لا تكتمل صورة المدوّنة النقدية للرواية العربية، من دون توقيع فيصل درّاج (1943) عليها. أسهم الناقد الفلسطيني باكراً في تأصيل خطاب نقدي مغاير، ينهض على دعامة معرفية صلبة تمنح النصّ السردي قدرة إضافية على التحليق عالياً، باستكشاف المخبوء والهامشي والمضيء في المتون التخييلية، مقلّباً تربة النصوص بمحراث حاد، هو حصيلة اشتغالاته الفكرية المتنوعة، وقدرته المذهلة على أرشفة تجارب أساسية في الرواية العربية من موقع مختلف، مثل نجيب محفوظ، وعبد الرحمن منيف، وجبرا إبراهيم جبرا، وصنع الله إبراهيم، وصولاً إلى الأجيال اللاحقة، بالإضافة إلى عنايته بالفكر التنويري العربي، وفي مقدّمه إنجازات طه حسين. على المقلب الآخر، سيجمع في وعاء واحد أطروحات ماركس، وهيغل وغرامشي وأمبرتو إيكو، وتظهيرها على نحوٍ آخر. هذا الحضور النوعي، رغم عزلة صاحبه، سنجد مراياه في كتاب تكريمي بعنوان «حارس الحكايات: شهادات، دراسات، مراجعات» أشرف على تحريره عيسى برهومة، وعامر أبو محارب (الدار الأهلية)، بمشاركة نقّاد وروائيين عرب، أبرزهم: محسن جاسم الموسوي، وفخري صالح، وواسيني الأعرج، وهدى بركات، ومحمد عبيد الله، وإبراهيم السعافين. تتشظى الحكاية هنا، ليس بما يخص التأويل التاريخي للرواية، إنما في ما يتعلّق بالسيرة الشخصية للناقد، والهزائم التي ألقت بثقلها على ذاكرته بوصفه فلسطينياً في المقام الأول، وتالياً، تأرجحه بين «ذاكرة المغلوبين»، و«الحداثة المتقهقرة»، وصولاً إلى عزلته الاختيارية، واستقراره في عمّان بعد تجوال طويل بين دمشق وباريس وبيروت. مكابدات من هذا الطراز، أفرزت نصّاً نقدياً صارماً ينطوي على وعي متفرّد «يمثّل صاحبه ولا يمثّل قوّة أو حزباً أو مؤسسة. وضْعيته أقرب ما تكون إلى وضعية «المثقف المنفيّ» بمصطلح إدوارد سعيد، فعاش معاناة المنفيّ وشقاءه، مثلما استمتع ببعض مباهج النفي، تلك التي أتاحت له أن يرى آفاقاً أوسع، وأن يقرأ مشكلات واقعنا وعالمنا بصفاء أقوى ووضوح أشدّ» وفقاً لما يقوله فخري صالح في شهادته «صورة المثقف». من جهته، يرى واسيني الأعرج أن صاحب «نظرية الرواية والرواية العربية» كان «من الأقلية النادرة التي نادت بضرورة تجديد المؤسسة النقدية المترهلة التي كانت تعيش في دوامة التكرار، من دون القدرة على تحقيق القفزة النوعية، فمدَّ الجسور الثقافية العالمية نقدياً مع أسماء كبيرة ظلت سجينة الرؤية الستالينية للثقافة. كما انفتح على جهود السوسيولوجي لوسيان غولدمان صاحب البنيوية التوليدية، الذي شكَّل مساراً مستقلاً في البنيوية التي ربطت النصّ بالتعبير عن المجموعة الاجتماعية، وليس عن الطبقة كما في الأطروحات الاشتراكية السابقة». أمّا محمد عبيد الله، فيشير إلى أنه «يقيم في ذلك الحد الفاصل بين الثقافتين العربية والغربية، متخذاً مسافةً من التنوير الأوروبي، الذي ينضح بوجوه متعددة من المركزية الغربية، لكنه، في الوقت نفسه، يدرك ما للتنوير الأوروبي من أثر عميق في فكر آبائه من النهضويين العرب، والتفكُّر بالمعضلات الكبرى للعرب المعاصرين من خلال الأشكال السردية والمتخيَّل الروائي». يختزل فيصل درّاج نسخته الأخيرة بقوله «أنا روائي مقموع، طموحي أن أصبح ناقداً».