء، جيم، إلخ.
أخيراً، أودّ أن أُشير إلى أن اسم حرف الياء في الحبشية هو: يمان yaman. بينما في العبرية هو: يود yod ، أي يد. وقد افترض أن الأحباش غيروا الاسم يود إلى يمان، التي تعني اليد اليمنى، لأن كلمة يد في الحبشية لا تبدأ بالياء. وهذا احتمال ممكن. لكن هناك احتمال آخر وهو أن هذه الكلمة مستوردة من لغة تسمي اليد (يمين، يمان، يمن). وهناك بيت شعري للبحتري قد يدعم احتمال أنّ اليد كانت تدعى «يمن» بالعربية:
ما تنكر الحسناء من متوغل
في الليل يخلط أينه بسهوده
قد لوّحت منه السهوب وأثرت
في يمنتيه وعنسه وقيوده
قد يكون البحتري بالطبع أخذ اليد اليمنى ثم جعلها اسماً لليدين معاً. لكن هناك احتمال لأن تكون اليد دعيت في العربية في وقت ما باسم «يمن» وأن البحتري استخدم صيغة التثنية (يمنتيه) لهذه الصيغة المهملة. وربما يؤيد هذا قول لعمر بن الخطاب: «فِي حَدِيثِهِ حِينَ ذَكَرَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ القَشَفِ وَالْفَقْرِ والقِلَّة فِي جَاهِلِيَّتِهِ، وأَنه وأخْتاً لَهُ خَرَجَا يَرْعَيانِ ناضِحاً لَهُمَا، قَالَ: لَقَدْ أَلْبَسَتْنا أُمُّنا نُقْبَتَها وزَوَّدَتْنا بيُمَيْنَتَيها مِنَ الهَبِيدِ كلَّ يومٍ». وهناك آراء متعددة جداً بشأن كلمة يمينتيها. لكن احتمال أن سمى اليدين يمنتين (يمينتين عند التصغير) لا يمكن نفيه. بالتالي، فقد تكون كلمة «يمن، يمان» مرادفاً لكلمة «يد» في العربية وأنها استخدمت في وقت ما لتمثيل حرف الياء تبعاً للمبدأ الأكروفوني، ثم استوردتها الحبشية بعد ذلك.

* شاعر فلسطيني